كانت سكاكين كلماتك بالأمس، تنهل كألسنة الإفتراس العطشى، من مياه قلبي
تدخل وتخرج بعد أن تحني رأسها فتخرج معها ما شاء إنحناءها لها أن تخرج من مزق القلب، ونتف الفؤآد ..
أنا لست معدوم الإرادة، يا رائعتي لكنه نيسان شهري و أبي ووليدي وأمي وخديجي وتوأمي ..
أهجع إليه كل عام؛ أنقّي نفسي من باقي الأدهر المؤلمة بنفاقاتها وبريستيجاتها وأكاذيب شخوصها، علما أنني أحاول ما استطعت الابتعاد عن كل من ، وكل ما يؤثر في نفسي تأثيرا سلبيا ويبلغ من روحي مبلغا يتسبب في إنخماصها وتخريب هالاتها وأطيافها ،
كلّ هذا يا سمائي لأتمكن من استمرارية التواصل مع نقاء زرقة روحك الخضراء .
هكذا أنا، منذ دخول النور لعينيّ والهواء لرئتيّ .. أعشقك وأضعك نصب عيوني آمرةً لإناي وناظم لضميري ..
كم مرة كنت محطّ سخرية قطيع الأخوة والرفاق على دروب المدرسه،
لأنني كنت أسير خلفهم لأجعل من هذه المسافة وقراَ لـ سمعي من جدالاتهم التي تشعرني بسخفٍ وأسى، وأرمق بإتجاه زرقتك فاغرا صاغرا ؟
وكم مرة كدتُ أسقط، جراء حفرة أو حجر يعترض مقدمة أقدامي الصغير الوئيدة وأنا شارد الذهن ويعتريني الذهول ؟ ..
لكنني على أتمّ الثقة أنه لم يمسّني سوء ماحييت وأنا أرمقك بعشقي الأبدي .. إلا أن تلك الغيوم الملبّدة كانت ترسل كآبتها لتذكي وتؤجج أشجان لا أدرك دافعها ولم يحظ عقلي ولا منطقي بإدراك أسبابها .
ولشدّة هول وقع سكاكين الكلمات المقتضبة في أمسي المنصرم، والتي كانت تنبئني بقدوم غيوم ذات طبقات أسمك وسديم أكثف ..قررت محاولة النوم رغما عني .. وكانت حقبة أخرى من الألم يتخللها الرجفان، وأخاديد جأر أنيني تزداد عمقا لتخرج حشرجة زفراتي مخيفة فتوقظني هلعا ..
وبعد ردحا لا يستهان به من الهذيان و الأنين والتعّرق والغثيان القاتل والشحوب الذي يلبس وجهي ...
نهضت - مع أول نبل تخلل زجاجي من كنانة هذا السحر، الذي اندهش لنومي اللّا معتاد بلحظاته التي أعشق انتظارها كل ليلة ،لم يعاتبني بل كان سعيدا لأني نائم - كعنقاء رماد الربيع المستمدة خلودها من بقاء وديمومة الرماد العصيّ على الإحتراق وألسنة اللهب ..
كنت أسمع صوت صيارات مفاصل عظامي، وطقطقة غضاريفي ، لكـأن مومياء تزيل لفائفها لتخرج من ثباتها الأبدي .
ثمّة دوارا يعصف بنجوم رأسي لكأن الغثيان غدا وجبة ألم دائمة لرأس شحوبي .
حاولتُ النهوض آلاف المرات، لكنّ سمائي كانت غافية تتوسط ليل وشاحها اللا متناهية شواطئه، لمحت عيني كلمات رُسمت على إنبلاج الفجر تقول كعادتها : ألقاك بخير.. فكانت مبعثا لـ حراكٍ ثوريٍّ يؤجج نار تحولي ، ليكون حبك إيجابي وفعّال ..
وتقافز لذهني ، أن( نزيه) كان يريد لفافة أوراق الرسم التي وضعها في منزلي منذ أخر مرة كنا معا .. كان شوقي إليه يقتلني ويعانده حزني من كلماته في آخرلقاء لنا، التي كانت تشكل نسبة كبيرة من سبب إنهيار أعصابي .لكن كلماتك المرسلة من نقاوة بهجتك أن لا أغضب منه .. وكلماتك أيضا التي قطّعت إرب فؤآدي بالأمس أن لا أتكاسل ولا أستسلم لليأس ..
