الدليل العملي لنظم الشعر
Writing Verse : A practical Guide
وجدت في هذا الكتاب للمؤلف كولن جون هلكم من العمق والجدوى ما يجعله مفيدا على المستوى الأدبي العالمي فيما يخص الشعر والعروض. وهو يكتسب أهميته من المستوى الراقي الذي يتبوأه أكثر من خاص توجهه في ذلك المستوى وهو توجه قد ينظر إليه بالنقد من جانبي الاختلاف في العالم العربي سواء من يرى فيه تهاودا أو قسوة تجاه هذا التيار أو ذاك وهذه ترجمتي لمقدمته الثرية لتعريف القارئ العربي به، وربما أدى ذلك إلى ترجمة الكتاب لاحقا للعربية.
المقدمة ثرية وطويلة نوعا ما وأصل ترجمتها على الرابط :
لماذا نظم الشعر
النظم وسيلة لغاية، إنه خطوة تجاه ما يمكن – بالموهبة والجهد – أن يصبح شعرا. إنه يجعل الكلام مؤثرا ومحركا وجميلا.
فنظم الشعر يصوغ بنية للأبيات تتحرر فيها من استعمالاتها ودلالاتها اليومية. فللكلمات عند الشعراء معاني خاصة واستعمالات صائبة ولها ارتباطاتها ودلالاتها وأنسابها، وسِيَرَها المتباينة بين ذات اليمين أو الشمال. إنه يبث السحر في الصور والمشاعر والأعماق الظليلة والأسطح المتألقة. إنه يسبغ على خصائصها من الروعة والتناهي ما لا تكشفه الإلمامة العابرة. عندما تسلك الكلمات مسارها الذي تتواشج فيه نسيجا من العبارات والأوزان فالأبيات والقصائد فإن كلا من خصائصها تكتسب ألوانا متواصلة التغير، سواء في ذلك كل ما يتعلق بالمعنى أو الارتباطات أو الثقل أو اللون أو المدى اللفظي أو الشكل أو القوام أو الملمس أو ما سوى ذلك . ومن هذه الخصائص يتكون الوليد الشعري مستكملا نموه التدريجي من عملية تفاعل الشاعر ونصه.
****
ونظير ذلك قد يساعد في تقريب الصورة. ولدنا في اللغة ونستعمل كلماتها وعباراتها الجاهزة للتعامل في انشغال الحياة. من هذه اللغة وأحيانا من عباراتها نصوغ الشعر. وهو لذلك يعتبر كامنا في اللغة. نظم الشعر يقوم باختيار وتنظيم وهيكلة تلك اللغة. بالطريقة التي يقوم بها الراديو بالتقاط وبث ما لم نكن لنسمعه بدونه.
وخلافا لما يقال عن تكبيل نظم الشعر للغة فإنه يُثري إمكاناتها وأهميتها ومسؤولياتها. إن النظم الشعري آلية إثراء للغة. ولكن له مصطلحاته وتقاليده التي تكتسب بالتعلم.
وعليه فإن هذا الكتاب موجه لمن يهتمون بالشكل الشعري أو يصبون إليه. ويخاطب تلك الأقلية التي تتذوق كيف تسيد تناغماته المعقدة على الورق نطقا وصمتا ما يعجز عنه الصوت الحي من " وري زناد الكلام " وهو هدف جليل ولكنه في الواقع صعب ومحدود. ليس نظم الشعر مقتصرا على مادة المصطلحات، وليس طبيعيا على الإطلاق ، ولا ينبغي أن يحكم عليه بمعايير التعامل اليومي. مع الأخذ بعين الاعتبار أن الإيغال في النأي عن المألوف تجعله متكلّفا ممجوجا. ولكن ذلك ليس حجة لتأسيس الشعر على قاعدة لغة النثر.
****
وعموما:
1- التفرغ للشعر تحالف مع الفقر، وشحيح مردوده في المال أو الشهرة، وكالفنون الأخرى فإن مردودا أكبر يعود على صاحبه بحياة أفضل يقع على حواشيه أي تعليمه والتعليق عليه و/أو إنشاده.
2- الشعر استدعاء وليس مهنة.
3- رغم الحث عليه والدعاية له والصرف عليه فإن الشعر لم يعد ملك الأدب والفن وقد تدنت مرتبته – إنه يستحق رعاية الناشرين والإعلام ولكنه لا يحظى بها.
4- إن مردود الشعر هو مردود المحترف الحاذق في الوسط الصعب، إنه يفضي بالشاعر إلى إدراك فرص عظيمة ويبعث في حسه نشوة عارمة عند نجاحه.
5- لا ينفك الشعر عن القيام بدور ورشة للغة، ويكشف من أمرها ما يفوت النثر. وحقيقة يبقى الشعر رغم كل الصعوبات الحالية أهم أصناف الكتابة المعاصرة وأكثرها إثارة وإبداعا وابتكارا. والولوج إليه مصاحبة للنخبة وآصرة قُربى مع مبدعي الماضي.
يرغب الشاعر الرشيد تبين هدفه ووجهته وإلى أي الحركات أو المجموعات ينضم.
أوسع مجموعتين هما المحترفون والهواة، ولكن الاختلاف في تحديد الشعر الجيد موجود حتى لدى المحترفين ومن العسير اختيار الانتماء إلى الحركة الصحيحة. لا يمكنك التعبير عن الإعجاب بسياسة التكتلات الأدبية إلا بالانخراط في مسار الأحداث من كتابة وتأليف ومراجعة، وفي نهاية المطاف لا بد لك من إعلان تأييدك لأحد أصناف الشعر ومن ثَمّ مواءمة نتاجك معه. ستكون هيئة اختيارك مرشدا ولكن مطالعتك الواسعة وخاصة لنقد الطرف الآخر أمر ذو جدوى.