آخر 10 مشاركات
التهجير بالنّار والدّمار وتعذيب الأسرى وقتل الصّغار (الكاتـب : - )           »          ما اغلاها (الكاتـب : - آخر مشاركة : - )           »          كنا صغارا نلعب (الكاتـب : - آخر مشاركة : - )           »          سجل دخولك بنطق الشهادتين (الكاتـب : - آخر مشاركة : - )           »          اللَّهمَّ صلِّ على سَيِّدِنا محمد (الكاتـب : - آخر مشاركة : - )           »          صباحيات / مسائيـات من القلب (الكاتـب : - )           »          واجب العزاء للأستاذ ناظم الصرخي بوفاة شقيقته (الكاتـب : - آخر مشاركة : - )           »          : يوم الجمعة .. (الكاتـب : - آخر مشاركة : - )           »          هـذا الصبـــاح .... (الكاتـب : - )           »          ألقوا بالثورة إلى الشَّارع يَحتَضِنها الشَّعب (الكاتـب : - )



العودة   منتديات نبع العواطف الأدبية > نبع التألق > مسابقات منتديات نبع العواطف الأدبية > مسابقات السرد

الملاحظات

الإهداءات
عواطف عبداللطيف من صباح الجمعة : جمعة مباركة للجميع إن شاء الله عواطف عبداللطيف من واجب العزاء : تتقدم بالعزاء والمواساة للشاعر ناظم الصرخي بوفاة شقيقته ,,رحمها الله برحمته الواسعة وأسكنها فسيح جناته ,,وإنا لله وإنا إليه راجعون دوريس سمعان من صباح الورد : طيب الله جمعتكم برياحين الجنة

موضوع مغلق
 
 
أدوات الموضوع انواع عرض الموضوع
 
قديم 05-12-2013, 10:47 PM   رقم المشاركة : 1
روح النبع
 
الصورة الرمزية عواطف عبداللطيف





  النقاط : 100
  المستوى :
  الحالة :عواطف عبداللطيف غير متواجد حالياً
اخر مواضيعي
قـائـمـة الأوسـمـة
افتراضي القصص المشاركة في مسابقة الوفاء في القصة القصيرة 2013

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة


وعلى بركة الله نبدأ

القصص المشاركة في مسابقة الوفاء لمنتديات نبع العواطف الأدبية
في القصة القصيرة 2013

في الذكرى الثانية لرحيل الشاعر عبد الرسول معله












التوقيع

آخر تعديل سمير عودة يوم 05-12-2013 في 10:55 PM.
 
قديم 05-12-2013, 10:49 PM   رقم المشاركة : 2
روح النبع
 
الصورة الرمزية عواطف عبداللطيف





  النقاط : 100
  المستوى :
  الحالة :عواطف عبداللطيف غير متواجد حالياً
اخر مواضيعي
قـائـمـة الأوسـمـة
افتراضي رد: القصص المشاركة في مسابقة الوفاء في القصة القصيرة 2013

القصة رقم (1)

شاطئ الانتظار


كانت زوارق الصيد واقفة ساكنة ‘ كسكون البحر وسكون ذلك الأفق الذي لونته ريشة الغروب بالوانها الدافئة ‘ غير ان ذاك الدفء لا يبعث على الفرح ‘ كان حزنا مجسماً يمتد على طول الخط الفاصل بين البحر والسماء حزن يتسلل اليها ويتسرب الى شغاف قلبها ويسكنها ‘ وهي تنتظر وحيدة في المرفأ ‘ كان ذلك الانتظار المر يحاصرها ‘ ويأخذها الى أعماقها ‘ فتشعر دوما بالخيبة عند كل مساء ‘ عندما يرسم الغروب لوحة أحزانها المتكاثفة .. .
لم يعد ذلك الذي أحبته سنين ‘ وهي ترقب البحر وتنظر الى الزوارق الخالية ‘ وقد تركها اصحابها بعد رحلات الصيد الاحتفالية ‘ يسبقهم غنائهم وأهازيجهم في نهاية النهار.ويصمت المكان ‘ وتمضي جحافل الليل في نسج غطاء العتمة الذي يغطي كل الاحاسيس البشرية ‘ بما فيها من تفاؤل وتشاؤم ‘ من أفراح وآلام.
خرج ذات صباح ولم يعد لم يخبرها ‘ كانت نائمة ‘ رمى بجلبابه الليلي ونعليه ‘ ومضى للصيد وحيدا كعادته .. افتقدته ‘حين لم يعد‘ ولم تجد له اي اثر‘ كانت تحبه ‘ كثيرا ما تعلقت برقبته وهو يخرج ‘ وكثيرا ما تسحبه بقوة وتعيده الى المنزل الصغير الخشبي وكأنها تخشى فقدانه كان ينفعل كثيرا ‘ ويحاول ان يتملص من ذراعها الطرية وهو يقهقه ويقسم انه لن يتأخر ‘كان يعرف كم تحبه وكم تغار عليه وكان يبادلها الحب ولكن من دون تلك الطقوس ‘ كان يحاول ان يشرح لها عن هموم الحياة ومتاعب لقمة العيش ‘ وهو يسافر بعينيها الواسعتين ‘ ويسرح في جمال شعرها الطويل الاسود الذي يشع ضوءاً ارجوانياً بلون الحناء ‘يتأمله وهي تسرحه كل صباح بالمشط المذهب الذي اهداه لها.
لا يمكن ان يختفي هكذا .. تقول هذا وهي تنظف زوايا البيت وتمسح الغبار عن الاثاث البيتي وتعيد ترتيب الفراش وتوزع الوسائد التي طالما اتكأ عليها ‘ تأكل قليلا بعد ما عافت نفسها معظم أنواع الطعام ‘وخصوصا تلك التي كان يحبها ‘ تجلس الى النافذة المطلة على البحر وهي تخيط شيئا ما في يدها وتسهم بعيدا ‘ جميلة مثل وردة الصبار التي تظهر فجأة بجمالها الأخاذ وتختفي ‘ لا احد يراها الا نادرا .
عملت ( رتيبة ) بعد غيابه بخياطة شباك الصيد لتضمن بقاءها على قيد الحياة ‘ لم تكن تفكر بذلك وهو الذي يشق الفجر بعنفوانه ‘ ويندفع للبحر قبل الآخرين ويعود قبلهم ايضا ‘ بحظ من الصيد الوفير ‘ لم يكن يهمها شيء لطول ما انتظرته .. كانت كل يوم تعد له الطعام ‘ وتملأ الإناء بالماء لتغسل قدميه ‘ وتمشط شعرها وتزينه بالمنديل المزركش ‘ وتلبس الحلق الذهبي الذي اتى به يوم عرسها وتدور حوله كظله ‘ تغني وترقص ويلتهب الجو بالعطر والحرير المنسكب من الشعر الاسود الطويل وهو يلهث بلون الحناء ظلالا متوهجة حمراء تتأرجح حولها
- : انت .. حلوة ! تغمض عينيها وتحلم باللحظات الجميلة لتنتشي بالذكريات التي لا تفارقها لحظة ..
لم يعد وهذا ما يمزق آمالها ‘ تنتظر كيف ينتهي النهار من النافذه التي تنغمر بالضوء والظلمة ‘ يأتي الليل وتصبح الحياة أصعب بكثير‘ الكل يغفو.. الاّهي ‘ تتلمس الوسادة الخالية‘ تبحث عن النفس الدافئ القريب ‘و ذراعيه تطوقانها ‘ عن الرجل الذي كان معها وما زال معها ‘ان قضية غيابه هي مسألة وقت ! تقول هذا .. ويصبح الانتظار شيئا كالظمأ ‘ تشرب كأس ماء وتعود لها الطمأنينة - : هكذا علي ان اتعود هذا الانتظار انه سهل اسهل من ان نشرب القدح ونكتفي ‘ وبعد تمر الايام والشهور .. والمواسم .. كل شيء يتغير الاّهي لا تتغير ولا يتغير شيء في البيت ابدا في دواخلنا ينمو الامل الى جانب اليأس ويصبح الصراع حقيقيا ‘ يوماً يغلب الامل ويوماً ينتصر اليأس .
تخرج تسير في الطريق تبتسم للناس الذين تعرفهم تقبل هذه وتحتضن تلك حين تلتقي بنساء القرية ..ما هي الاخبار‘ الاسئلة والمرارة نفسها ‘ هل هناك شيء ؟ هل سمعت ؟ هل سمعتم ؟ تشتري لتبيع وتبيع لتشتري الاخبار ذاتها ‘ ولا جديد لا أحد يعرف‘ والخيبة نفسها لا احد يعرف ‘ الكل ‘ الجميع‘ الصيادون الرجال يخرجون كل صبح ويعودون ‘ كان يسبقهم ‘ تعرف هذا ويعود قبلهم ..غير انه لم يعد.
وسفينة الامل تقودها منذ بداية النهار ‘ فتعمل بهمة ونشاط وهي تشتري مواد لإعداد صنف من الطعام الذي يحبه‘ فتقطع اللحمة والخضار وتنقع الرز وتنتهي من إعداد الطعام ‘ وتنتظر حتى ينتهي وقت الغداء وهي لم تذق شيئا ‘ وفي المساء تنادي الاولاد الجائعين في الشارع وتعطيهم الطعام وتجهش بالبكاء ‘ وهي تنظر من النافذه الى ذلك المجهول ‘ ويسافر الحزن في روحها والليل يرخي سدوله .. تاتي من وقت لآخر جارتها صبحة ‘ تحتضنها وتبكي تقول لها (صبحة ) : - لا يا رتيبة يكفي ما زلت في عز شبابك وجمالك ‘ انسيه .. وعيشي حياتك‘ الكل يتمنون ودك وكم من رجل كلمني.. لأقناعك بالزواج ولا ترد ‘اوتكتفي بالعدول عن التفكير به ‘ ثم تستطرد قائلة - :لا يا صبحة انت لا تفهمين لا تفهمين شيئا ‘ انا احب حسن لن انساه ابدا ‘ بل لا اتذكره لاني لا انساه ! انه ما يزال معي يعيش في فكري .. انا اعرف حسن كان يحبني ‘ لا لاتعرفين كم ! لا يمكنك ان تعرفي ..
تشربان الشاي وتتوسل صبحة الى رتيبة ‘ ان تأكل شيئا انها لا تأكل لقد نحلت كثيرا وزاد شحوب وجهها لعل الاحتمال بدأ ينفذ ‘ وان السنين بدأت تعمل عملها وبدأ الشيب الابيض يظهر بين مفارق شعرها ‘ انها تكبر‘ تكبر ولا من خبر تأتي به الريح اليها ‘ او مع امواج البحر اللاهثة ..
في صباح شتائي كئيب وقد اكتسب المكان والزمان لوناً رماديا كان باب بيت رتيبة مفتوحا ‘ يصر صريرا منتظما بفعل الرياح ولم تكن في الدار! كانت صاحبتها صبحة تدور في زوايا البيت ‘ كل شيء مرتب ونظيف والشاي على النار يغلي وثمة قطع من الخبز وجبنة وثوب قديم ملقى على الفراش .
أطفأت صبحة النار ورفعت ابريق الشاي وخرجت وهي تتساءل :
أين انت يا رتيبة في هذه الساعة المبكرة ؟
ومضى النهار ولا أثر لرتيبة... !
في المساء كان بعض الصبية يلعبون قرب الشاطئ ‘ واذا بهم يرون امرأة طافية على وجه الماء‘ وشعرها يغطي وجهها الشمعي ‘ وقربها تطفو ورقة بيضاء تماما ‘ تبدو كرسالة محى الماء حروف كلماتها تماما يا للمساء الدامي .. كانت الشمس قد صبغت الافق بلون قان ..












