التفضيل في أسلوب الرسول صلى الله عليه وسلم / بقلم محفوظ فرج إبراهيم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــ
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم( أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا وخياركم خياركم لنسائهم) صحيح أخرجه الترمذي في الجامع 1162 ورياض الصالحين رقم 278
حقيقة حسن الخلق : بذل المعروف ، وكف الأذى ، وطلاقة الوجه/
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـ
في هذا الحديث الشريف تتضح فصاحة الرسول عليه السلام، وبلاغته على أتم وجه، وأكمله، وأرقه ، والمتأمل في نسيجه المتمثل بأسلوب الخبر؛ وبجملتين اسميتين قائمتين على أسماء تفضيل هي مبتدأ، وخبر. يلي مبتدأ الجملة الأولى وخبرها تمييزان ملحوظان(1) هما ( إيمانا ، وخلقا ) ومضمون الحديث الشريف أن تمام الإيمان ،وكماله في حسن خلق المؤمن ، والأخيار من المؤمنين هم من يحسنون التعامل مع أزواجهم. ومن ذلك فان حديث الرسول صلى الله عليه وسلم يغني عن كل الدعوات المعاصرة الداعية إلى حقوق المرأة؛ وكأنهم لم يقرءوا ،أو يطلعوا على ما دعا إليه الرسول الكريم.فانبروا ليذودوا عنها. (خياركم خياركم لنسائهم) وفي هذه الجملة تختصر المسافة التي كتبت في البحث عن حقوق المرأة، وهي آلاف الكتب، والمجلات، والجرائد، وكل ما قيل ويقال في الفضائيات، والمواقع الالكترونية.
فالرسول الكريم أوضح بما لا يقبل الشك أن الخير (المفضل)؛ هو حسن التعامل مع المرأة.
والحديث في تفاصيل نسيجه كما أسلفنا عبارة عن أسماء تفضيل أكمل، أحسن، خياركم، خياركم وهو جملتان خاليتان من التوكيد ( خبران ابتدائيان) ولأن الحديث قيل في حجة الوداع وقد توطدت أركان الإيمان، ولم يعد هنالك من حوله منكر لدعوته السامية صلى الله عليه وسلم؛ فالخطاب موجه لمن يثق به قال تعالى ( وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى) النجم /4 وقد كان إسناد الجملة الأولى إلى ضمير الغائب ؛ لأن حسن الخلق هي صفة سابقة ألا وهي مكارم الأخلاق : قال صلى الله عليه وسلم ( إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ) فمكارم الأخلاق موجودة قبل الرسول وجاء هو لإتمامها.
قال مسندا إلى ضمير الغائب ( أكمل المؤمنين أحسنهم خلقا ) باعتبار هذه الصفة مقررة سلفا للذين مضوا ، وللحاضرين ، والتالين لهم . أما الجملة الثانية فجاءت مسندة إلى ضمير المخاطب ( خياركم خياركم لنسائهم )، وقد تحوّل هنا خطابه صلى الله عليه وسلم ليؤسس لمسألة أخرى هي من سمات الشريعة السمحاء وتخصها تحديدا . وكأنه يعلم وهو على علم حقا أن الأخذ، والرد سيكثر، ويطول في هذه المسألة لدى الأجيال اللاحقة، وهذا تحول بعد تمام الدعوة بأن يقرر أن لا خير في حياة الإنسان إذا لم يكن خير الناس في تعامله مع زوجه.
وليبقى كلامه ممتد الخطاب لكل المسلمين في الأمكنة، والأزمنة.
ثم لننظر إلى التوزيع الهرموني للأوتار الموسيقية التي تتماوج في أصوات الحروف في ارتدادات جسدت الخبر، وانبثقت من روحه ، وذلك من خلال التوزيع الصوتي للهمزة التي وردت خمس مرات حيث كان المدخل، والعمق المتفجر بينابيع الخير ؛ وهكذا بالنسبة لحرف الميم الذي تكرر ست مرات ، وقس على ذلك في النون ، وألف المد ، والكاف ،وتواصل سين الحسن بسين النساء ليكون ذلك الانسجام الصوتي الرائع له دور، وتأثير في إيصال الصورة المتفردة لمدلول الحديث الشريف.
محفوظ فرج / سامراء 1431هـ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــ
(1) يفاضل بين الشيئين أو الأشياء باسم التفضيل الذي يصاغ على وزن أفعل بشروط معينة نحو ( أكرم ) وقد سقطت الهمزة من كلمتي خير وشر لكثرة الاستعمال والأصل ( أخير وأشر ) قال تعالى ( أنا خير منه ) ينظر معاني النحو د. فاضل السامرائي بيت الحكمة بغداد 1989م
ج2 ص 683
(2) التمييز عند النحاة هو اسم نكرة متضمن معنى (من ) لبيان ما قبله من إبهام ذات أو نسبة والتمييز الملحوظ هو المبين إبهام نسبة أي يبين إجمال نسبة شيء إلى شيء وذلك نحو (حسن محمد خلقا ) فخلقا يبين نسبة الحسن إلى محمد / ينظر معاني النحو د. فاضل السامرائي بيت الحكمة بغداد 1989م ج2 ص745 وص 750 .