وكعادتي دوما بدأت رحلتي بماء الطهر الدافئ ولبستُ أبيضي المعهود وحذاء بني اللون ،
وللحظة مررت بمرآتي التي لم أرتسم عليها منذ دهور إنهياري يا إلهي هذا أنا ثانية، أين كنت، بالله عليّ اشتقت إليّ ما كلّ هذا الغياب عني؟؟
وبعد عتاب بيني وبيني وتبادل أعذار لا طائل منه
كان عبقي المعهود يفوح كسابق عهدي، حيث كنت أتواجد قبل ساعة من وصولي لأي مكان وكان رسولي دوما عبقي اللا مصنوع ...
رتبت جميع أشيائي وخرجت نهارا لأول مرة منذ ذاك الأزل، عهد تصريحي بحبك يا رائعتي ، أزل إستقطاب الوجع الكامن في شهقتك وزفرتك التي كانت تقتلني وتنغرس كما جذور النخل برمال فؤادي ..
آه..!! سيارتي البيضاء الحبيبة أشتاقك جدا ما أروعها ،!
أشيائي الحلوة موسيقاي العذبة كانت نظيفة كما الثلج ، لولا أن زاد روعتها بعضا من أزهار الليمون البيضاء على زجاجها الأمامي ..ابتسمت لأول مرة ، وتساورني شقاوتي المعتادة بأن أزيل أزهار الليمون كعادتي الجنونية ؟ وأنطلقت أسابق الريح .. تارة أنظر كيف تتطاير أزهار الليمون وأخرى على عداد السرعة لأول مرة كنت أقهقه حقا وأتجاوز المائتين وعشرين كيلو مترا في الساعة .. زالت أزهار الليمون جميعا ..
وصلت لأول توقف يجب أن أترجل فيه لسحب بعض نقود ..
آه .. اليوم عطلة ، أنه عيد الجلاء، ويوم الشعانين ،
ماذا سأفعل أجريت بعض البحث في محفظتي حمدا لله بعض أوراق من فئة مئة دولار ، ومن أول صرَاف إستبدلتها ومضيت . كانت حرارة نيسان ترتفع بوهج لا معهود .. لقد حولت شحوبي إلى إصفرار يتخلله بعض الوردي الطفيف ..
وكان حشود من المتظاهرين يملأون طرقاتي فتذكرت قصة عزيز نيسين عن القرية والمختار والهتافات القسرية ووو.. وكموج الهواء انشقّ الجمع بما يسمح لمرور أضعاف سيارتي مرات ومرات، علما أنهم كانوا يمنعون المرور لأي كان،
كانوا يرمقونني بمحبة بإعجاب ككائن فضائي ماوراء وفوق تساؤلاتهم فقط يريدونني أن أعبر بسلام ويلقون تحايا وإبتسامات فيها حياء ورقة رغم استبسالهم واستشراسهم لما يهتفون .. وعند محطة الوقود ذات النظرة من عاملها كانت عيناه تقول لي : قلْ ياملاكي ماذا تريد اعتراني حياء للطافته ولباقته الزائده لم أكلمه البتة لم أترجل لم أفعل شيء فقط دفعت النقود اللازمة وتبادلنا الباقي بإشارات معتادة لكنه كان يقول : أشياء أخرى في عينيه تبعث فيّ بعض النبض ..
تجاوزت السرعة السابقة بعشر أو عشرين من الكيلو مترات ،
فيروز كعادتها تؤنس سفري وهاهي بأروع ماغنت \حنا السكران\ ولطالما كنت أرقص بجنون على أنغامها ..
كانت الطريق إلى قلعة الحصن حيث منزل صديقي المقصود
- والذي كان مايربطني به لا يسمى بجميع المسميات الأرضية والسماويه – جبلية تتعرج داخل أشجار السنديان والبلوط والزمزريق والوزال ويحفها نيسان بألوانه من كل صوب .
وقبيل الوصول لتلك الطريق وبسرعتي المجنونة تجاوزت جسرا يفصله عن بحيرة صغيرة تستقرّ تحته وعلى جانبيه ، بعد شاهق ،
آه كم أرغب بالقفز في الهواء جميعي سيارتي موسيقاي الحلوة أشيائي ولفافة ورق الرسم المحفوظة بإتقان عالي الدقة، قطع من شوكولا (مارس) سجائري بعض نسخ من ديواني كاميرا التصوير خاصتي وبعض أغصان الزمزريق والوزال قطفتها من الغابة لنزيه .