التوقيع

 
قديم 05-14-2013, 10:28 PM   رقم المشاركة : 3
روح النبع
 
الصورة الرمزية عواطف عبداللطيف





  النقاط : 100
  المستوى :
  الحالة :عواطف عبداللطيف غير متواجد حالياً
اخر مواضيعي
قـائـمـة الأوسـمـة
افتراضي رد: القصص المشاركة في مسابقة الوفاء في القصة القصيرة 2013

القصة رقم (2)

وَأدُ الحلم


أُماه ... قال المعلم : " يوم الاثنين سفرة ، ستذهب مدرستنا سفرة الأُسبوع القادم " .
عانقتْه "حسنًا يا ولدي"، دفعتْ له أَربعة آلاف إِجرة السيارة، وقد عصرها العوز، لكنّ السفرةَ فرحةُ أحمد .
سارَ فِي الطريق المعاكس بعد عودته من المدرسة ، وصل إِلى بيت عمه ، هرولَ نحو عمّه، قبَّلَ يديه ، مَسَح َالعمُّ رأسَ أَحمد ، وناوله قطعة حلوى ، لكنَّه رفض أخذها ، ومال برأسه جانبًا .
ما بكَ يا أحمد ؟ هل تشاجرتَ مع أَحدٍ ؟
لم يتفوه، ما تريدُ أَنا تحت أَمرك، ورأسه مطأطِئًا بصوتٍ ينطقُه الأدبُ، " أُريد أروح للسفرة" . أَخرج العمّ محفظته وناوله ، ثم أولاد عمّه أعطوه أَيضًا ، عمّته " سأَعمل لك كيكة تعال وخذها يوم الأَحد بعدما ترجع من المدرسة" . خرج وهو طائر من الفرح ، كفراشة بين نسائم الربيع .
يَعِدُّ أَحمد الأموال " إِنها تكفي ، هذه للمرجوحة ، وهذه للركوب الحصان ، وهذه للسيارات ، يلا هَذِهِ المتبقية أُشاهد السينما ثلاثية الأبعاد" .
أُماه ، يا أُماه ، دنا منها ويتمسح بأَطرافِ ثيابها ، " حمودي ما تريد ؟"
أُريدُ حذاءً ، فالسفرةُ عرسنا . أَصبحَ كُلُّ تفكيرِه فِي السفرةِ وأَلعابها ونقودِه .
اقترب الموعد لم تتبقَ سوى ليلتينِ ونهارٍ واحدٍ ، يتقلبُ عَلَى السريرِ، كما تتقلبُ أَحلامُه فِي طوابيرِ الانتظارِ، لكنَّه فِي الأَخير غرقَ فِي النومِ ، فجأةً يرمي فراشَه ، والصراخ والبكاء يخرج دفعةً واحدةً ، فَزَّ مرتعباً ، تقفزُ أُمُّه عَلَى عجل ، " ما بك يا حمودي ؟"
" ماما لِمَ تمنعيني من الذهاب ؟
لِمَ لا يُسمحُ أَن أَركب السيارة ؟ "
أَنت تحلم ، احتضنتْه ، ومسحتْ دموعه ، قبَّلته " لا تخف مجرد حلم هذا" .
" ماما رأيتُ السيارات واقفةً والتلاميذ متجمعون ، والشمسَ تُغطيها غيوم الليلِ، والريح مرتفعة ، وأَنا لم أَقدر الاقتراب منهم أَنت تقفين بوجهي ، لِمَ لا يركبون فِي السيارات !! "
أهدأ ، ما هذا إِلا حلم ، نُم يا عزيزي، الليلة أَحد ، وغدا المدرسة صباحا ، عليك النوم ، اِبعد عندك الوساوس .
خرج أَحمد إِلى المدرسة مع أَصدقائه ، حينَ رأى باب المدرسة رجع راكِضًا نحو البيت ، يطرقُ الباب عَلَى عجلٍ ، أَحمد ما هناك ؟ ألم تذهب إِلى المدرسةِ !
" نعم لكنّي رجعتُ أُذكرُك ، أَن تشتري لي حذاءً فغدا السّفرة " .
رفعتْه إِلى صدرِها، قَبَّلَتْه بِحنانِها " تدلّل حمودي " .
يبتسمُ ... ويقول غدا سفرتنا .
قبل أَن يدقَّ الجرسُ مُعلنا نهاية الوجبة الأولى من المدرسة ، وَفِي تمام الساعة الحادية عشرة وعشر دقائق صباحًا ، اهتزّت الأَرضُ من تحتِ أَقدامِ التلاميذ ، فُتِحت الأبواب ، وَتساقطَ رُعبًا زجاجُ النوافذ ، الدوي أَيقظ صراخ الأطفال .. يندفعُ أَحمدُ من بين التلاميذ ، ويفلتُ من قبضة المدرسة، فقد أَمر المدير بإِغلاق كُلّ الأبواب تحرسا من انفجار آخر .
يركض لكن لا يدري بِأَيِّ اتجاه، أَرعبَه الصوتُ، فها هو يبحثُ عن أُمِّه لِيشعرَه بِالأَمانِ، مشهدٌ مُوحش، الدماء تصبغ الشارع ، جثث ملقاة هنا وهناك ، الأَشلاءُ متناثرة فِي كُلّ الأَرجاء ، دخانٌ يتعالى ، صياح وصراخ يدوي ، وأَنين ونياح ، الشمسُ تأكلُها سُحبٌ داكنةٌ، شردَ منه الفكر ، لا يدري أَينَ هو ، راح يتخطف النظر بينَ الجثث ، يتفطرُ فؤادُه اليتيمُ ، شبابٌ يجمعونَ القتلى فِي سيارات الحمل لنقلها للمستوصف القريب .
يرى جثةَ امرأةٍ ما تزالُ فِيهَا حركةٌ ، استل من بينَهم، يقترب منها ، وقد أَخرجتْ يدها جانبا وَكَأَنَّهَا تلوّح بشيءٍ، يعبر نحو السيارة خفيةً ، ويدقق فِي تلك الجثة المغطاة بالعباءة السوداء ، وهو يقتربُ منها عرف أَنّ فِي داخلِ الكيس حذاءً .












التوقيع

 
قديم 05-16-2013, 04:41 AM   رقم المشاركة : 4
روح النبع
 
الصورة الرمزية عواطف عبداللطيف





  النقاط : 100
  المستوى :
  الحالة :عواطف عبداللطيف غير متواجد حالياً
اخر مواضيعي
قـائـمـة الأوسـمـة
افتراضي رد: القصص المشاركة في مسابقة الوفاء في القصة القصيرة 2013

القصة رقم (3)

مزامير من سفر الفرات


المزمور الأول


مسودة الفقد النؤاسية


صمت ثقيل جاثم على جنبات الرصيف ، والطريق الأسفلتي المتهدل وسط بقايا تمثال تهشمت ملامحه ، جسده يتفصد عرقا ً .. سأجف حتما ً قبل وصولي .. اعتصر واجهة عمامته ليمسح عرقا ً ضايق رؤيته وعاد ليتطلع إلى الملامح المبعثرة عند نهاية الرصيف المهروس .
- ما أبشع أن يتغير كل شئ هكذا .. !
قبل لحظات كنت متواريا ً في دثاري ، أنعم بنوم هانئ متوسدا ً ذراع جاريتي الجديدة التي أهداها اليّ نديمي الرشيد بعد غزوته الأخيرة في بلاد الفرنجة ، إلا أن كابوسا ً مرعبا ً أقض مضجعي ، وجعلني أغادر ايقاعات أنفاسها الدافئة على حين غرة .. اللعنة على الأحلام ، وما تجره على أصحابها من ويلات
رفع رأسه الى السماء مبهوتا ً ، غاضبا ً .. كانت سحابات سود تتوالد وترعى بهدوء .
- فـ ...ـآآآ ..سـ .. !
انتفض بشدة .. العقارب تتنزه في الليالي المتربة .. هكذا قالت جدته وهو صغير .. ذكريات بريئة تتواثب لتنقض على ما بقي في جسده المتعب.. كان يبكي عندما كانت تحكي له قصة لسعتها من قبل عقرب غادر .. لكنه كبر ولا يدري كيف انتقل سم الخوف من مرحلة الطفولة حتى مرحلة النضج.
انتفض لحركة لايعلم مصدرها إلا أنه أحس بدنو عقرب موت يتجه نحوه .
قبل قليل كان برفقة وزير الديوان ، وأخبره أن نديمه الرشيد سعيد بصحبته ، وأنه سيسر إليه بشئ لن ينساه طيلة حياته المقبلة ، لقد تحفز للقدوم مبكرا ً ليغرس مجساته في ناصية الوجع ويعود ليكمل تفاصيل بشارته مع صديقه المخمور.
- اللعنة على الأحلام ، وماتجره علينا من ويلات .. ألم تجد غيري كي تصطاد فرحته بسنارتها المزعجة ، وتحيل موائد الفرح المؤجل فيها الى مأدبة للعزاء
.. يالحظك العاثر ياأبا علي، لم تفترش يوما ً وسادة الفرح إلا وداهتمها دموع الكوابيس ، فما شأنك و تلك العربة المذهبة وبما تصطبغ به من ألوان قاحلة ، ترسم صورة موت مجعد مخفي بين عنق الحكاية ، وعنكبوت الزمن الجاثم فوق أوردة حلمك.
- الـ... فـ..ـآآآ..س..!
لم يستطع أن يرفع رأسه صوب السماء مرة أخرى ، وبخه شيخه في الكُتّاب على تبذيره حبر دواته وهو يحاول أن يتأمل نافذة كُتّابِهِ ِ المتهرئة ليخط من بين شعاع أجنحة حمامها الواقف عليها جملته الأولى
- ..ـلـ..ـب الـ..فآآآآآ .. س .. !
أكنت تظن وأنت تتفاجأ برؤية اسمك محفورا ً على حافة التمثال المقصوف ، أنك ستكون شخصاً مرموقا ً في المستقبل ، حتى تنتعل واقفا ً ما تبقى من حذاء الحكاية ، وتقف مكانه منتهزاً لحظة الفوضى التي عصفت بالموجودين حتى جعلتهم يتسابقون في صراع محموم لتهشيم أروقة بناياتهم الضخمة ، ونهب ما فيها من متاع وأثاث أتعبته يد من استهلكته مثلما هو واضح من آثار ماتقادم عليها من شروخ وخطوط ناعمة ، ثم ماهذا الذي كان يختبأ بين جنبات قدمه اليسرى .. هل كان صندوقا ً مذهبا ً موشوما ً بنقوش فضية .. لا أعلم .. فصرخات أحد الغرباء المتوسدين قطعهم اللاهبة فاجأتني حتى جعلتني أنفض مذعورا ً لأضيع وسط الجمع المتجمهر في وسط الطريق المحتقن
- ..جـ..ـلب .. الفآآآ .. س .. !
بعض بقايا ماتلفظ به هذا الغريب كان عصيا ً على الفهم ، حتى وأنا اتذكر بعض من مفرداتي الأعجمية التي كانت تتلفظ بها جدتي منذ صغري ، ولعل لفظة ( آي فاوند إت ) ذكرتني بأغنية فارسية الا أن لفظة( بوكس ) و (جاك ) الغريبتين ضيعت ما أردت أن أتذكره منها .. يا ترى ماذا كان يقصد ، وماذا كان يوجد في تلك العلبة المذهبة ...؟!
- إ..جـ..ـلـب الفأس ..!
وجه والده القابض على فأسه بكل قوة في حقل مولاه البصري كان يرمقه بوجع مسترسل ، مدفون بلهاث قافية موؤدة ... مات وهو يضع أنفاسه في الضربة الأخيرة
- اجلب الفأس .. !
الذبابة التي تجري في عروقه جعلته يدرك أنه سيسحق تماما ً تحت فأس القدر ، إذا هو لم يتحرك !
مخالفته لأمر والدته وهي تنهره ، وتأمره بالابتعاد عن والبة بن الحباب والجري وراء ملذاته الفانية .. شنيعة جدا ً
تحركت خطواته المعقوفة باتجاه إحدى الأشجار المعدنية ، المنتصبة على يسار الرصيف المهشم .. توقفت الحياة في داخله فجأة .. لايدري كم من الوقت مر ّ قبل أن تتدفق الدماء في عروقه كسيل هادر لتهدم سد الخوار من داخله
تراجع قليلا ً إلى الوراء .. اتكأ على بقايا الشجرة المعدنية التي لم يجد لها اسما ً ، نظر باتجاه قطعة الحجر التي أعثرته وأدمت كاحله الأيسر حتى جعلته يهدئ من خطوه مستسلما ً لعجلات صمته اللاهث .
قطب حاجبيه ... غير معقول .. وجه لأحد شخوص بني العباس
أحس بشئ يوهنه عن الوقوف ، إلا أن إرادة المفاجأة أذهلته وأمرته أن ينهض بالرغم من وطأة مايحس به من الآم ومشاعر متضاربة .. يتقدم صوب الرأس .. يتأرجح ماشيا ً ، حتى يتمكن من القبض على قطعة من فصّ عينه اليمنى ، تأملها بحذر ، ثم أخذ قطعة أخرى من عمامة الرأس ، المطعمة بنقوش طالما ألفها وتعودت عيناه أن تغازلها في كل سهرة ، حاول أن يتلمس بعضا ً مما أحاطها من تجاعيد وطيات متعجبا ً من دقة من قام بنحتها ، وكأنما صاحبها قد تم تحنيطه وتركه ليتحول مع ماتبقى من ملابسه وحليه إلى قطعة من الحجر .. دقة ماحملته من تفاصيل جعلته يغوص مع ذكريات أمسه ( القريب – البعيد ) متذكرا ً ألوانها وبريق الجوهرة المتربعة على أسفل الجبهة الموالية لغرة حاملها و......
- ماهذا ، هل هذه كلمات منقوشة على حواف الجوهرة .. أم أنها مجرد نقوش أخرى .. انها كلمات فعلا ً منقوشة بطريقة لايفهمها الا أهل ذلك الزمن .. ولكن ماذا جاء فيها : فأس ، كلكامش ، وحش .. ماهذا الكلام ..
مسح على ناصيته وأغمض عينيه قليلا ً ، ثم فتحهما بهدوء ، حاول أن يسترجع بعضا ً من أبجديات علومه التي برع فيها ، ليحاول أن يفكك جزءا ً من خيوط هذه الأحجية الغريبة ، وماهي الا لحظات حتى فغر فاه ، فالكلمات هنا –بالرغم من بعثرتها – واضحة ً جلية ، إنها تقول :- (( إذا كنت قد وجدت تمثال رأسي مهشما ً ، فأبحث عن الفأس التي غرسها كلكامش في عنق خمبابا وحش غابة الأرز ، قبل أن يُفتَح َ باب ٌ من أبواب الجحيم ويُنزل على هذه الأرض وحشا ً أعتى منه ، أو من ثور عشتار المجنح ، أو من كلب مردوخ الأعور ذي الرؤوس الثلاثة ، حارس بوابات الجحيم .. لا تتوجل ، فقد كُتِب َ كُل ذلك على ورق الغيب ، وطالعتنا إياه نجوم السماء من قبل أن ندق إسفين الحجر الأول لهذه المدينة ، وقد قمنا بتخبئتها هنا إلى أن يتمكن الشخص المسافر إلى أثواب الغيب من العثور عليه ، فإن كنت ذلك الشخص ، فلا تتردد في دك رأس هذه الشجرة التي ستنهض من أوردة البذور المخبأة تحت أقدام تمثالك ..أسرع ، قبل أن ينزل الغول الذي يظنه البشر ، أنه طعم الله الموشوم بحريته الموعودة على أيدي الأغراب القادمين من وراء البحر .. أسرع ولتحفظك كل قوافي الشعر ، وليالي السمر التي تنعم بالنوم في أعتاب ذاكرتك الصدئة ))
اندهش قليلا ً من عمق ما تفصح به هذه الكلمات الغريبة ، حتى اهتزت يده وأسقطت ما تحمله على بقايا فم التمثال القاحلة
فتح فمه قليلا ً ليتقيأ جزءاً من بخار الكلمات الصادحة بلعاب ما صادفه من متناقضات ، من لحظة نهوضه من أكتاف كابوسه وحتى سقوطه بين ثنايا فكوك خط استوائه .
حاول أن يتراجع لولا أن أصواتا ً أطلقتها حجارته الملقاة بين قدميه داهمت مسامعه .. لم يكن صوت ارتطامها بالأرض بل كان صوت آخر ، هل يعقل أن تكون معاقرته للخمر قد سلخت عنه الحكمة حتى تحول إلى إنسان لا يفرق بين صوت الارتطام والتأوه ، دس يده بين طيات عمامته عله ينزع من أذنيه بقايا ذلك الصوت ، حاول أن يهز رأسه ليطفئ طنينه من قطرات الودق المتساقط على هضبته المنبعجة .. لم يفلح
-آه يا الهي ماهذا الصوت الوافد على عذرية مسامعي .. من أين يصدر .. كفى أتركني ، أرجوك .. لم أعد أحتمل
حركاته الهيستيرية لم تمنع الصوت من مداهمة أذنيه بصفيره المدوي ، تتلاقح الأفكار في ذهنه وتتوالد هديرا ً ينتشر بسرعة عاتية ، ومحلقا ً فوق سماوات تشظياته ، تحتويه غمامة من الأفكار الهستيرية تلقيه عند بقايا الفم المثلومة شفته ، بسقوط لثامه
- ما .. ماهذا .. هل هذا هو مصدر الصوت ؟!.. يا الهي أنه يؤلم
ملازمته لمسك صيوانا اذنيه لم يمنع الصوت من اختراقه
- يا ألهي .. هل أنا أحلم مجددا ً أم أنني لا أزال ملقى خارج بوصلة حلمي الأول ؟ ، أنقذني يا الله ..

