ليست منة من أحد، ولا تكرما، أو تفضلا منه. إن فلسطين الدولة حق مشروع للشعب الفلسطيني. إنه تصحيح مسار ظالم كارثي، فرض على الشعب الفلسطيني أن يسيره بكل إفرازاته المأساوية، منذ النكبة التي حلت به وبوطنه التاريخي، وطن آبائه وأجداده.
إن الشعب الفلسطيني وهو يتطلع إلى ترجمة دولته على أرض الواقع السياسي، والإقتصادي، والإجتماعي، والثقافي، إنه يتذكر المسؤول عن نكبته وكل إفرازاتها الكارثية. إنه العام 1917، وهو العام الذي أصدرت فيه حكومة بريطانيا العظمى على لسان وزير خارجيتها آنذاك اللورد بلفور وعده المشؤوم في الثاني والعشرين من تشرين الثاني/نوفمبر لذلك العام من القرن المنصرم، فقرع بذلك أجراس النكبة الفلسطينية التي ما زالت تقرع حتى الساعة.
غداة هذا الوعد المشؤوم، إحتلت بريطانيا العظمى في العام 1918 فلسطين، وفرضت عليها انتدابها. وعلى مدى ثلاثين عاما من انتدابها هذا، عملت الحكومة البريطانية على ترجمة وعد بلفور على أرض الواقع. كانت والحق يقال سياسات بريطانيا في فلسطين هي المسؤولة مباشرة عن كل ما حل بالشعب الفلسطيني الذي صحا صبيحة الخامس عشر من أيار/مايو 1948 على حدثين خطيرين. الأول إعلان بريطانيا أنها أنهت انتدابها على فلسطين، وأوكلت أمرها إلى منظمة الأمم المتحدة. أم الحدث الثاني فهو إعلان قيام الدولة العبرية.
تحت ظلال هذا الإنتداب البريطاني، كانت الهجرات اليهودية المتوالية إلى فلسطين العربية، بنيت الكيبوتسات والموشافات والناحلات، أسست الزراعات والصناعات اليهودية، تشكلت المنظمات القتالية المسلحة تسليحا وافيا وكافيا، حتى إذا حان الخامس عشر من أيار/مايو 1948، كان كل شيء معدا وجاهزا لإعلان دولة إسرائيل، وخوضها الحرب ضد الفلسطينيين.
لقد أصبحت القضية الفلسطينية في ذمة الأمم المتحدة، وتحت رحمتها، إلا أن الأمم المتحدة بدورها منقادة إلى سياسات الولايات المتحدة الأميركية التي أثبتت الأيام أنها لا تمارس العدالة، ولا تنحو منحاها فيما يخص الجانب الفلسطيني، والتزمت جانب الإنحياز التام إلى الجانب الإسرائيلي.
ليت النكبة قد وقفت عند هذه الحدود. ففي الخامس من حزيران/يونيو 1967، أكمل الإسرائيليون احتلال كامل التراب الفلسطيني، لتضاف بذلك صفحات سوداء جديدة إلى سجل النكبة الفلسطينية، كانت أولى هذه الصفحات عمليات تهجير واسعة أخرى إلى خارج حدود الوطن.
تحت ظلال هذا الإحتلال الإسرائيلي الذي دخل عامه الخامس والأربعين، بدأت حركة استيطان يهودية محمومة جديدة افترست خيرة الأراضي الفلسطينية، وطوقت كل التجمعات السكانية، وأشرفت على مواصلاتها وتحركاتها وتحكمت بها. كانت القدس هي الصيد الثمين، ويومها أعلن الإحتلال الإسرائيلي توحيد شطريها وضمها إلى دولته باعتبارها عاصمتها، وما زالت منذ ذلك الزمن حتى اللحظة تخضع لعمليات التهويد التي أخرجتها عن طابعيها الجغرافي والديموغرافي.
