عمير بن سعد: نسيج وحده
كان المسلمون يلقبونه" نسيج وحده" وقد كان كذلك .
أبوه سعد, القارىء رضي الله عنه. شهد بدراً مع رسول الله , والمشاهد بعدها, حتى استشهد في معركة القادسية. ومنذ أن أسلم عمير, وهو عابد مقيم في محراب الله,يهرب من الأضواءو ولا تعثر عليه في الصفوف الأولى إلا أن تكون صلاة. وإلا أن يكون جهاد.
ونحن نعرف أن عمر بن الخطاب كان يختار ولاته بدقة وعناية, من الزاهدين الورعين, والأمناء الصادقين, الذين يهربون من الإمارة والولاية, ولا يقبلونها إلا حين يكرههم عليها أمير المؤمنين, فكان بهذا يطبق المبدأ القائل" طالب الولاية لا يُولّى
" . وكان عمر بن الخطاب, عند اختيار ولاته, يردد عبارة له مأثورة, هي قوله" أريد رجلاً إذا كان في القوم, وليس أميراً عليهم بدا وكأنه أميرهم . أريد والياً لايميز نفسه على الناس في ملبس, ولا في مطعم, ولا في مسكن . يقيم فيهم الصلاة, ويقسم بينهم بالحق, ويحكم فيهم بالعدل, ولا يغلق بابه دون حوائجهم. " .
وبهذه المقاييس الدقيقة الصارمة اختار عمير ابن سعد ليكون والياً على حمص, وقد حاول عمير أن يعتذر ولكن الخليفة ردّ له كل اعتذار.
وتوكل عمير على الله وتوجه إلى حمص, ومضى عام لم يصل منه إلى المدينة خراج.فقال أمير المؤمنين لكاتبه" اكتب إلى عمير ليأتي إلينا".
وذات يوم شهدت شوارع المدينة رجلاً أشعث أغبر, على كتفه اليمنى جراب وقصعة, وعلى كتفه اليسرى قربة صغيرة فيها ماء, وبيده عصا يتوكأ عليها . وهنا نترك لأبي نعيم الأصفهاني , صاحب كتاب " حلية الأولياء" ليصف لنا هذا اللقاء " دخل عمير إلى مجلس عمر بن الخطاب في خطى وئيدة, وقال السلام عليك يا أمير المؤمنين. فرد عمر السلام. وقد آلمه ما رأى من حالته, وماهو هو فيه من جهد وإعياء, ثم جرى بينهما الحوار التالي :
ما شأنك يا عمير ؟
- شأني ما ترى . ألست تراني صحيح البدن, طاهر الدم , معي الدنيا أجرّها بقرنيها؟
- وما معك ؟
- معي جراب أحمل فيه زاري, وقصعتي آكل فيها, وأداوتي أحمل فيها وضوئي وشرابي, وعصاي أتوكأ عليها, وأجاهد بها عدواً إن عرض , فوالله ما الدنيا إلا تبعٌ لمتاعي .
- أجئت ماشياً ؟
- نعم .
- أولم تجد من يعطيك دابة تركبها ؟
-إنهم لم يفعلوا, وإني لم أسألهم .
- فماذا عملت فيما عهدنا اليك به ؟
- أتيت البلد الذي بعثتني إليه, فجمعت صلحاء أهله, ووليتهم جباية فيهم وأموالهم , ولو بقي لك منها شيء لأتيتك به .
- فما جئتنا بشيء؟
- لا.
- فصاح عمر وهو منبهر سعيد:
- جدّدوا لعمير عهدا.
فأجابه عمير:
- تلك أيام قد خلت, لاعملت لك , ولا لأحد بعدك."
وكان عمر بن الخطاب دوماً يقول" وددت لو أن لي رجالاً مثل عمير, أستعين بهم على أعمال المسلمين "
هذه مواقف في حياة نفر من الرجال الذين كانوا حول الرسول وهي باعجازها تبدو كالاساطير ولكنها ليست من الاساطير في شيء. إنها مواقف يقفها الإنسان عندما يملأ الحق قلبه, وتزهد نفسه في عرض الدنيا من جاه ومال .........................................