يا رب إن عظمت ذنوبي كثرة
فلقد علمت بأن عفوك أعظم
أدعوك رب ِّ كما أمرت تضرعاً
فإذا رددت يدي فمن ذا يرحم
إن كان لا يرجوك إلا محسن
فبمن يلوذ ويستجير المجرم
مالي إليك وسيلة إلا الرجا
وجميل عفوك ثم أني مسلم

- ههههه من ماذا تستجير يا فتى ، فأنا الذي تألم من آثار إلقاء جوهرة عمامته على شفته ؟ !
- من .. من أنت ؟؟!
- أنا بقايا التمثال الجاثمة تحتك ألم تعرفني .. ؟!
- ما .. ماذا ، تمثال يتكلم ؟ .. يبدو أنني قد جننت فعلا ً ، أو أكاد أجن ههههههه .. لقد جننت ، لقد جن أبو نؤاس ، يا شماتة كل قوافي الشعر التي قلتها ، وكل كؤوس الخمر التي قبلتها ، يا فرحة شعراء الأمين بهذه اللحظة .
- توقف عن هذيانك يا فتى وأسمع لما أقول فلم يتبق لك الكثير من الوقت .
- ماذا اسمع ، وهل بقي من أذني شئ يستطيع أن يميز شيئا ً بعد الصوت الهائل الذي نفثته فيه .. ثم من أنت ، شكلك مألوف عندي إلا أنني لم أتشرف يوما ً بالتعرف عليك ؟
- الآن لاتعرفني ، أيها المولى الهجين ، لقد كنت تستمتع بمجالس السمر عند وريثي الرشيد ، وتتنعم ببذخ قصوره ، وتسألني الآن من أنا ؟
- الرشيد .. وأين أنا من هارون ، ومن قصره الذي أحيط بأسوار من أبنية وعمارة لم أألفها ، حتى ضيعت ملامح الطريق الذي كنت أحفظه عن ظهر قلب ، من أنت .. هل كنت من رواد مجالس مولاي أمير المؤمنين ؟
- أنا أبو جعفر ..عم والده و جد زوجته ( زبيدة ) ، وباني هذه المدينة العريقة ، وقد هشم المغول الجدد رأسي كما ترى ، وهم يحاولون أن ينفثوا سمومهم بما تبقى من رئتي على هذه الأرض .
- أها ..
- ما بك هذه الأرض التي تقف عليها جزء مني ، وكل ذرة من ترابها تُشكّل خلية من خلايا خارطة جسدي المتعب .
- وماذا تريد مني يامولاي ؟؟ ! .. أنا الآن ضائع وشريد ، خارج حدود زمني الذي أعرفه .. ولا أعلم ان كانت عيناي ستطالعني بشئ من مباهجه ، أم أنها ستقصيني كما أقصت رأسك الى موانئ الوجع الجريح
- أريد منك أن تتشجع ، وتسرع في انجاز الدور الذي وكلت به منذ الأزل
- دور أي دور .. عن ماذا تتحدث يا سيدي ؟
- لا تخف .. هدئ من روعك ، لقد أنتخبتك هذه الأرض لهذه المهمة من قبل أن تولد ، فأحطناك برعايتنا وكلائتنا إلى أن جاء الوقت الذي ترد فيه الجميل ، وتقوم بدورك الذي رسمته لك يد القدر
- يد القدر .. انتخاب .. مهمة عن ماذا تتحدث ، يبدو أن دوي الانفجار الذي بعثر رأسك قد طير ما تبقى من أبراج عقلك المنتهك
- تأدب يا فتى ، واستمع لما أقوله لك ، فلم يبق أمامك متسع من الوقت
- إلى ماذا أسمع إلى هذا الهراء .. آدمي يحدث حجرا ً ؟؟؟ هههههه
يهزه صوت الدوي مرة أخرى حتى يعود ليسقطه ذليلا بين ثنايا الفم المتهدل
- اسمع ... لقد وجدنا مخطوطة قديمة بين بقايا طوق كسرى ، الذي بنينا من حجارته هذه المدينة تخبرنا عن فأس مخبأة بين قصب الأهوار ، واعلمتنا عن ميزتها وعن من سيستخدمها ومتى فأخذناها وخبأناها حتى حانت اللحظة التي سيتم ايصالها الى حاملها ، فنفثنا في نفوس الحاقدين شيئا ً حتى يتجرَؤا ويحطموا هذا التمثال لنمكنه من الاستدلال عليها وتنفيذ ما رسم منه منذ الأزل
- لا تقل لي أنني هو الشخص المختار .. يالشماتة كل ماعلق في ذهني من علوم وفقه
- اسمع .. عليك أن تسرع ، فالشجرة التي سينبتها حفيد جاك من البذور المخبأة تحت قدمي تمثالك على وشك أن تنهض ... هل كنت تظن بأن هذا التمثال قد وضعناه عبثا ً هنا ، أم أنك كنت شيئا ً ذا قيمة في وقت لم يمجد شعرك إلا ماجنيك .. يا لك من شخص مضحك فعلا ً ههههه .
- ها .. لقد تعجبت فعلا ً ، حتى قلت في نفسي ، من هذا الذي يجرؤ على اذلال اسمي بوسم هذه المدينة الطاهرة بواجهة رسمي .. ولكن ، عن أي بذور ، وأية شجرة تتحدث .. لم أفهم هذا الجزء من كلامك ياسيدي .
- عن بذور الشعوبية التي وصمت بها بعد موتك ، وبذور الاباحية والزندقة .. لقد جاء العابرون من وراء الشفق ليعيدوا احياءها ويغذونها بكل ما اعتمل في جوارحهم ، من كراهية وحقد ، حتى يَسِموا أولاد هذه الأرض بأختام النخاسة على جباههم بحجة أنها (( حرية لديمقراطية موعودة ))
- (( ديمقراطية )) لا اعرف عن ماذا تتحدث ياسيدي ، هل نسيت أني من زمن آخر .!
- لا عليك ، فلايهم ان كنت تفهم جزءا ً مما أقوله أم لا ، المهم أن تبحث عن الأداة التي خبأناها تحت مفاصل عنقي كي تهشم بها ما يحاولون غرسه .. أسرع قبل أن يحصل المحذور وحينها لن نستطيع أن نفعل شيئا ً .
- أداة .. أي أداة ؟
- ما بك .. الفأس المذهبة التي قرأت عنها في الكتابة المنقوشة كطلسم حول جوهرتي .. أخرجها ولاتضع الوقت بسؤالاتك الفارغة ..ولكن احذر من أن تظهرها أمام أي شخص إلى أن تصل ، فهي شئ ثمين ، وقد يقتلك الواقفون حولك طمعا ً في قيمتها .
- أمرك ياسيدي
- أخرجها .. وأعلم أنك ستدخل حلبة التاريخ وتنال عظمة لم تنلها طيلة حياتك المزعومة في قصور أولادي
حاول أن يوقظ عيون أصابعه وهو يشرع بتقليب الأحجار المتكتلة على ضريح الرأس المهدم
أصداء صوت والدته وهي تحثه على الخروج من القبو المنعزل ، يخالط شبقه للعثور على عنق الفأس المدفونة
تطالعه غمامة سوداء تتشكل في منتصف المسافة بين تمثاله وقصر الخلد
يأمره الرأس بالإسراع .
تقع عيناه على عجلات مجنزرة مفتوحة ( الفوانيس ) في وضح النهار ، وعلى أشخاص مدججين بمعادنهم اللاهبة وهم يغرسون شيئا ً في رحم الأرض ويسقونها من جثث جماجم َ مشطورة من النصف ويرددون عبارات غريبة مصحوبة برقصات تشبه حلبات القرود
((- ما بالك ياأبا نؤاس لاتضحك .. الا ترى هذا الأعجمي وهو يرقص ويراقص قرده الأحمر
- أعذرني يامولاي ، لقد أهمني أمر جاريتي الحبلى ، وأنا أخاف أن تدهمها لحظة الطلق ولاتجد من يأخذ بيدها أو يسقيها شربة ماء
- لا تخف يا أبا نؤاس .. وأضحك فاليوم (( سمر )) .. وغدا ً (( أمر ))
- نعم يا خليلي اليوم سمر وغدا .....)) بدأت الأرض تهتز وصراخ الرأس له بالأسراع
ظهرت سيقان خضر سرعان مأصفرت حتى اسودت وبدأت تتسارع في الصعود كأذرع أخطبوط عملاق وهي تنث من بين مساماتها دخانا ً أسود ، انقطع الجمع عن الانسياق في هذياناتهم وبدأت العربات المصفحة بمغادرة المكان وهي تردد بأبواق تشبه الحلازين
Came to your Destiny
Came to your Freedom
Ha ha ha ha
وبين هذا وذاك تتسارع الأذرع الخشبية بالتصاعد نحو الأعلى وسط صرخات الرأس ، داعيا ً أبا نؤاس للأسراع في البحث عن الفأس الذهبية ليوقف نهم الغول في الهبوط ، ويفلح في إسقاط هوية الهبة الغريبة ، التي يحاول أن ينزلها الغرباء من أعالي قفصها السماوي المغلق.












التوقيع

آخر تعديل عواطف عبداللطيف يوم 05-23-2013 في 11:30 PM.
 
