القول في أن وحدته عين ذاته ، وأنه تعالى
عالم وحكيم ، وأنه حقٌّ وحيٌّ وحياة
فإن وجوده الذي به ينحاز عمَّا سواه من الموجودات لا يمكن أن يكون غير الذي هو
به في ذاته موجود ، فلذلك يكون انحيازه عمَّا سواه توحُّدَه فى ذاته . وإن أحد معانى
الوحدة هو الوجود الخاص الذي به ينحاز كلُّ موجود عمَّا سواه، وهى التى بها يقال
لكلِّ موجود واحد من جهة ما هو موجود الوجود الذي يخصُّه ، وهذا المعنى من معانى
الواحد يساوى الموجود الأول، فالأول أيضًا بهذا الوجه واحد ، وأحقُّ من كلِّ واحدٍ سواه
باسم الواحد ومعناه .
ولأنه ليس بمادة ، ولا مادة له بوجه من الوجوه، فإنه بجوهره عقل بالفعل ؛ لأن
المانع للصورة أن تكون عقلًا وأن تعقل بالفعل ، هو المادة التى فيها يوجد الشيء، فمتى
كان الشيء فى وجوده غير محتاج إلى مادة، كان ذلك الشيء بجوهره عقلًا بالفعل ، وتلك
حال الأول . فهو إذن عقل بالفعل، وهو أيضًا معقول بجوهره ، فإن المانع أيضًا للشيء من
أن يكون بالفعل معقولًا هو المادة . وهو معقول من جهة ما هو عقل ؛ لأن الذى هويته
عقل ليس يحتاج فى أن يكون معقولًا إلى ذات أخرى خارجة عنه تَعقِلُه ، بل هو بنفسه
يعقل ذاته ، فيصير بما يعقل من ذاته عاقلًا وعقلًا بالفعل ، وبأن ذاته تعقله (يصير)
معقولًا بالفعل . وكذلك لا يحتاج فى أن يكون عقلًا بالفعل وعاقلًا بالفعل إلى ذات يعقلها
ويستفيدها من خارج ، بل يكون عقلًا وعاقلًا بأن يعقل ذاته ، فإن الذات التى تَعقِل هى
التى تُعقَل، فهو عقل من جهة ما هو معقول ؛ فإنه عقل وإنه معقول وإنه عاقل .
هى كلُّها ذات واحدة وجوهر واحد غير منقسم ؛ فإن الإنسان مثلًا معقول ، وليس
المعقول منه معقولًا بالفعل ، بل كان معقولًا بالقوة ثم صار معقولًا بالفعل بعد أن عَقَله
العقل . فليس إذن المعقول من الإنسان هو الذي يَعْقِل، ولا العقل منه أبدًا هو المعقول ،
ولا عقلنا نحن من جهة ما هو عقل هو معقول، ونحن عاقلون لا بأن جوهرنا عقل ؛ فإن
ما نعقل ليس هو الذي به تجوهُرُنا ، فالأول ليس كذلك، بل العقل والعاقل والمعقول فيه
معنى واحد، وذات واحدة، وجوهر واحد غير منقسم.
آخر تعديل سرالختم ميرغني يوم 11-08-2020 في 09:53 AM.