برغم هذا، غضت الولايات المتحدة الأميركية النظر عن كل ما يجري في الأراضي الفلسطينية التي ترزح تحت ممارسات القمع الإسرائيلي، وأصرت سياساتها على عدم الإعتراف بأن هناك احتلالا إسرائيليا للأراضي الفلسطينية التي أخذ الإستيطان الصهيوني يفترسها شيئا فشيئا، ويقوم بتهودها، منكرا على شعبها الشرعي أن يجمع نفسه في دولة، أو أن يكون له كيان مشروع.
لقد دأب الإحتلال الإسرائيلي على التفنن في ممارسات القمع والظلم ضد الفلسطينيين. إن الحواجز الأمنية، والوقوف في طوابيرها، ليس لها معنى سوى الإمعان في الإذلال والقهر، ناهيك عن مصادرة الأراضي، وإقامة المستوطنات، وتهويد الأرض جغرافيا وديموغرافيا. أخيرا ليس آخرا سلسلة الإعتداءات على المقدسات الدينية، مثالا لا حصرا حرق المساجد.
إن الفلسطينيين بتوجههم إلى الأمم المتحدة، إنما يهدفون إلى نزع شرعنة هذا الإحتلال البغيض، والمطالبة بحقهم المشروع في أن تكون لهم دولة مستقلة، ذات سيادة، معترف بها، عاصمتها القدس، تتبوأ مكانا محترما، ومقعدا ثابتا أسوة ببقية شعوب العالم المتحضر.
إلا أن الولايات المتحدة التي تنحاز إلى إسرائيل قلبا وقالبا، ومعها الرباعية الدولية، تسعى بكل ما أوتيت من قوة ونفوذ وتأثير إلى ثني الفلسطينيين، أو بمعنى صريح إلى منعهم من المطالبة بحقهم المشروع هذا. إن المبرر لهذا المنع يتمثل في العودة اللامجدية والعقيمة إلى المفاوضات التي يئس الفلسطينيون من جدواها بعد تجربة قاسية استمرت عشرين عاما منذ أوسلو، وما زالت لا تبرح مكانها.
إن الولايات المتحدة الأميركية تدعي على لسان رئيسها بارك أوباما أن سعي الفلسطينيين للتوجه إلى مجلس الأمن هو بمثابة "انحراف" عن مسار السلام. أما وزيرة خارجيته السيدة هيلاري كلنتون فتصر على أن المفاوضات المباشرة هي طريق الحل الوحيد. في كلا الحالتين فإن واشنطون تلوح باستخدام "الفيتو" ضد التوجه الفلسطيني، معتبرة أن هذا التوجه تهديد لعملية السلام. أما إسرائيل فتدعي أن الإعتراف بالدولة الفلسطينية سوف يؤدي إلى العنف. إن الولايات المتحدة الأميركية لا تقف عند هذه الحدود، بل إنها تمارس الضغوط على كثير من دول العالم، لمنعها من تأييد المطلب الفلسطيني المشروع.
هنا ثمة أسئلة ملحة نطرحها على الإدارة الأميركية، أولها: أين هي عملية السلام التي يتحدث البيت الأبيض عنها؟. ثاني هذه الأسئلة: لماذا لا تعترف الإدارة الأميركية بأن هناك احتلالا إسرائيليا جاثما على صدور الفلسطينيين؟. ثالث هذه الأسئلة: لماذا تغض الإدارة الأميركية النظر عن هذه الهجمات الإستيطانية التي تفترس الوطن الفلسطيني، وتقوم بتهويده جغرافيا وديموغرافيا؟. رابع هذه الأسئلة: ما هي الضمانات في العودة إلى مفاوضات السلام التي حرقتها نيران الإستيطان الصهيوني؟.
خامس هذه الأسئلة: ماذا تتوقع الإدارة الأميركية من الفلسطينيين، أن ينتظروا الفرج والحل وسط منظومة تسويف ومماطلة وخداع أوصلتهم إلى ما وصلوا إليه من بؤس وشقاء وتشريد؟. آخير هذه الأسئلة لا آخرها: هل يظن الأميركان والإسرائيليون أن الفلسطينيين من السذاجة والبساطة بحيث يصدقون الوعود العرقوبية التي دأبوا على كيلها لهم؟.