قديم 05-23-2013, 11:36 PM   رقم المشاركة : 5
روح النبع
 
الصورة الرمزية عواطف عبداللطيف





  النقاط : 100
  المستوى :
  الحالة :عواطف عبداللطيف غير متواجد حالياً
اخر مواضيعي
قـائـمـة الأوسـمـة
افتراضي رد: القصص المشاركة في مسابقة الوفاء في القصة القصيرة 2013

القصة رقم (4)

بوكاشيو



تمنيت كثيراً السفر عبر تلك البحار ومشاهدة تلك الأمواج والشمس من خلفها انه منظر لا تستطيع أن تعبر عنه ريشة فنان ماهر ….أخيرا تحققت تلك الأمنية عندما كنت عائدا إلى وطني على تلك الباخرة أو العبارة التي تدعى بوكاشيو نعم كانت رحلة ممتعة حقا مليئة بالكثير من المغامرات وأوجه الجمال الحقيقية التي لم تشاهدها عيني قط واعتقد أنى لا أشاهدها مرة أخرى لعلك تسأل حبيبي القارئ
ألهذا الحد ؟
نعم وأكثر
ولكن قبل أن ابدأ دعني أذكرك باسم كتبته ومررت عليه مرور الكرام ولكنه في الحقيقة محور قصتي هذه وهو بوكاشيو ضع الكثير من الدوائر والخطوط حول وأسفل ذلك الاسم وهو اسم لن تنساه آبدا ولن أنساه أنا ما حييت
كنت أجلس وحدي على سطح تلك العبارة أشاهد جمال الطبيعة والمياه من حولي وأنا أسير عليها كالذي يسير على ارض صلبة لا اعلم كيف ولكنه شعور جميل حقا وذلك القرص الملتهب هناك أوشك أن يسقط في تلك المياه وكأنة يطلب منى النجدة لأمنع ذلك وأنا أقف بعيدا مكتوف الأيدي وليس لي حيلة غير أن أشاهده وتلك الأمواج تصفعه صفعة تلو الأخرى وأسمع له صريخا يدوى في أذني . لقد قاطعه الآن صريخا أخر لبعض الفتية يلعبون حولي كعادتي دائما لا استطيع أن أخلو بنفسي بعض الوقت إلا ويحدث أمرا لا استطيع بعدة أن اندمج مرةً أخرى بما كنت أفكر لا بأس لقد استمتعت بتلك اللحظات الجميلة وأخذت أتأمل ما حولي وأسير فوق تلك العبارة بخطوات ثابتة محاولا الاستمتاع بكل شيء، كل شيء حولي ولا ادع لحظة تفوتني.
بدا لي كل شيء طبيعي في بادئ الأمر الصبية يلعبون ويتسابقون وتغمرهم فرحة كبيرة وآبائهم يستمتعون ويتسامرون
كنت ارصد كل شيء من حولي بكمرتي التي لا تفارقني أبدا ولكنى لاحظت حركة غير عادية على السطح . أظن أنه لن يلحظها غيري لأنها كانت حركة بحذر شديد من طاقم الإشراف على صيانة العبارة. من الواضح أنهم كانوا لا يريدون أن يصاب المسافرون بالذعر أردت أن اعلم ، ما الأمر؟. اقتربت من احدهم قائلا :
- "هو في أيه ؟ "
لاحظت ارتباكه وضيق عينيه وجحوظهما ولكنه همهم قائلا: لا لا..لاشيء وأشار بيده قائلا :عد حيثما كنت.
ولكنى لم أشعر بالراحة لحديثه لارتباكه الشديد وضيق عينيه الذي أخافني قليلا .أخذت ارقب المشهد من بعيد وهم يتحركون في سكون واضح . ولكن شيئا فشيئا بدأت الحركة للطاقم تزداد ، حتى أنها لم تعد قاصرة على المشي بل إلى حد السرعة والجري في أوقات أخرى ولكنى الآن لم اعد الوحيد الذي يعلم ذلك الأمر لاحظ بعض المسافرون تلك الحركة الغريبة والغير طبيعية وتساءل بعضهم كما تساءلت . وما زاد الأمر حيرة أنهم لا يجيبون مثلما فعلوا معي من قبل .
(إذاً بالأمر سر ) .وفجأة ذادت الحركة أكثر و أكثر وارتبك كل من على الباخرة حينما فوجئنا بأنهم يسقطون قوارب النجاة وتزايدت التساؤلات ، (يا جماعة حد يرد علينا) وحينها فقط وجدنا الإجابة على كل تساؤلاتنا قال احدهم : -" العبارة بتغرق "
- "نعم أية بتقول أيه !!!!؟"
- "بقولك العبارة بتغرق"
- " يا نهار اسود "
اخذ كل منا يحدق في عيون الأخر وفجأة اخذ كل منا سترة النجاة وبدأ بارتدائها وخصوصا من لا يعلم شيء عن السباحة مثلى وبدأ كل منا الصراع على ركوب قوارب النجاة ولكنها لا تستطيع أن تأخذ هذا الكم الهائل من المسافرين فأعدادنا تفوق الألف مسافر وسادت حالة من الهرج والصراعات بداخل العبارة وتعالت معها الصيحات وبكاء الأطفال وهنا سمعت أذني صوت طلق ناري كاد أن يثقبها التفتت إلية كل الأنظار حتى الأطفال سكنت أصواتهم كأنهم يريدون أن يعلموا ما الأمر وما هذا الصوت ؟
وهنا وجدنا قائد الباخرة وكان وجهة غاضبا جدا وبجانبه اثنين من المساعدين واقفا وكله ثبات تام وصاح بنا قائلا - "في إيه ؟"
اجبنا جميعا بصوت واحد:
- "العبارة بتغرق يا كابتن "
ولكنه أجاب:
- "مين قال الكلام السخيف ده؟"
وأضاف هذا الكلام ليس له أساس من الصحة لابد أنها كانت دعابة من احد أفراد الطاقم وأطلق ضحكة ساخرة جعلت كل منا يكظم غيطا أحسسنا جميعا أننا كنا ببرنامج ساخر هزلي ضاحك كالكاميرا الخفية ولكن آيا ما كان هذا فكلنا لم نحب ذلك أبدا ونكرناه وان لم يكن بصوت عالي فقد خرج في شكل همهمات وأصوات لا تعرف لها معنى .
وعادت الأمور إلى طبيعتها ولكنى شعرت بهدوء غريب وأحسست أن ذلك الهدوء هو الهدوء الذي ما يسبق العاصفة أحيانا .. إنها لساعات طويلة حتى نصل إلى ذلك الشط اللعين فقد بدأ الخوف يتسلل إلى قلبي خصيصا عندما لاحظت أفراد الطاقم يتحركون مرةً أخرى ولكن تلك المرة بحذر شديد جدا جدا وهم يرتدون سترة الإنقاذ . كنت حينها لازلت ارتدى سترة الإنقاذ الخاصة بي حتى أنني سمعت الكثير من الضحكات والغمزات على نفسي من بعض المسافرين وركاب الباخرة وقال احدهم:
- "أنت فاكر انك لسه في الكاميرا الخفية"
ولكنى لم اشغل بالى بما يقوله بعض الركاب عنى أو عن سترة الإنقاذ تلك فقد كان في قلبي خيفة مما يجرى وعدم فهم وتفسير لبعض الأمور المبهمة التي تدور من حولي
وفجأة زادت الحركة للطاقم الخاص بالعبارة مرتا أخرى وبدأ إفراد الطاقم بنزول قوارب النجاة مرتا أخرى وبسرعة كسرعة البرق نزلوا هم أيضا كانت وجوههم شاحبة شحوب له خيفة لا يعلمه إلا من كان متابعا لهم.
وقف بعض المسافرون متابعون لما يجرى على العبارة وقال احدهم (لن تضحكوا علينا مرةً أخرى )، ولكنهم لم يلتفتوا له حتى وبسرعة فاقت سرعة البرق وبحركة بهلوانية قفز الكابتن ومساعديه بداخل قوارب النجاة وهنا بلغت القلوب الحناجر وتسلل الخوف إلى قلوبنا جميعا ثم توقع احد منا أن يكون هذا امتدادا لسيناريو الكاميرا الخفية وقال بصوت مرتفع :
- "ألعبوا غيرها
ولكن القوارب أخذت في الابتعاد عدة أمتار عن العبارة وهنا استل احدهم المذياع وصاح قائلا:
- " ارتدوا سترات النجاة "
ثم اخذ منه الكابتن المذياع وصاح هو الأخر قائلا
- "إحنا كلمنا بتوع إنقاذ السواحل وهما جابين ليكوا ما تقلقوش"
هنا أدركنا حقيقة الكاميرا الخفية والتمثيلية السخيفة ولكن بعد فوات الأوان ، ولكن ما الأمر؟ وماذا حدث؟ علنا نجد حل !!!!!
وجدنا أحدا من أفراد الطاقم لم يستطيع أن يلحق بهم هو وبعض زملاؤه أسرعنا إليه وأمسكناه كمسكت رجل واحد وقمنا بسؤاله ما الأمر وماذا حدث ؟ أجاب مذعور أن هناك حريقا قد حدث بغرفة المحرك وتم مكافحته بالاستعانة بتلك المضخات التي تقوم بسحب مياه البحر إلى داخل العبارة عن طريق تلك الخراطيم وقد تم السيطرة على الحريق سريعا في بداية الأمر إلا انه لسبب ما قد اشتعلت تلك الغرفة مرة أخرى وبشراسة أكبر وحينها تم تشغيل كامل الطاقة لطلمبات الضخ للسيطرة على ذلك الحريق وقد تم فعلا السيطرة على الحريق ولكن العبارة قد امتلأت بكمية كبيرة من المياه ولزم حينها تشغيل طلمبات الطرد لتطرد تلك المياه خارج العبارة لكي تعيد للعبارة توازنها ولكننا اكتشفنا أنها لا تعمل وظلت المياه بداخل تلك العبارة وهى الآن على وشك الغرق وعندما سألناه عن كابتن العبارة قال انه كان يحاول أن يستغيث بعبارة أخرى بالجوار ولكن قائد العبارة الأخرى لم يستجيب، ففر هاربا هو الأخر . لم يكد أن ينهى تلك الكلمة حتى مالت العبارة ميلة كبيرة وترنحنا جميعا ولكنها لم تغرق كليةً ولكننا أدركنا جميعا أنة قد بات الأمر وشيكا .
ماذا نفعل ألان؟ قد يكون هذا هو وقت تلاوة الصلوات كما رأيت أم يكون وقت تجمع الأسرة مع بعضها البعض واحتضان الأم لأطفالها الرضع وسماع دقات قلب الأب من خيفته على زوجته وأولاده .أنة في موقف لا يحسد عليه، وقد يكون هذا هو وقت جمع وسرقة الأموال التي أهملت من بعض الركاب في لحظة المفاضلة بين أطفالهم وبعض العملات الورقية كما رأيت. إنه يوم كيوم الحشر لا أعلم ماذا افعل ولكن بعد تفكير عميق بدأت بنصيحة الركاب بالتوجه إلى الجانب الأخر كي نحافظ على توازن العبارة علنا بذلك نكسب بعض الوقت لحين وصل فرقة الإنقاذ استمع لي البعض ولم يبالِ البعض الأخر لكلامي إما لكبر سنهم أو لاعتقادهم الراسخ بأنها النهاية لا محالة وما هي إلا لحظات حتى سمعنا صوت انفجار شديد اهتزت معه كل أرجاء العبارة وسقط معه بعض الركاب بالماء ولكنى تشبثت بقطعة من العبارة وتمالكت نفسي وقاومت واستطعت أن استعيد توازني ولكن هذا الماء يتدفق من كل جانب من جوانب العبارة لا يوجد مكان إلا وهو ممتلئ بالماء ماذا افعل ؟ العبارة تغرق والجميع يتساقط من حولي ومن الواضح أنى لا استطيع أن أصمد كثيرا تمسكت بجزء صغير حديدي من العبارة بالكاد استطيع الحفاظ على توازني لا أعلم أن كان ذلك من عدم اتزان العبارة أم لخوفي وارتباكي الشديد المهم أنني وقفت بالجانب الأخر من العبارة لعلى اكسب بذلك بعض الوقت عاودت التحدث مع من حولي لأهدئ من روعهم الكل قد فقد أعصابه ولا تجد في عيونهم غير الخوف والدموع مصحوبة بصوت صراخ الأطفال كل شيء.. كل شيء حولي يصيب بالذعر حتى وان كنت تحاول أن تتمالك نفسك لا تستطيع كل ما يجرى حولك لا يساعد على ذلك ..أهي النهاية فعلا ؟
