نقد إنطباعي ايقاعي لقصيدة علي التميمي (في بحرالخفيف)
إلى الشعورِ الحقيقي أبصريني خذي يدي للطريقِ
. عانقيني إذ الغرام تجلّى حينها من أحلامنا لا تفيقي
. قالتِ الباءُ صرتُ حرفاً جميلاً حين بسملتَ نقطتي يا صديقي
. أضرمَ الشوقُ نارهُ في ضلوعي فاسكبي الماءَ مرّةً في حريقي
. و اظهري من سراب يأسي و كوني طوقَ حبٍّ أو شهقةً للغريقِ
. فالتفاصيلُ يا حبيبةَ قلبي تجلبُ الحزنَ من هوانا العتيقِ
. فامنحيني مما مضى بعضَ دفءٍ و انفخي الروحَ في فؤادي الرقيقِ
لاريب في أن البدايات الإيقاعية الأولى والشاعرُ يحاكي محبوبته إن جاز لي ذلك (رافقيني) بصيغة غير مضطربة مادّاً يده لها، هذه البداية الإيقاعية تناغي في ارتباطها مفهوم الغزل النابض بحركة متصلة برجرجات الخافق وموسيقاه الماجنة في الصورة التي تنطوي تحتها أشواطٌ ومراحل قد مرّت بدغدغاتٍ متلازمة تجرأ العاشق من خلالها ليكسب الوقت الذي يقتضي من طقوس لايتجاوز فيها خيالاته الممتدة في أعماقه فيقفز باشتهاءٍ الى (عانقيني) بأسلوبٍ يتوائم مع السير، يتموسق، ويتهادى مع جرس التشكيل ورنّات العذوبة القلقة من الداخل. وهاهي الصورة الناطقة تتجلى منحوتةً ومزينة بإطار البحر الخفيف وموجاته الثقال في هذا المقطع الغنائي الذي يوافق ضوابط الحركة الموقعة في سيرهما
رافقيني إلى الشعورِ الحقيقي أبصريني خذي يدي للطريقِ . عانقيني إذ الغرام تجلّى حينها من أحلامنا لا تفيقي
يبدو لي قبل أن ألج تفاصيلٍ أخرى بأن الشاعر إتخذ من الخفيف مساراً ليواكب موسيقاه على وقع قدميه التي لايشعر بهما قدر استئناسه برفقة من يحب. وهذا البحر يُبنى على ست تفعيلات ويرتكزعلى تفعيلتيْ (فاعلاتن) و(مستفعلٌ) وهو بحرٌ ملائمٌ للتعبير عن الفرح والحزن.
( من أحلامنا لاتفيقي) ببترَنُّمِ هذا الإيقاع المنتظم حوّل الصورة الى حلمٍ يراعي أبعاداً وفواصل مترافقة مع الإسراع في الزمن أو السير ويستمدّ ألحانه من دافع نفسي قوامه حماسٌ وجِدٌّ لتسييد الغرام المتجلي داخل الصورة.
قالتِ الباءُ صرتُ حرفاً جميلاً حين بسملتَ نقطتي يا صديقي
وهنا أستطيع أن أعرج على باء البسملة التي أشار اليها الشاعر بإيقاعٍ دينيٍّ بحت ونظراً لأهميتها في البسملة لابد لي من التوقف عندها حيثُ مكانتها العالية في (سرِّ النقطة) التي قال عنها سيدنا الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام قال: (أسرار الكتب الأربعة في القرآن وأسرار القرآن في البسملة وأسرار البسملة في الباء وأسرار الباء في النقطة، وأنا النقطةُ تحت الباء) صلوات ربي وسلامه عليه. فهنيئاً للشاعر بهذا الإتصال ومورد قافلة الترنيمات التي استمدّت قوتها بإيحاء الخُطا وما يمتلكه الشاعر العاشق من طاقةٍ فنيةٍ يترنم بها ويدندن على جرسها فتتدافع الجُمَلُ متوازنةً بإيقاعٍ منتظم وإنشادٍ مُوَقَّعٍ يراعي الأبعاد الزمنية ويحقق توافقاً مع المقاطع الى حدٍّ ما.