إن الفلسطينيين قد سئموا وملوا، وقد آن الأوان أن تنظر الإدارة الأميركية والرباعية إلى قضيتهم نظرة موضوعية عادلة، بعيدة كل البعد عن الإنحياز إلى إسرائيل على حساب الفلسطينيين وقضيتهم العادلة، والكيل بأكثر من مكيال.
كلمة أخيرة. إن الولايات المتحدة الأميركية حرة إذا ما أرادت استخدام حق الفيتو ضد توجه الفلسطينيين في الأمم المتحدة للإعتراف بدولتهم المستقلة، إلا أن عليها أن تفكر أكثر من مرة قبل الإقدام على هذه الخطوة في الإتجاه الخاطئ.
عليها أن تفكر بما تبقى لها من مصداقية تآكلت مع الأيام في العالمين العربي والإسلامي على خلفية سياساتها المعادية للقضايا العربية بعامة، والقضية الفلسطينية بخاصة. إن أقرب المقربين منها في العالمين العربي والإسلامي، لم تعد لهم أية حجة في الدفاع عن هذه السياسات الأميركية التي سوف ينظر إليها على أنها سامة، كونها تطالب بالعدالة للشعب الفلسطيني.
أما إسرائيل، والحال هذه، فلن تشعر بالأمن والأمان، وسوف تظل أعصابها مشدودة، طالما أنه ليس هناك حل عادل مشرف يرضى عنه الفلسطينيون، والدولة الفلسطينية المعترف بها دوليا هي واحدة من قائمة الإستحقاقات الطويلة التي للفلسطينيين في أعناق كل الذين تآمروا عليهم، واغتصبوا وطنهم، وشردوهم في المنافي والشتات. أما العالم فهو الآخر لن يعرف الإستقرار طالما أن هناك بؤرة توتر عنوانها فلسطين، والقضية الفلسطينية.
التوقيع
أعزائي الكرام
تحية طيبة
يسرني أن أقدم نفسي لكم
أنا د . لطفي زغلول
شاعر وكاتب فلسطيني
رئيس منتدى شعراء الفصحى
في موسوعة الشعر العربي
مقال يلخص القضية الفلسطينية في سطور قصيرة لكنها مزدحمة بكل تفاصيل القضية ، بالإضافة الى الأسئلة المشروعة التى أوردتها في المقال،
حق الشعب الفلسطيني في العيش الكريم في دولة ذات سيادة حق مشروع ضاعت من أجله ارواح وسالت دماء كثيرة على مدار أكثر من ستون عاماً ، لكن يبقى السؤال الذي يقض مضجع كل فلسطيني، هل مشروع الدولة هذه سيكون الخطوة الأولى في تحقيق حلمنا لاستعادة كامل التراب الفلسطيني الذي عشش فيه الاحتلال؟ أم سيكون اخر مسمار ندقه في نعش القضية؟
بتنا نخاف كل الحلول لقناعة ترسخت في اعماقنا بإن القبضة الغربية هي الأقوى دائماً ومصلحتها لا تتماشى مع مصلحتنا ونحن بهذا الضعف،
على أي حال المحاولة ليست خطأ، لنضع المصداقية الأمريكية على المحك، ولنرى كيف سيتصرفون عرابي السلام عندما نحشرهم في الزاوية،
أستاذي الغالي د.لطفي
لقد ذكرتني مقالتك بمقولة للمرحوم جورج حبش ،حينما قال :
(قاتلوا فلن تخسروا سوى القيد والخيمة)
فلنذهب إلى الأمم المتحدة ولن نخسر شيئاً
جزيل شكري أستاذي
محبتي
الحديث عن دولة وطنية فلسطينية مرتكزة على المستطاع الموضوعي الفلسطيني ايذان بانبلاج جديد للحركة الوطنية الفلسطينية - على مستوى الفكر و الثقافة - و بداية الاستقلال إزاء الاستقطابات الأيديولوجية القابعة في القرن 20 و تداعياتها.
مقال يستحق المناقشة
سأعود
تقديري العميق دكتور
التوقيع
لا تأكلي الشمس...فما في حوزتي سوى كلمات و وردة ...هي لك