أأصرخ في كل تلك الوجوه كي يصمتوا واهدأ وتهدأ نفسي !!!
أم أستسلم واسقط نفسي بالماء وينتهي كل ذلك الذعر ؟
من المحتمل أنى أحلم نعم هو حلم لابد أن أغمض عيني وسوف أستيقظ بعد قليل لأجد نفسي نائما على فراشي الجميل نعم .. وهنا صمتت كل الأصوات ولم نسمع جميعا إلا صوت انفجار عظيم أخر بغرفة المحرك اهتزت معه كل أرجاء العبارة وتساقط أمامي المئات بالماء ولكن لكل منا شغله الشاغل تمسكت جيدا بجزء من العبارة لا اعلم ما هو ولكنى كنت أتوسل إليه ألا يتركني من هول المنظر.
عجيب هذا الإنسان حقا قد كنت منذ قليل أرغب في الخلاص من كل هذا بأن ألقى بنفسي في الماء وحينما واتتني الفرصة فقد كان صراع الحياة وحب البقاء هو الأقوى.
المشهد من أسفل مخيف الكل يتساقط وتتعالى الصيحات ولكنى أغمضت عيني وتمالكت نفسي واستطعت أن استجمع كل قواي وأخيرا تنفست الصعداء استطعت الوصول إلى بر الأمان من وجهة نظري وحينها أغمضت عيني للحظات كي لا أرى توسلات العشرات والمئات لي كي أنقذهم أو أنقذ أبنائهم وأطفالهم الرضع التي تتساقط أمام أعينهم، لا أعلم لماذا خطر ببالي حينها مشهد القرص الملتهب وهو يسقط بالماء وتلاطمه الأمواج ويطلب منى النجدة والنجاة وما لي حيلة غير أن أشاهد وها هو الموقف يتكرر مرة أخرى ، لكنى لم أقف مكتوف الأيدي هذه المرة نعم لابد أن افعل شيء ولكن ما هو هذا الشيء ؟ تتزاحم الأفكار برأسي ماذا افعل ؟ نظرت هنا وهناك ولكن لاشيء غير المياه تتدفق من كل جانب من جوانب العبارة و.... ما هذا انه طوق من أطواق النجاة أسرعت ورميت به إلى الماء و.يا الله، انه انفجار رابع قد أحدث طنينا بأذني فلا اسمع لصراخ هؤلاء صوتا وهنا لم اشعر إلا وأنا فاقد الوعي بالماء وقد ساعدتني سترة النجاة على الطفو فوق سطح الماء، ولكن لم تستطيع الباخرة مع هذا الانفجار الهائل أن تصمد كثيرا فقد انقسمت إلى شاطرين وما هي إلا دقائق قليلة إلا وغرقت كاملة . كانت قد غرقت الباخرة بتمام الساعة الثانية بعد منتصف الليل . المئات والمئات كلهم الآن موتى ولا ترى عيني إلا أشلاء متراصة في تلك الظلمة التي لا أعلم لها نهاية وهنا بدأت رحلة أخرى من اغرب وأصعب ما رأيت في حياتي إنها مشاهد تراودني أحلامي إلى الآن .
أفاقني أحدهم وبدأت رحلة الصراع مع الموت ولكنى لست الوحيد في هذا المشهد المريع فجميع من حولي قد بدءوا للتو تلك الرحلة فلا بد أن نصمد قليلا نعم لقد أعلمنا قائد الباخرة قبل الفرار أن المساعدة بالطريق إلينا وبينما أنا أفكر إذ بشيء يصطدم بى استدرت ببطء شديد لأرى ما هذا .
أحقا ما تراه عيني أم خيالات وخزعبلات من تفكير عقلي الباطن. ا انه حقا اقسم انه كذالك انه قارب صغير من قوارب النجاة لا يسع تقريبا إلا لخمس أو عشر أفراد فقط . حمدا لله استطعت بالكاد الصعود على ظهر ذلك القارب وأخذت أنادى من حولي كي يصعدوا معي .
وصل عددنا إلى ثلاثون فردا لا أعلم كيف لكن لا يوجد مكان للجلوس أو التنفس ولكن لا يهم .فوجود كل هؤلاء بجانبي أحسسني بدفء غريب وطمأن قلبي قليلا ولكن ما هذا الظلام الدامس إنها ليلة سوداء لا يوجد بها بصيص من الضوء كان لدى شعور غريب أن هذا الحال لن يدوم طويلا . وما هي إلا دقائق معدودة حتى غضب البحر وارتفعت الأمواج وتصاعدت الصيحات...
وإذ بموجة عاتية بلغ ارتفاعها عدة أمتار تضرب القارب ليسقط ويسقط جميع من فيه ولم ينجو منا إلا عشرة أشخاص قمنا بالصعود فوق القارب وبينما نحن كذلك إذ بشيخ ذو لحية بيضاء بين يديه طفلا جميلا لا يتجاوز الثانية عشر يناديه بسعد اخذ يحدق بنا ثم وقعت عينة بعيني فأشار لي كي أدنو منه كان له هيبة لا تقاوم فمال على أذني وبلغة كلها رجاء خاطبني قائلا:
- "بالله عليك هذا أمانة في رقبتك إلى أن أحضر والدته وأخته "
كنت لا استطيع أن أرده خائبا فكانت لهيبته شأن عظيم وذهب ليحضر زوجته وأبنته ولكن القدر قد آبى ذلك فلم يكتب لهم النجاة وإذ بموجة عاتية أخرى تضرب القارب ضربةً شديدة فسقط مرةً أخرى وسقط كل من فيه قبضت بيدي على يد الطفل سعد ، ورفعته بين ذراعي وأخذت اقلل من روعه حتى نام وهو متعلقا بعنقي . تعلقت بطوق صغير من النجاة كأنه هو ذلك الطوق الذي رميته من الباخرة لاحقا . المشهد مخيف جدا ومرعب والظلام حالك هنا والطقس قارص البرودة وأسماك القرش تحيط بنا من كل جانب، ولكن ما هي إلا ساعات قليلة وتصل المساعدة .اصمد قليلا وسوف تنجو بأذن الله هكذا تحدثت لنفسي.
قاومت النعاس لكي لا اسقط كمن سقط حولي، ومن يستطيع النوم في كل تلك الأجواء المخيفة والمرعبة ومع كل تلك الصرخات من حولي ؛ فهذه أسرة أب وأم وابنة يستصرخون ويطلبوا النجاة والمساعدة ولكن من يلبى انه يوم الحشر ولم يصمدوا كثيرا فقد غرقت أبنته بعد صراع كبير مع الموت ولم تستطيع الأم أن تتحمل ذلك فحاولت أن تنقذها وتجذبها لأعلى ولكن ما حدث هو العكس فقد جذبتها هي إلى الأسفل وعندما حاول الأب أن ينقذ الاثنين جذبوه بشدة فسقط هو الأخر وأبتلعهم ذلك الوحش الأسود وتلك أسرة أخرى أب وأم وطفلة رضيعة قد سقطت الطفلة بالخطأ من بين ذراعي أبيها وعندما اكتشفت الأم ذلك قد جن جنونها وأخذت تبحث وتنادى ولكن الأب قبض علي يدها بقوة وهى تصرخ في وجهه:
- "اتركني أتركني .. أنت السبب "
وأخذت تلكمه لكمات قوية على صدره ولكن الأب كان حكيما فقد كان يعلم أنة لو تركها لكانت في عداد الموتى ومال على أذنها وتحدث إليها بصوت عالي (هوني عليك يا حبيبتي ...انه أمر الله وأمانته وقد استردها )
وهنا ارتمت الأم في أحضان زوجها وانهمرت الدموع من عينيها حتى تمنيت أن تكف عن البكاء كي لا ترتفع المياه من حولي ولا استطيع التنفس .
استأذن شخص يدعى مجدي في مرافقتي كي نتحدث ونقضى ليلتنا هذه ولا يغلبنا النوم في تلك الليلة المظلمة قبلت بشرط أن نتحدث في أمور بعيدة عما نحن فيه كي نهرب قليلا من ذلك الواقع المؤلم.
سكنت الأمواج مع أول ظهور لضوء النهار ومرت ساعات وساعات ونحن على هذا الحال وبينما نحن كذلك إذ توقف مجدي فجأة ونظر إلى احدهم وصمت كثيرا آثار فضولي سؤاله :
- "ما الأمر يا مجدي ؟ أكنت تعرفه ؟"
أجابني :" نعم انه آخى "
يا الله لقد مزقته اسماك القرش .أخذت أهون عليه هول الصدمة وتابعنا السير أنا وهو والطفل سعد حتى رأينا أمرآة كانت في عجلة من أمرها تحمل رضيعها فوقها ولكنه سقط بسرعة البرق ولم يظهر له اثر كحجر صغير القي بالماء توقفت ونظرت نظرة بالماء وتبعتها بنظرة أخرى للسماء كأنها كانت تطلب الرحمة من الله ثم أكملت السير وهى تبكى
ومر الوقت بطيئا حتى كادت الشمس أن تغرب وهنا سمعنا احدهم ينادى بصوت عالي الله اكبر الله اكبر. .. فانتبهنا جميعا ما الأمر ؟
- "لقد أتت المساعدة " هكذا تكلم
فانتفضت قلوبنا جميعا من الفرحة وأخذنا نبحث حولنا أين تلك المساعدة أين ؟ لقد كانت طائرة وقفت فوقنا. أشار لنا احدهم ولوحنا له جميعا أن أغيثونا ولكن ما هذا ؟ ما هي إلا دقائق معدودة ثم تركنا ومضى بعيدا كيف هذا؟
لا أعلم ولكنه إحساس كإحساس الخيبة والضعف والاستسلام للموت فهذا هو قبرنا لا محالة وبينما نحن كذلك إذ بامرأة لا نعلم من أين أتت تمسك بمجدي وتتوسل له أن ينقذها ولكنه لم يستطيع التخلص منها فقام بدفعها بشدة حتى سقطت وماتت . حدقت بوجه مجدي طويلا مع صمت تام ولكنه قاطعني تلك النظرات بحدة قائلا:
- "لا تنظر إلى هكذا لقد كادت أن تقتلني كما رأيت"
لا اعلم إن كان ما فعلة مجدي كان صوبا أم خطأ ولكنى فضلت أن ابتعد عنه وأخذت سعد الذي كان قد فزع من تصرف مجدي وإخافة كثيرا وكان قد اصابة الإعياء الشديد انه مشهد مخيف لا يوجد بة رحمة فهو صراع البقاء.
قررت أن أكمل رحلتي وحدي وطمأنت نفسي قائلا لا بد أن المساعدة بالطريق وإلا لما كانت تلك الطائرة هنا . ؟ لابد أنها ذاهبة لتأتى بالمساعدة التي طال انتظارنا لها
أكملت ليلتي الثانية وحدي وسط توسلات من سعد أن أتركه ليلقى حتفه فلا يوجد أمل ولكن كلماته زادت من تمسكي له ولكن قد ساءت حالته كثيرا وزادت حالة الإعياء لدية لم يحتمل كثيرا فقد فارق الحياة مع الساعات الأولى من الصباح كانت تلك أول مرة لي في البكاء من بداية الأحداث فقد تعودت عليه فهو من كان يصبرني على تلك المحنة وأحسست أنى أضعت الأمانة وما هي إلا بضعة ساعات إلا وجاءت المساعدة فعلا وبدءوا بنقل المصابين والناجيين وانتشال الجثث من الماء ورحت ألقي نظرة الوداع على سعد ففقدت الوعي حينها واستيقظت وأنا بإحدى المستشفيات مكثت بها ليوم أو يومين لا أذكر ولكنى أودعت بعدها لمدة عام تقريبا بإحدى المصحات النفسية .. ومن يومها لا تفارقني تلك الصورة ولا أسافر عبر البحار












