سلمان الفارسي: الباحث عن الحقيقة
جاء من بلاد فارس وهو صاحب المشورة بحفر الخندق.وقد كان أشبه الناس بعمر بن الخطاب في زهده , وفطنته وورعه.
يروي المؤرخون أنه أقام أياماً مع أبي الدرداء , وكان أبوالدرداء يقوم الليل ويصوم النهار , ويأخذ سلمان عليه مبالغته في العبادة وأراد سلمان يوما أن يثني عزمه عن الصوم , وكان نافلة , فعاتبه أبو الدرداء قائلا:أتمنعني أن أصوم لربي وأصلي له ؟!
فأجابه سلمان قائلا ان لعينيك عليك حقا ,وأن لأهلك عليك حقا , صم وافطر وصل ونم" ووصل نبأ ذلك الى الرسول فقال :لقد أشبع سلمان علماً.
ويوم الخندق وقف الانصار يقولون : سلمان منا , فناداهم الرسول قائلا:"سلمان منا آل البيت", وكان علي بن أبي طالب يلقبه بلقمان الحكيم . وقد سئل عنه بعد موته فقال:" ذاك امرؤ منا أهل البيت.. من لكم بمثل لقمان الحكيم! أوتي العلم الاول والعلم الاخر وقرأ الكتاب الاول والكتاب الاخر, وكان بحراً لاينزف" وبلغ من اجلال عمر بن الخطاب له انه عندما جاء المدينة زائرا , خرج مع اصحابه يستقبله عند مشارف المدينة , قائلا لهم :"هيا بنا نخرج لاستقبال سلمان" وهو ما لم يفعله مع غيره .
عرضت عليه الامارة مرارا فكان يرفضها ويقول:" ان استطعت ان تاكل التراب , ولا تكونن أميراً على اثنبن , فافعل" كان يهرب من الإمارة الا أن تكون امارة سرية ذاهبة إلى الجهاد . وعندما اكره اخيرا ,على ان يكون أميراً على المدائن , كان مثال الحاكم العادل الزاهد . فقد كان عطاؤه وفيرا , اذ كان عطاؤه بين اربعة الاق وستة الاف في العام , كان يوزعه جميعا , ولا يبقي لنفسه الا درهما واحدا ,ويقول:" اشتري خوصا بدرهم , فاعمله , ثم ابيعه بثلاثة دراهم , فاعيد درهما فيه , وانفق درهماً على عيالي , واتصدق بالثالث. ولو ان عمر بن الخطاب نهاني من ذلك ما انتهيت".
وروى هشام بن حسان عن الحسن "كان عطاء سلمان خمسة الاف وكان على ثلاثين الفا من الناس يخطب في عبائة يفترش نصفها , ويلبس نصفها , وكان اذا خرج عطاؤه امضاه , وياكل من عمل يديه ."
وكان وهو امير المدائن , سائرا في الطريق , فلقيه رجل قادم من الشام ومعه حمل تين وتمر , ويبدو عليه التعب .فتقدم سلمان منه وحمله عنه .ومرّ بجماعة من الناس فسلم عليهم سلمان , فوقفوا جميعا قائلين: وعلى الامير السلام !وسارعوا لاخذ الحمل عن الامير, وبهت الشامي , واخذ يعتذر, وحاول ان ياخذ منه الحمل , ولكن سلمان رفض ذلك قائلا:" لاحتى ابلغك منزلك ". ودخل عليه صاحبه يوما فوجده يعجن , فساله عن خادمته , فاجابه:" لقد بعثناها في حاجة فكرهنا ان نجمع عليها عملين " . واراد يوما ان يبني بيتا وكلف بنّاء بذلك , ولكنه قبل ان يبدا بالبناء ساله كيف سيبنيه . فاجابه البنّاء , وكان يعرف زهد سلمان وورعه , قائلا:" لاتخف . انها بناية تستظل بها من الحر, وتسكن فيها من البرد , اذا وقفت فيها اصابت راسك , واذا اضطجعت فيها اصابت رجلك " . فقال سلمان:نعم هكذا اريد فاصنع ..أي بيت هذا لامير المدائن ؟! ولكن هكذا فلتكن الامراء !
ولم يكن سلمان حريصا على شيء في هذه الدنيا , الا صرة ائتمن عليها زوجته . وعندما مرض مرض الموت , طلب منها ان توافيه بالصرة , فاذا بها صرة مسك كان قد اصابها يوم فتح ( جلولاء ), واحتفظ بها لتكون عطره يوم مماته .واتجه نحو زوجته , وقال لها انضحيه حولي , فانه يحضرني الان خلق من خلق الله , لا ياكلون الطعام وانما يحبون الطيب ."
فلما فعلت , قال لها:" اجفني على الباب وانزلي ." ففعلت ما أمرها به . وبعد حين صعدت اليه , فوجدت روحه قد فارقت جسده ودنياه ......