أضرمَ الشوقُ نارهُ في ضلوعي فاسكبي الماءَ مرّةً في حريقي
. و اظهري من سراب يأسي و كوني طوقَ حبٍّ أو شهقةً للغريقِ
بهذه المقطوعة يقفنا الشاعر أمام إيقاعٍ أكثر غنى وخصوبة سيما أنه يتكئ على جانب الأمل الإيجابي لتوْقٍ نفسيٍّ مشترك يتراقص بين الرغبة والحياء. يبين ذلك في القيم الإيقاعية التي تركزت في شهقة الغريق واتخذت مفتاحاً موسيقياً يتمرد بعمقٍ حضاريٍّ لفنِّ مرسوم طغى عليه الشكل الإيقاعي المتجدد بـ
(فالتفاصيلُ يا حبيبةَ قلبي تجلبُ الحزنَ من هوانا العتيقِ
. فامنحيني مما مضى بعضَ دفءٍ و انفخي الروحَ في فؤادي الرقيقِ
التوازن والدقة في (التفاصيل يا حبيبة روحي) ضربٌ إيقاعيٌّ معقّد له خلفيات ترافقها عناصر ضابطة بحركة موقعة تقوم مقام الصوت في نهايتها. مقترنةً بظاهرةٍ مؤثرةٍ لها الفعل الإيجابي في نفسه حتى لو جاء في قوله (تجلب الأحزان) لكون الشاعر يخلد في نفسه هواه العتيق بصورة ناميةٍ مع تقادم الزمن بجرس الأمل وتأكيدُ ذلك في (فامنحيني مما مضى بعضَ دفءٍ) ما يهمنا في وزن هذه العبارة وخفيفها هي الكهانة المموسقة فيه لتبلغ التأثير المراد في نفس السامع وهي مقدرة فنية عالية من الشاعر ربطها في قلبه الرقيق دون تداخل المناسبات في شعره بفنونٍ متآخية أخرى..
نعتذر من الشاعر إن لم نوصل رسالته كما يجب ولا ندعي بأنّ هذه القراءة أصابت كثيراً، بقدر ما أثارت من نقاطٍ يستذوقها المتلقي، وأن ما فيها من جهدٍ يغفر ما يها من نقص.
يا لروعة هذه القراءة البارعة وتشريح أعماق القصيدة بما يفيض من ذائقة مفعمة بالجمال وروح التفكيك المتقن البديع، والذي استحوذ على ذائقة المتلقي لتكون شروق وعي للفهم بما يدور في نبض الحروف من حياة وجمال..
هكذا يكون النقد وفق ما تفيض به من عمق بين شرايين القصيدة ..
بوركتم أستاذنا الكبير الناقي البارع
أ.شاكر السلمان
على هذه القراءة المتينة واستحضاركم عناصر ومواطن الجمال من أعماق القصيدة البارعة..
حفظكم الله ورعاكم
ويسعدني جداا أن كنت أول المستقبلين لهذا الجمال ..
.
نقد إنطباعي ايقاعي يحرك أصوات القصيدة ويقرع الأذان لتصغي لما كتبه التميمي
على بحر الخفيف في هذه القصيدة المختارة .
تحية تليق أستاذ شاكر لما تجود به من متابعات وانطباعات لأعمال النبعيين
تحية تليق ودمت في رعاية الله وحفظه.
التوقيع
لا يكفي أن تكون في النور لكي ترى بل ينبغي أن يكون في النور ما تراه
سرني كثيرا كثيرا و أثرى قصيدتي
هذا النقد الماهر البناء
لقد وضعت نقاط الفهم على حروف لغتي
و اعطيت فرصة لتحليلها بشكل أدبي مدهش
بوركت شاعرنا الفاضل النبيل
و جزاك الله خير الجزاء
تحيتي و تقديري ومحبتي
التوقيع
قد يُبتلى المـرءُ في شيءٍ يفارقـهُ
فكنتَ بلوايَ في شوقي وفي قلقي