التوقيع

 
قديم 05-25-2013, 03:26 PM   رقم المشاركة : 6
روح النبع
 
الصورة الرمزية عواطف عبداللطيف





  النقاط : 100
  المستوى :
  الحالة :عواطف عبداللطيف غير متواجد حالياً
اخر مواضيعي
قـائـمـة الأوسـمـة
افتراضي رد: القصص المشاركة في مسابقة الوفاء في القصة القصيرة 2013

القصة رقم (5)

((ثمة ظلام تحت عباءتها ... وحليب))


في الظلام الكامن تحت عباءتها يسكن الليل , ليل عار تماما ومجرد عن كل ما يرصعه , لا نجوم تلمع فيه ولا حتى هلال جديد , كل ما كان يسكن تحت عباءتها هو محض ظلام , تعبر به شوارع تزأر فيها السيارات فيفض ضوءها بعض من ثقل ذلك السواد , يرى من خلال النسيج الأسود شموس لاهبه تتقدم نحو ظلامه فتتعداه بزمجرتها وبأصوات المنبهات , كان يستشعر خوفها وحذرها من خلال ذراعيها , فقد كانتا تضغطان عليه بقوة كلما أسرعت في خطواتها أو كلما ظهر في أفق السواد ضوء لسيارة مسرعة , يشعر دوما بتعبها وهو رابض بين نسيج العباءة وصدرها الذي كان يحاول أن يتلقف بارتفاعه وانخفاضه المتسارع ذرة من الهواء , يستشعر تعبها وهو الكائن الرابض ما بينهما , يتقدم مع تقدمها بغير إرادة منه نحو مديات المجهول , سمع سيل الشتائم التي انهالت عليها وربما حتى اللكمات التي جعلت جسدها الناحل يهتز فيهتز معه متجنبا عشرات الصفعات , كانت تجتاحه أمنية أن ينتفض ويكبر جسمه فيمزق حاجز الحرير الأسود الذي غلفته به ويهم بصفع أو صد كل ما كان يأتيها من جهات العنف المخيفة , دوره في عالم الغشاوة هذا هو الاستماع والارتجاج وكذلك الخوف , يعتصره الرعب مع كل شهقة تطلقها , وكذلك كان يرقص مع تتابع نشيجها الطويل , ابتعدت به عن دوامة العنف وسارت وهو ما زال مغلفا بالظلام ... ظلام العباءة , ابتعدت به إلى أماكن أكثر أمنا وأوسع نورا من ذلك الظلام المخملي , هكذا حدثه قلبها الذي تتسارع دقاته كلما اقتربت من أصوات النباح , ربما كانت تقصد قرية صغيرة ... ولكن القرية ... حتى القرية الصغيرة لا تقتصر نغمات ليلها على أصوات النباح , بل يجب أن يكون خليطا من أصوات عديدة , هكذا كانت توسوس فيه خبرته الحياتية الصغيرة وهي تقترب من مركز النباح ... تعالى النباح وصار أكثر ارتفاعا وعدائية , ضغطته بكفها بقوة , هبط جسدها وهبط معه ثم نهضت , مع ارتجاج جسدها وجسده صار العواء صرخة وألما وعداءا بات يهرب متراجعا , خمن وهو الهابط والمرتفع مع جسدها بأنها قد تكون التقطت حجرا من الأرض وقذفته على ذلك النابح القريب , ابتعد النباح وما عاد يسمع من خلال حاجزه الأسود غير خليط من أصوات حشرات وضفادع كثيرة , سمع كذلك صوت بوم قريب وهسيس أوراق لشجرة ربما كانت كبيرة , توقفت وابتلع صدرها كمية هواء كبيرة , عرته أخيرا من ليل العباءة , شعر بأنه قد انتقل من ظلمة صغيرة إلى ظلام كبير وسمين , وكما خمن قبل أن يولد من رحم عباءتها , كان هنالك في المكان تشمخ شجرة عملاقة , واستقر في أعلى أغصانها ذلك البوم , وأبصر كذلك حفرة عميقة بالقرب من قدميها , هبطت به إلى تلك الحفرة , تمددت بجانبه وضمته في ليل العباءة مرة أخرى , أحس بأنها تقرب فمه من صدرها العاري , وبالرغم من قسوة ذلك الظلام البارد اشتهى دفيء صدرها , تلقفه بنهم وراح الحليب ينساب إلى جوفه كالحياة , كان منتشي بالدفيء والحياة , لا يسمع غير استقرار الليل وقلبه , لكن قلبها صار يضطرب كلما اقتربت الخطوات من حفرتها , توقف صاحب الخطوات , سمعها تهمس :
(لا تتردد أنا الآن مستعدة ...)
ضمته بقوة وكأنها تدعوه بكل دفئها أن يمتص ما استطاع من رحيق الحياة , كانت تزيد من قوة الضغطة وهو يسرع بالرضاعة .
سمعه يردد بألم كلمة (وداعا) قبل أن يخترق السكون صوت رصاصة جعلت جسدها يهتز وينتفض حتى استقر , كانت هامدة وباردة بجانبه وتلاشت أنفاسها تماما , كل ما بجسدها صار باردا وساكنا عدا حليب صدرها الذي ظل يدر في فمه حليبا تنتشي الحياة به , ظل يرتشف من ينبوع الحياة حياته ... ولكن ... كانت هناك في أعلى الحفرة , مجرفة تهيل بسرعة على جسديهما التراب , تؤسس لعتمة طويلة وتشيد لهم ظلمات أوسع من ظلام العباءة .












التوقيع

 
قديم 06-04-2013, 03:44 AM   رقم المشاركة : 7
روح النبع
 
الصورة الرمزية عواطف عبداللطيف





  النقاط : 100
  المستوى :
  الحالة :عواطف عبداللطيف غير متواجد حالياً
اخر مواضيعي
قـائـمـة الأوسـمـة
افتراضي رد: القصص المشاركة في مسابقة الوفاء في القصة القصيرة 2013

القصة رقم (6)

يارا وناصر وعهد الوفاء


أخذت سارة تجري مهرولة بكل سرعة بعد إنتهاء دوام المدرسة، وما أن وصلت إلى باب المنزل؛ حتى أخذت تصيح بأعلى صوتها وهي تلهث وتنادي أختها قائلة: يارا.. يارا أين أنت؟
خرجت يارا مِن الغرفة وعلامات الغضب تملأ وجهَها، وهي ترد بصوت منخفض قائلة: أخفضي صوتك أيتها الغبية، ألا تعلمين أنه وقت القيلولة، وأبي نائم الآن! متى ستكبرين؟! لقد بلغت العاشرة مِن عمرك!
وبعد أن أستعادت سارة أنفاسها المتقطعة مِن شدة الجري، أجابت بلهفة وهي تشد مِن يد يارا وتسحبها لتخبرها بصوت منخفض قائلة: لقد عاد، لقد عاد يا يارا.
أستغربت يارا وأجابت قائلة: مَن عاد أيتها المجنونة ؟! وماذا تقصدين؟!
أجابت سارة والبراءة تشع مِن خلال عينيها قائلة: لقد عاد ناصر مِن السفر.
تفاجأت يارا وأجفلت، وتسمرت في مكانها، وقد شلت أطرافها ولسانها، وضاعت عليها الكلمات مِن هول المفاجئة، وأمتلأت عيناها بالدموع، لتعبر عن كل ما كان يخالج عقل وقلب يارا العاشقة بعد سماعها لهذا الخبر.
مرت سلسلة ذكريات عبر مخيلة يارا كفلم سينمائي سريع العرض، إلى حيث لقائها الأول بناصر على ساحل البحر، حينما كانت تصيح بأعلى صوتها لطلب النجدة لإخيها الصغير الذي أوشك على الغرق وهو يسبح في البحر، فهرع ناصر نحو مصدر الصوت وما إن رأى ذلك الموقف؛ حتى غاص البحر لينقذه، ومنذ ذلك اليوم جمع الحب والإعجاب بين يارا وناصر، كانت يارا حينها في ربيعها الخامس عشر، صبية جميلة تتفجر بأنوثة وليدة، وكان ناصر في السابعة عشر مِن عمره، شاباً مقتبلاً يملؤه النشاط والحيوية.
أدركت سارة شعور أختها، فمسحت دموعها، وشجعتها بأبتسامة قائلة: هيا يا يارا أسرعي لإستقباله ولتكن مفاجئة لهُ، أنا واثقة بأنه سيفرح كثيراً بلقائك.
أكتست وجه يارا في ظل دموعها بمسحة مِن الفرح والخجل، ثم سألت قائلة: وكيف علمت، فمنذ أكثر مِن عام أنقطعت عني رسائله وأخباره، هل أنت متأكدة مِن الخبر؟
أجابت سارة قائلة: حينما مررت صباحاً أمام دار أم ناصر وأنا في طريقي إلى المدرسة، سمعت زغاريدها تهل من منزلهم، وهي تقول لجارتها أبني ناصر سيعود اليوم من السفر.
مرة أخرى سرحت يارا بعيداً مع الذكريات، فبعد مرور ثلاث سنوات مِن قصة حب مفعمة بالمحبة والوفاء، جاءها ناصر في يوم حزين ليبلغها بأنه قرر الهجرة ليعمل ويكسب بعض المال، وبعدها يعود ليكلل حبهما بالرباط المقدس.
أفاقت يارا مِن ذكرياتها على صوت سارة وهي تسحبها من يدها نحو الباب قائلة: هيا يا يارا، ماذا تنتظرين؟، لا تكوني جبانة، أنا متأكدة أنه يتمنى رؤيتك بعد هذا الغياب، هيا أسرعي، سأرافقك إلى منزلهم ثم أعود سريعاً، قبل أن تشعر أمي بغيابنا.
ترددت يارا، ولكن الشوق كان أقوى مِنها، فطاوعت سارة وتوجهت برفقتها نحو منزل ناصر، لتتأكد مِن الخبر الذي أنتظرته طوال خمس سنوات.
وبينما كانت تجري بصحبة سارة، تذكرت كيف قضت ثلاث سنوات مِن أجمل لحظات عمرها مع حبيبها ناصر قبل سفره، تلك اللقاءات والسويعات الجميلة على ساحل البحر.
وفجأة تباطئت في سيرها، وأخذ الشك يساورها، وهي تردد مع نفسها: يا ترى هل بقي ناصر على عهده ووفائه؟، لقد أنقطع عن مراسلتي منذ أكثر مِن عام، حتى رسائله الأخيرة كانت وتفوح مِنها رائحة الجفاف والبعاد، فلم يكن يكتب أكثر مِن سطرين أو ثلاثة، تتكرر بنفس العبارات والكلمات، عكس رسائله الأولى التي كانت تلتهب بلوعات الحب والشوق، ولكن مستحيل أن ينساني ناصر وينسى حبنا وعهدنا، فالبحر يشهد والسماء تشهد وطيور النورس تشهد حبنا وعهدنا على الوفاء، هكذا أقنعت يارا نفسها أخيراً، وأستعدت لمقابلة ناصر.
مر الوقت سريعاً، وإذا بيارا أمام باب منزل ناصر، تسمرت في مكانها، وهي تنظر إلى جرس الباب، ترددت، هل تطرق الباب أم تعود إلى منزلها؟، أفكار متضاربة كانت تدور في رأسها، رفعت يدها عدة مرات لتطرق الباب لكنها لم تجرأ.
البيت في صمت وسكون، والأجواء هادئة، ليس هناك ما يدل على فرح وزغاريد أو ضيوف؟!
أخذت يارا تسأل سارة بصوت منخفض قائلة: أين صوت الزغاريد يا سارة؟! آه لو كنت تكذبين، فأقسم سوف أشبعك ضرباً.
أجابت سارة بثقة قائلة: والله سمعت زغاريد أم ناصر وهي واقفة أمام هذا الباب وتقول لجارتها، أبني ناصر سيصل بعد قليل.
لم تستطع سارة الصبر وهي ترى يارا مترددة, فبادرت على الفور وطرقت الباب، سكنت يارا في مكانها وقد أكتسح وجهها بالغضب مِن ساره، وفتحت شفتيها لتوبخها، لكن الكلمات لم تخرج، وبينما هي مشدوهة لا تعرف ماذا تعمل وكيف تتصرف، وقلبها يخفق بشدة، فإذا بالباب يفتح، كانت أم ناصر بوجهها الحزين الشاحب وعينيها المغرقتين بالدموع، أستغربت يارا وأخذت تحدث نفسها في صمت وحيرة: يا إلهي ماذا جرى؟! يبدو أن الوقت غير مناسب؟! هل هذه دموع الفرح في عيني أم ناصر، أم هناك مفاجاءة غير سعيدة ؟!، يا إلهي كم أنا غبية حينما طاوعت سارة على الحضور، وبعد صمت، سلمت يارا بخجل قائلة: مممممرحبا خالتي.
فهمت أم ناصر سبب حضور يارا، ظلت على صمتها وحزنها، وإذا بصوت هادئ يرد من خلال فناء الدار قائلاً: مَن الطارق يا أمي؟، أرجوك لست على أستعداد لمقابلة الضيوف.
ظلت أم ناصر شاردة لا تعرف بماذا ترد على ناصر أو يارا.
سمعت يارا ذلك الصوت الذي تميزه مِن بين آلاف الأصوات، فأختلست النظر إلى الداخل نحو مصدر الصوت، فرأت ناصر جالساً في فناء الدار.
أخذت تحدث نفسها: يا إلهي كم أشتقت لهذا الصوت، ها هو بنفس القامة والشعر الأسود الغزير والصوت الحنون، لم يتغير شيئاً فيه، تنفست يارا الصعداء وتمنت لو كانت لديها الجرأة لترمي نفسها في أحضانه، تركت أم ناصر الباب مفتوحاً لدخول يارا، فتقدمت يارا خطوة نحو الداخل.
سأل ناصر مرة أخرى قائلاً: لماذا لم تردي يا أمي، مَن الطارق؟
أخذت سارة تدفع يارا بقوة نحو الداخل وهي تخبرها قائلة: هيا يا يارا، لا تقفي هكذا كلبلهاء، فأم ناصر قد فتحت لك الباب، معناها أدخلي يا غبية، آلا تفهمين؟! هيا أدخلي لا تكوني جبانة، أنظري فناصر هناك يرمقك بنظراته، هيا يا يارا لا تفضحيني تبدين كالبلهاء بصمتك ماذا جرى لك هل أكلت القطة لسانك؟!، أذهبي وسلمي عليه..هيا.
ظلت يارا شاردة بين الصمت والخجل والتردد، وتسمرت في مكانها، وهي تردد مع نفسها: يا إلهي ماذا جرى لناصر، أنه يرمقني بعينيه وكأنه لم يعرفني؟!، لم أتغير كثيراً، فقط ضفائري أزدادت طولاً، آلا تتذكر ضفائري يا ناصر التي كنت تعشقها وتداعب خصلاتها بين أناملك وتشم عطرها؟! ماذا دهاك يا ناصر وكأنك لم تراني بحياتك؟!، إنك تنظر إليَّ دون إحساس!، شعرت يارا بالندم وهي ما زالت تحدث نفسها، يا إلهي كم أنا غبية حينما سمعت كلام تلك المشاغبة سارة وطاوعتها على المجيء، أستحق كل ما يحصل لي، مِن الأفضل أن أعود مِن حيث أتيت.
وفجأة وقف ناصر، وأدرك بحاسته السادسة أن هناك مفاجئة؟، ثم سأل بحزن قائلاً: والله يا أمي أني لأشم رائحة يارا، هل هي الطارق؟
وهنا صعقت يارا وأدركت أن حبيبها قد فقد البصر!، وكاد أن يغمى عليها، فبقت شاردة لا تعرف ماذا تفعل؟!، ومر صمت كالدهر بين الأثنين.
أخيراً تشجعت يارا وكأن قوة إلهية قد ساندتها، فتقدمت نحو ناصر بخطوات جريئة، شعر ناصر بخطواتها، فأزداد أرتباكه، وأخذ يحدث نفسه: لا.. لا يارا بالله عليك، مَا الذي جاء بك، لا تزيدي مِن آهاتي وحزني وألمي، أحس بك وأشم عطرك وأرغب أن أكذب ظنوني، يارب ساعدني، لا أريدها أن تراني على هذا الحال.
أقتربت يارا منه وأمسكت بكلتا يديه وضمتهما بين يديها بحنان وشوق، كاد أن يغمى على ناصر، فساندته يارا وهي تشد على يديه بكل قوة، وأنهمرت دمعتان مِن عينيه، لثاني مرة في حياته يذوق طعم الدموع، في المرة الأولى حينما ودع يارا قبل رحيله، وهذه المرة حينما ألتقى بها!
ساد صمت طويل بين الأثنين، وغابا معاً مع ذكريات الماضي، ثم ردت يارا بكل شوق قائلة: حمداً على سلامتك يا ناصر.
تردد صابر بين الجواب والصمت، ثم سحب يديه مِن بين يديها وردَّ ببرود مصطنع قائلاً: شششكراً يارا.
أجابات يارا بحزن قائلة: يارا، بحياتك لم تناديني بأسمي يا ناصر، هل نسيت أسمائي التي كنت تناديني بها، هل نسيت حبيبتي، ملاكي، عروسي، يمامتي، حياتي، عمري، نور عيني.
وهنا توقفت يارا وأدركت إنها بهذا اللقب الأخير قد داست على جرح ناصر، فشعرت بالحزن والندم.
فأجابها ناصر قائلاً: أيُّ نور يا يارا، لم يعد النور يدخل في عيني، لقد فقدت بصري في حادث سير منذ أكثر مِن عام، يجب أن تعرفي هذه الحقيقة، فأنت لست مجبرة بأن تربطي نفسك بزوج ضرير، تعرفين جيداً بأنني أكره الشفقة، فلا تطرقي من هذا الباب لتوهميني وتقنعيني، بالله عليك يا يارا...
وضعت يارا يدها على فم ناصر ولم تدعه أن يكمل حديثه وأجابت في الحال قائلة: لا يا ناصر أنا نور عينك، وسأظل نوراً لعينيك طالما حييت، ولست على أستعداد أن أخسرك مرة أخرى بعد هذا الفراق، ليست يارا التي تطرق عليك من باب الشفقة، أنا أطرق عليك من باب الحب والعهد والوفاء، أنت تعلم جيداً وتدرك مدى حبي إليك، لقد ضحيت بعمرك خمس سنوات لتوفر لنا المال لنحيا حياة سعيدة معاً، والآن حان دوري، فأنا على أتم أستعداد أن أضحي العمر كله من أجلك يا أغلى حبيب، وهبت نفسي في محراب حبك وسأبقى طول عمري وفية على عهدي ووفائي، وسنعيش حياتنا بكل ما يرضاه ويختاره الله لنا، وهذه حكمته وأنا راضية بها كل الرضاء، وليس عليك سوى القناعة والرضا، حمداً على سلامتك ألف مرة، وأشكر الله على عودتك.
كانت تلك الكلمات كالبلسم على أحزان ناصر فشعر بالأمان وقوة الإيمان، وردَّ بكل ما يحمل مِن لوعات الحب والشوق قائلا: ما أجمل عهد الوفاء، وما أروعك يا نبع الوفاء، يا ملاكي ونور عيني، كنت دائماً في قلبي وأمام عيني، وما شعرت يوماً بطعم الدنيا من دونك.
أخذت يارا بيد ناصر وقادته إلى حيث البحر وهي تهمس إليه قائلة: هيا يا حبيبي لنذهب إلى البحر فقد أشتقت لصحبتك.
أمتلأت الدموع في عيني أم ناصر وسارة الصغيرة، ولكن هذه المرة كانت دموع الفرح، وتركوا ناصر ويارا متوجهان إلى حيث البحر، وقلبيهما مفعمان بالمحبة والوفاء.