نعم سأقفز ولن تبتل أوراق الرسم لأنها مغلفة جيدا ،و ماذا عن دواوينى .. حسنا فلتأتي معى حيث ماء البحيره الشهي الغرق لن يشحب بلون أشعاري أبدا.
ها أنا أهم بتنفيذ قراري الأخير لم تعد تفصلني بضعة أمتار عن هزيع شهقاتي وآخر زفراتي وبكامل سرعتي المجنونة الرائعة .
ماذا سيحصل يا الله هل ستتخ سيارتي البيضاء وثيابي البيضاء وأزهار نزيه وأوراق الرسم خاصتة يا إلهي ولكن لن أتردد سأقفز ما هي إلا برهة تفصلني ...؟؟؟
صاخبا كان صوت فيروز بذاك اللا وقت المتبقي لي، بإيقاعها السريع أنا متأكد أن الرحابنة اقتبسوها من موزارت. آه .. لا .. لعله باخ لا أتذكر ممن أقتُبستْ موسيقا ,كان الزمان وكان .. آه ..مونامور , لا .. تلك أخرى إعطني الناي وغني من مونامور نعم كلما أسمع مونامور يتداخل عندي الإحساس وأغني رائعة جبران إعطني الناي وغني ،
كبارقة ومض السماء كانت تنهال تداعياتي المجنونه تلك والموت اللذيذ مع ماء البحيرة بات يقاسمني أنفاسي الأخيرة ،
يا الله ..يارب السموات ..مونامور..مونامور .. سمائي الغاليه حبيبتي تذكرت كم تعشقين مونامور يا الله ها أنت معي وكيف أقفز.. كيف ؟؟؟
هاهو شعرك الهستيري الرائع يملأ الكون يعطي الهواء كمّاً هائلا من تموّج سواده عبر النافذة الأخرى ويربت على كتفي حتى أنه يكاد يخرج من نافذتي أيضا .. هاهو فستانك الأحمر الرائع، آآه هل نذهب لحفلة راقصة نحن ؟
لعلّنا كذلك فعلا ، لا أدري، بل أكيد لأنك لا تلبسين الفستان الأحمر الذي أحبه في الرقص كثيرا . نعم سنرقص وأعلم تماما كم تعشقين الرقص معي وخاصة حين ألثم أنامل رقتك إيذانا بالدعوة للرقص ..
ولكن كيف سنبدأ هل يجرؤ شخوص الساحة من متابعة الرقص بقربنا كيف ونحن ملاكين وبهذا الأناقة والسحر؟؟
هل سيصفقون كثيرا حتى تنهل حمرة الورد من نقائك فيعتريني الجنون لروعة المنظر فلن أعود قادرا على الرقص .. سأحملك حينها وأدور أدور أدور لنكون نواة لزوبعة وعين لإعصار نرتقي إليك ..
إلى صميم الصفاء ولبّ الزرقة ..
يا الله ما هذا غفرانك ربي، ها أنا أخفف السرعة وأصحو أعود لرشد الطريق،
آه أتصبب عرقا، تتزاحم زفراتي ويضيق حلقي بشهقاتي ،
أنقذتِ صفو ماء البحيرة كم تحبين الصفاء .. أنقذتِ أوراق الرسم وأشيائي
أنا مدين لك بجميعي يا رائعتي .. ها أنا أقترب من طريق الجبل وأقرر أن أقود بهدوء
أسمعك تقولين لي .. اهدأ، وأرى ورودك ، نصب ضميري ترشقني لتسكن روحي بألوانها وعبقها وروعتها ..
مدين لك بجميعي يا رائعتي ..
هاهي أيضا أزهار الوزال تثير ذاكرة شقاوة طفولتي، والزمزريق ما أروعه ذاك الإمبراطور الذي يغطي الكون ..
جميع الأشياء كانت معجبة بي هذا اليوم، تكاد أزهار نيسان تتقافز نحوي لتلثم وجنتيّ وتعود لغابتها و وهي تلوي أعناق حائها ..
لكن مالي أعود لإكتئابي ثانية ؟ كيف أقابل نزيه وهذه الغصة الملعونة ؟ كيف سأطعن فؤاده الحبيب بنبرة صوتي ؟
ماذا سأفعل؟ أتمنى أن لا يكون في المنزل فأضع اللفافة وأترك له ألف ذريعة لتبريرعدم الإتصال به وأرحل ..
سيغضب سيؤنبني لكن أهون عليّ ألف مرة من أن أقتله بوجعي .. يا الله ماذا لوكان موجودا ؟ والأصعب لوكان وحيدا .