التوقيع

 
قديم 06-10-2013, 09:45 AM   رقم المشاركة : 8
روح النبع
 
الصورة الرمزية عواطف عبداللطيف





  النقاط : 100
  المستوى :
  الحالة :عواطف عبداللطيف غير متواجد حالياً
اخر مواضيعي
قـائـمـة الأوسـمـة
افتراضي رد: القصص المشاركة في مسابقة الوفاء في القصة القصيرة 2013

القصة رقم (7)

لحظة تأمل


تراقصت شرايين قلبها حزنا وألما وهي تراقب حفيدها الدكتور احمد عائدا مساء من عمله عبر البوابة التي تزدان بالورود على جانبيها وسحابات صيف تسبح برفق تحركها نسمات هواء عليل .
استذكرت تلك اللحظة ابنها البكر الدكتور محمد متأبطا يد عروسه وهو يلج تلك البوابة الزاهية شذى الياسمين يفوح في الأرجاء ممزوجا بعطرهما يرافق موكبهما جمع من النسوة ..استقبلتهم بالفرح والسرور المعرش على القلوب وزفّة عرس عربية يعلو فيها صوت الدف و الطبل .. أطلقت زغاريدا متتالية .. وهي تزهو بثوبها البديع ذو الطابع التراثي .. المطرز بألوان زاهية من الحرير الأصيل , وعلى يمينها يقف زوجها الوسيم بشموخ بابتسامته العريضة .. متألق في ثيابه العربية .. يعلو رأسه كوفية فلسطينية ..
إلتفتت نحوه وفيض من الدموع يغرق مآقيها .. عجوز قابع في ركن من البيت .. متهدل الجسد .. غائر العينين .. عاجزا عن الحركة منذ أن تلقى رصاصة استقرت في ظهره حين حاول الذود عن ابنه و رمى بنفسه فوقه .. وتحول مراسم وداعه المؤقت لابنه و عروسه لقضاء شهر العسل بين الأردن و تركيا إلى وداع آخير ..
فــ في ذات اللحظة تعرضت المدينة لاقتحام من قبل مدرعات صهيونية انتشرت في كل الإتجاهات تلاحق شباب الإنتفاضة ... و تطلق وابلا من الرصاص محشوا بحقدهم الأعمى .. لتستقر إحداها في صدر العريس أردته على الفور أرضا يتخبط في دمه .. وما هي إلا لحظات حتى لفظ أنفاسه الأخيرة .. و هوت عروسه مغشيا عليها من هول الصدمة ..
أسرعت سيارات الإسعاف للمكان وككل مرة منعت من الإقتراب .. لكن هذا لم يثنها يوما عن انقاذ الجرحى متى سنحت لها الفرص .. وبعد ساعات من الدّهم و الملاحقة و القتل استطاع جنود العدو الغاشم القبض على ثلاثة شبان من المطلوبين لديهم زجوا مكبلين في عرباتهم و أعقاب البنادق تنهال على أجسادهم .. حتى غابت العربة عن الأنظار .
هرع الناس من كل حدب وصوب و تداخلت الأصوات .. و رجال الإسعاف تسعف الجرحى و تخلي المكان من الشهداء .. و الجميع واجم الوجه واجف القلب .. و النسوة أصواتهن صدحت بالبكاء تارة و الزغاريد تارة أخرى ..
شهور مرت .. رزقت العروس صبيا وسيما سميّ باسم والده .. كانت دوما ترى فيه روح زوجها الحبيب الذي ما نسته يوما رغم زواجها لاحقا من الأخ الأصغر .. سنوات مرت لكنها لم تكن كافية لتمحو تفاصيل ذلك اليوم الأليم .. وهاهي اليوم بدموع مواسية تستقبل حفيدها الدكتور مسترجعة أدق حيثياته ..
طافت بيوت القرية تبحث عن عروس لحفيدها الغالي ..حتى استقر رأيها على إحداهن اجتمع فيها الحسن و الأخلاق و النسب رتبت الجاهة , طلبت يد العروس وبعد القبول , تمت الخطبة , في حفل بهيج , و الفرحة تقفز من وجهها الجميل رغم الهموم وعلامات السنين ..
توسطت النساء بثوب جهزته لهذه اللحظة , وضعت يدها على فمها , و أطلقت الزغاريد و العروسين يتقدمان باتجاه الغرفة في آخر الممر .. حصن أسواره مشيدة من ذكريات مؤلمة .. بابها الحزن و الأسى .. كاد ساكنها أن ينسى أنه لازال على قيد الحياة ..
إلتفت الجد نحوهما بعينين دامعتين .. وعلى وجهه استقرت ابتسامة خفيفة كانت قد رحلت عنه منذ سنين .. تقدّم العروسان وهالة من النور ترافقهما .. لثما يده ..بارك لهما و أمطرهما بوابل من الدعوات .
قاطع هذا المشهد صوت نحيبها و الحسرة تلف خصر قلبها وارتعاش يسطو على الأطراف .. لحظة أدركت أن كل ذلك كان سرابا .












التوقيع

 
قديم 06-13-2013, 11:07 PM   رقم المشاركة : 9
روح النبع
 
الصورة الرمزية عواطف عبداللطيف





  النقاط : 100
  المستوى :
  الحالة :عواطف عبداللطيف غير متواجد حالياً
اخر مواضيعي
قـائـمـة الأوسـمـة
افتراضي رد: القصص المشاركة في مسابقة الوفاء في القصة القصيرة 2013

القصة رقم (8)

زوجتي !!


لأنني مختلف لا يحبونني؛ فلسبب ما يشعر الناس أن وجود شخص مختلف هو في حد ذاته إهانة شخصية لهم..وأن هذا الشخص ينظر لهم بازدراء ويقول: لست مثلكم لأنكم حمقى ومغفلين.أو ربما كان الأمر العكس تماما فلكوني مختلف كنت أفسر النظرات التي تلاحقني في كل مكان تقريبا على أنها نظرات ارتياب،ربما..
لكن ماذا عن مالك البناية الذي نظر لي مضيقا عينيه ،مخبرا انه لا يمكن أن يترك شابا عازبا يسكن عنده، وقد شدد على كلمة (عازب) هذه بطريقة توحي بأنها سبة أو ذنب لا يغتفر، دعك من ملاحقة مدام نازك زميلتنا في العمل لي بالفتيات اللاتي تراهن مناسبات ولا أراهن أنا كذلك..الأسوأ هن الحمقاوات اللاتي يعتقدن أنهن يمكنهن إيقاعي في شباكهن وتوريطي!!..كل هذا دفعني لارتكاب تلك الفعلة الجريئة..وفي اليوم الأول لانتقالي لعملي الجديد قررت أن ارتدي أنفا مستعارا- ألا تذكرمسرحية (سارتر) الشهيرة هذه-وكان انفي المستعار هو دبلة فضية في يدي اليسرى ولإحكام الخطة أكثر انتقلت أيضا إلى سكن جديد طبعا على أساس أنني متزوج لكن زوجتي مسافرة وستلحق بي بعد فترة وأكدت هذا في ثقة والدبلة الفضية تلمع في بنصري الأيسر...وشعرت كم أن الحياة تصير أكثر سهولة عندما تقنع الناس انك مثلهم حتى لو لم تكن كذلك..كان يمكن للأمور أن تظل سائرة على هذا النحو الرائع لولا مشكلة واحدة، أن زوجتي الوهمية هذه صارت موجودة بالفعل!!
***
تخيل أنك تحلم بكابوس؛هناك كائن خرافي يطاردك يجرح ذراعك لكنك تستطيع الهرب..تستيقظ لاهثا شاعرا بالراحة من أن الأمر لم يكن سوى حلم لكنك ما إن تمد يدك لالتقاط كوب الماء المجاور حتى تلمح ذلك الجرح الغائر في ذراعك..تخيل شعورك وقتها..الصدمة،الفزع،عدم التصديق..كان هذا هو ما ظهر على وجهي عندما سمعت البواب يستوقفني قائلا أن السيدة زوجتي قد وصلت منذ قليل وأنها قد صعدت إلى الشقة:
-"من؟!!!..زوجتي!!!..هل أنت متأكد؟!!"
ولم يفهم هو طبعا سبب ذهولي:
-"نعم يا سيدي..هل هناك مشكلة؟"
جمعت أطراف فمي المتدلي في بلاهة وهززت رأسي له في حركة بلا معنى،ثم جررت قدمي مستعدا لأصعد إلى الشقة وأرى تلك الزوجة المزعومة التي وصلت بالسلامة!!!
تقمصت الدور إلى حد أنني طرقت باب الشقة في انتظار أن تفتح زوجتي لكنها لحسن الحظ لم تفعل..فدسست المفتاح في قفل الباب وأدرته ببطء ثم دققت الباب وأطللت منه في حذر..لم يكن هناك أحد في الردهة..تشجعت قليلا لكنني أغلقت الباب خلفي في هدوء بلا صوت تحسبا لوجود تلك المرأة في أي من الغرف الداخلية.لا أريدها أن تشعر بوجودي كي أستطيع الفرار بسرعة بمجرد تأكدي من وجودها!!!..
غرفة النوم،غرفة المعيشة،المطبخ الحمام،لا أحد..تنفست الصعداء..لم يكن البواب سوى مخبول..وحمدا لله أنه كان كذلك، إن بوابا مخبولا أفضل ألف مرة بالتأكيد من زوجة خيالية حقيقية!!!
وصار الأمر مسليا بحق عندما فوجئت في اليوم التالي بالبواب يناولني بعض الخضروات ولفافة لحم طازج ويقول أن السيدة- زوجتي طبعا- قد تركتها هنا حالما تذهب لإحضار شيء نسته وأنها ستعود بعد قليل وأنه لا بأس من أن آخذ أنا الأكياس بدلا من انتظار السيدة..ضحكت وقد استخفنى الأمر..معدات غذاء كاملة مجانية من هذه الزوجة الخيالية التي اخترعها البواب!!..هل يمكن للحياة أن تكون أكثر جمالا لكنني أشفقت عليه فدسست في يده مبلغا يعوضه خسارته في شراء هذه الأشياء التي لابد وأنه دفع ثمنها من جيبه ثم طلبت منه أن يحمل الأكياس إلى أعلى ففعل بحماس منقطع النظير..أغلقت الباب خلفه وارتميت على مقعد أفكر في هذا الأمر الطريف الغريب، ثم قررت أن أتناسى الأمر الآن وانهض لأغير ملابسي واستعد لصنع وجبة الغذاء الشهية..عندما دق جرس الباب ووجدت وجه امرأة مرتبك أمام الباب:
-"أي خدمة؟"
قلتها بطريقة بدت لي أنا شخصيا سخيفة..فقالت وقد ازداد ارتباكها وكاد وجهها ينفجر من الاحمرار:
-"أعتقد أن البواب..قد أعطاك أشيائي أعني أكياس الخضار واللحم..على سبيل الخطأ.."
ابتسمت في غباء هذه هي زوجتي المزعومة إذن..لكنني لا يمكن أن أكون سيء الذوق إلى هذا الحد..!!ليست جميلة على الإطلاق وإن كنت لا أنكر أن بوجهها لمسة براءة محببة تشعرك أنك تعرفها من قبل..قلت وقد قررت أن أكمل اللعبة للنهاية:
-"لكنه قال أن زوجتي تركت هذا الكيس.."
-"حسنا..أ..أنا زوجتك.."
شعرت كمن صعقته الكهرباء..لقد تجمدت وأنا أحس كأن الدخان يتصاعد من رأسي المحترق:
-"عفوا ماذا قلتِ؟!!!"
-"آسفة سأوضح لك كل شيء..لقد كنت...أعني أردت تأجير شقة هنا وعلمت بالمصادفة أنك تسكن في الشقة المقابلة وأن زوجتك مسافرة إلى الخارج؛فادعيت أنني زوجتك وأنني سأستأجر هذه الشقة المقابلة كي نضمهما سويا كشقة واحدة واسعة.."
قلت مشدوها:
-"ولكن لِمَ أدعيتي هذا؟"
-"لأنني.. لأنني غير متزوجة وأعيش وحدي والناس عادة يضايقون من هي مثلي بالقيل والقال..لقد أردت أن أخلص نفسي من المشاكل فورطت نفسي في مشكلة أكبر.."
سألت في بلادة:
-"مشكلة أكبر..لماذا؟"
-"لأنه لا يمكنني البقاء هنا دقيقة واحدة بعد اعترافي هذا ..فإما أنك ستعتقد أنني امرأة سيئة أو امرأة مجنونة وفي الحالتين لن تحترمني.."
لا أعرف ما الذي جعلني انفجر بالضحك كالمعتوه فاحمر وجهها أكثر وهمت بالانصراف لكنني ناديتها بسرعة:
-"لحظة يا آنسة.."
التفتت دون أن تنطق:
-"الحال من بعضه..!!!"
-"ماذا تقصد؟"
-"أنا أيضا لست متزوجا وأدعي أن لي زوجة وأنها مسافرة إلى الخارج؟؟"
زمت حاجبيها في غضب قائلة :
-" لا تحاول خداعي..أنا أعرف مثل هذه العروض..أنا لست متزوجا..أنا لست مرتاحا مع زوجتي ثم تعرض عليّ الزواج لتسلي نفسك ريثما تعود زوجتك..شكرا، أنا لست من هذا الطراز.."
واستدارت مستعدة للابتعاد من جديد:
-"انتظري اقسم بالله أن هذه هي الحقيقة. لم يكن صاحب البناية يريد أن يسكن رجلا أعزب لذا ادعيت هذا الأمر لأتخلص من المشاكل مثلك..لقد كدت أصاب بالجنون عندما أخبرني البواب أن زوجتي هنا..واعتقدت أنه قد جن.."
نظرت إليّ في شك فأضفت بسرعة:
-"كما أنني لن أعرض عليكِ الزواج أو أي شيء من هذا القبيل.."
الغريب انه بدا عليها وكأنها قد شعرت بالإهانة فقالت وهي تضغط على أسنانها:
-"وأنا كذلك لم أكن لأرضى بك أو بغيرك لأنكم جميعا تشبهون بعضكم..أنتم حثالة.."
-"شكرا!!..لكن اسمعي عرضي هذا!!؟؟"
عاودها الشك من جديد:
-"أي عرض؟"
-"أن نستمر في نفس الادعاء مؤقتا..كلانا سيستفيد من هذا الموضوع كما تفهمين أنا سأتخلص من سماجة صاحب البناية الذي لا يريد إسكان شخص بمفرده وأنتِ بالمثل!!"
أمالت رأسها قليلا كأنها تقلب الفكرة بداخلها ثم قالت:
-"اتفقنا..طالما أنك جاد فيما قلته..أما لو دار بخلدك شيء آخر ف...................."
قاطعتها بسرعة:
-"اطمئني لن يحدث.."
كل من سردت له هذه القصة ظل يضحك لمدة نصف الساعة ثم نظر لي منتظرا استكمال الحكاية لكنني للأسف كنت أصيبهم بالإحباط فلم تحدث النهاية التي توقعوها فلقد ظللنا أنا وهي ملتزمين بالاتفاق حتى سافرت أنا للعمل في دولة النفط هذه،ولم نتزوج بكل تأكيد فلم نكن مخبولين لنفعل!!!












التوقيع

 
قديم 06-16-2013, 01:00 PM   رقم المشاركة : 10
روح النبع
 
الصورة الرمزية عواطف عبداللطيف





  النقاط : 100
  المستوى :
  الحالة :عواطف عبداللطيف غير متواجد حالياً
اخر مواضيعي
قـائـمـة الأوسـمـة
افتراضي رد: القصص المشاركة في مسابقة الوفاء في القصة القصيرة 2013

القصة رقم (9)

لم يبق إلا.. ذكريات


تبدو خيوط الشمس المنسابة كسنابل متمايلة تطل على صفحة وجهها المشبع بالكآبة، تتحرك بملل شديد ، تراوغ مداهمة رُسل الصباح وهي تنفض عنها غطاء السرير ، تتوجه إلى الحمام تجر أحزانها وبضع تساؤلات تشي بخيبة ماضية لا تزال تقتات على بعض أمل يلوح في عينيها من بعيد... كعادتها لم تطل البقاء ، فهي ملتزمة بتلبية دعوة إفطار مع إحدى الصديقات، هناك على شاطئ البحر ...
توجهت نحو الخزانة لتنتقي هندامها في عُجالة.. متجهمة تحاول تجاهل كل ما تختزنه من ذكريات ملونة بين ملابسها الساكنة تعاني الشحوب ؛ فكل مشجب يحتضن ذكرى ، وكل ذكرى تجتث لحظة سعادة عاشتها .. ألوان رسمت تفاصيل حياتها .. وخطتْ سطور دفتر يومياتها .. لم تنجح في دفعها بعيدا.. حين صافحت عيناها ثوبها الأزرق الملكي ، يا له من رمز للقائهما الأول ، فقد وهبته لهما الصدفة ؛ ليحوِّل مجرى حياتها من خلال إيماءة سلام ، ونظرة عابرة تكفّلت باحتلال مساحة من تفكيرها ، ودقات من قلبها الرقيق...
بعيون متوجسة تلمح طاقمها الأخضر الربيعي .. تأملته لثوان كانت كافية لتتسع ذاكرتها بالزاوية الجنوبية في مطعم الأكلات البحرية الشهير... أو " ركن البوح" كما أحبا أن يطلقا عليه معاً ، كان هو الشاهد الوحيد على نقطة البداية..
راحت تلك الذكريات تدفعها تدريجيا للفستان الترابي الموشح بالقليل من الخيوط الذهبية ذات الملمس الحريري .. تتنهد بعمق ، و تسبل عينيها ؛ فقد كان يمثل لها فستان التفاؤل و الحظ الجميل ، بل رمزاً من رموز الأمل في حياتها ...
حاولت تجاهل قطرات من الدمع ، تشيح نظراتها بعيدا خلف تلكـ الذكرى ، لكنها تصطدم بأحداث تهرول خلفها و طيف تلك اللوحة البديعة التي رسمتها بريشةٍ حالمةٍ تعيدها ليوم كان فاصلاً في حياتها ، فقد غمرها لأول مرة بالسعادة .. حين منحها فرصة التربع على عرش قلبه ، وتقدم لخطبتها .. يومها ارتدت هذا الفستانٍ الذهبي الذي يشع بالضياء و الحيوية ، و يزيدها جمالاً فوق جمال.. قررت يومها أن تضع بصمتها على صفحة الشمس ، لتكون مشرقة في حياته ، كشمسٍ لا تغيب أبدا .. أضحت حديث الأهل والأحبة ... يا الله..تغمض عينها على تلكـ الذكرى، تحلق على جناح الحلم؛ فيتسلل صوته مداعباً لحظاتها اليائسة برقة النسيم..ترتسم ابتسامة خفيفة على شفتيها، لم تلبث أن غادرتها، حين تعلقت عينيها بطاقمها الفضي المطرز بالأسود ..!! أعادها عنوة لواقع مُرّ.. يحمل إليها ألم الفراق منذ تلك الليلة القاسية..
مشاهد كثيرة تستبيح حواجز الوعي بطريقة همجية، تسترجع خلالها أول لحظة خصام بينهما، حين تحتل الغيرة مساحة الفرح، فيتبدل حزنا وألماً؛ لتتحول لمواقف مكررة، تساهم في إخماد وهج ذلك الحب..
تستسلم للحزن ، تحاول إغلاق خزانتها.. لكن الثوب الأبيض الراكد هناكـ خلف الفساتين المعلقة، راح يفرض حضوره.. فترتسم ألوان زهوره ، وتتهادى في انسجام على امتداده، لكن ذلك البياض الساحر استحال لسوادٍ يجتاح القلوب، وتلك الزهور البكر.. تستحيل إلى ذبول .. يفرض بينهما ما لم تتوقعه يوماً أو تتمناه، كان جدالاً في مكان عام - غيرة وشك - تلته صفعة من يده؛ أغلقت كل منافذ الأمل في وجهها..
لم تتمالك نفسها والمشاهد تنهمر كزخات المطر؛ تدمي قلبها الجريح.. انفجرت مآقيها التي طالما أخفت ثورتها تحت دثار الكبرياء ؛ أغلقت الخزانة بانفعال هستيري، وتراجعت بضع خطواتٍ؛ ليسقط جسدها النحيل على السرير تتدثر تحت الغطاء من جديد؛ فقد انعكست هذه الرحلةالمريرة في دهاليز عقلها.. ذكريات لفيضان نهر من الحنين وهي تصر على عدم الارتباط بغيره ..
تقرر الرحيل، لعلها تظفر بلقائه ولو من خلال حلم يداعب ذاكرتها المرهقة، لكنها لم تكن تعلم أنها تسلم جسدها المتوهج للوحدة تطفؤه، وإلى اليأس ليغلق مياسم روحها، لتمتطي صهوة الموت في رحلة أخيرة..!












التوقيع

 
موضوع مغلق


تعليمات المشاركة
لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
لا تستطيع الرد على المواضيع
لا تستطيع إرفاق ملفات
لا تستطيع تعديل مشاركاتك

BB code is متاحة
كود [IMG] متاحة
كود HTML معطلة

الانتقال السريع

المواضيع المتشابهه
الموضوع كاتب الموضوع المنتدى مشاركات آخر مشاركة
القصائد المشاركة في مسابقة الوفاء للشعر 2013 عواطف عبداللطيف مسابقات الشعر 18 06-21-2013 12:04 AM
مسابقة منتديات نبع العواطف الأدبية الرابعة في القصة القصيرة عواطف عبداللطيف مسابقات السرد 22 06-02-2013 02:25 AM
القصص المشاركة في مسابقة عبدالرسول معله للقصة القصيرة نبع العواطف مسابقات السرد 12 10-20-2011 10:13 PM
النصوص المشاركة في مسابقة القصة القصيرة الثانية لمنتديات نبع العواطف الأدبية عواطف عبداللطيف مسابقات السرد 19 10-28-2010 05:19 AM
كلمة حق تقال ( تخص مسابقة القصة القصيرة الأولى ) الدكتور نجم السراجي مسابقات السرد 11 03-19-2010 04:56 AM


الساعة الآن 08:37 AM.


Powered by vBulletin® Version 3.8.9 Beta 3
Copyright ©2000 - 2024, vBulletin Solutions, Inc.
:: توب لاين لخدمات المواقع ::