كيف أمنع نفسي من أن أقع هاجعا وعبراتي تسبقني إلى صدره ؟ كيف سأجيب لو كلمني ؟ لا أقوى على النطق أنا حقا لا أقوى على أن أنبس بكلمهة .
وبشهقة ثلاثية بلحظة واحدة ..ومن دون كلام ,أنا وهما الزوجان الرائعان ومائدة الغداء بكامل طقسها النزيهي الأنيق تستقبل آخر لمساتها ، النعنعتين والطرخون .
وأزهاره البرية الموزعة من غير تنسيق أبدا ,وموسيقا (رحمانينوف ) تبدد الصخب بهدوئها الرهيب ,علما أن (الفونوغراف) كان متوقفا عن العمل لكني أسمعه حقا أسمع( رحمانينوف ) الرائع تتمازج موسيقاه مع أصوات حساسين نزيه .
وببحة حنانه القاسي : كريم أهلا حبيبي .. ولا أذكر كيف تفاديت التعثر لأضع لفافة ورق الرسم خاصته بأقرب مكان آمن لها، حمدا لله كانت يداه تمسكان ببعض الأدوات وأقترب لعناقي من دون أن يطبق ذراعيه على ظهري كعادته .
فكنت أنا المتحكم الوحيد بإنهاء الضمّة وقبل إنتهاء الثانية الأولى كنت خارج الباب في الحديقة أتفقد كل شتلات أزهارها وشجيراتها ..
جولة صغير, إلتقاطة نفس ، كفكفة سريعة، ومن ثم دخلت ثانية أتلقى سؤاله المريح الأوحد بأحرفه الثلاثة فقط : كيف ؟؟؟
وبكلمة مشربة بحمحمة استطعت تمويهها بسعلة صغيرة : تمام .
ومرّ وقت رحيم من دون أية كلمة .
فقط تناول بيده اللطيفة وأنا مله النظيفة دوما ما عدا أوقات الرسم ورقتين من الخس .. إرتعدت فرائصي لفعلته فهو يعلم أن الخس مهدئ للأعصاب..
من هو مثله لا بد أن يعنيها كنت شديد الدقة بكل حركاتي لئلا يُفتضح أمري وأضيف لحزنه حزني وكآبتي .. وبعد ثوان أومأ لي أن أجلس قربه أمام الباب بمكانه المعهود وأشار بسبابته للخارج وقال: إسمع هذا كان حسونا يعزف ألحان الروعة ليدعو شريكة عشه الجديد ، وتنسكب ألحانه على قلبي كورودك المعهودة يا سمائي .
يحط كإمبرطور عظيم الشأن على غص تأخر نيسانه عن باقي شجرات الحديقه وشعرت كأنكِ معي بقربي تقولين : هذا نزيه ياكريم يحبك كثيرا لا تغضب منه وترسلين الهدوء ليعانق روحي .
كنت أحسّ أني أبرُّ بوعدي وأفي بعهدي لك.
كان الأمر حقا أسهل مما ظننت .. لقمات قسرية بيديهما وبعض حوارات لم أفتحها أنا لئلا أضطر لمتابعة الحديث . وهكذا كنت أومئ برأسي بنعم أولا
من دون إطلاق نبرة واحدة من صوتي .
أنهيت الجلسة مسرعا ومضيت رغم إلحاحهما الشديد على بقائي وبنفس طريق العودة وبلهفة الوصول لأفتح نافذة السماء وأحدّق كعادتي ،
كنت أقود عبر روائع نيسان من ألوان وروائح وفراشات ودعوات العصافير شريكاتهم لبناء عش جديد، ولكنني رغم إحساسي بأنني مستعجل جدا ، كنت أقود بهدوء لا معهود ..
وإلى تابوتي الخمري المشرب بخطوط صفراء وأنا بكامل ملابسي البيضاء ألقيت نفسي ،
وفتحت النافذة وبدأت أكتب في مكان آخر لكنني أحدق فيها وأكتب هناك خشية أن تكتظ نافذة سمائي فتنغلق وتطبق على روحي .
وتتشح بغيوم داكنة فأعود لأنهار ثانية ويتبدد أملي ودافعي للحياة مجددا وأفقد سبب استيقاظي صباحا وأحلامي وكوابيسي وآلامي التي أعشق , وأفقد حبي لنفسي ولكل الأشياء وأفقد بهجة نيساني وأزهاره مجددا .