الزمن في الآخرة!
هذا يوم الخلود . أحيانا اسأل نفسى: تُرى كيف سيمضى المؤمنون زمنا أبديا فى الجنة؟ طبعا هو سؤالٌ يبدو غبيا فالنعيم لا يحتاج لمعرفة الكيفية التى سيُملأ بها الوقت . ومع ذلك يلحّ علىّ الفضول ، حسب ما تعودنا فى الدنيا ، أن تتتابع الأحداث - أيا كانت - جزءا بعد جزء أو فصلا بعد فصل إلخ وقد تعودنا فى الدنيا بدايةً أو مقدمةً يعقبها فصلٌ ثم آخر ثم آخر..إلخ حتى يكتمل المسلسل ويُسدل الستار على القصة بأكملها ويمر الزمان فيحيل تلك القصة أو الحدث إلى ماضٍ بعيدٍ لا يتبقى منه سوى ذكرياتٍ قديمة متناثرة أشبه ببقايا دارٍ مثل تلك التى وصفها الشاعر الجاهلى فى قوله:
ولقد مررت على ديارهمو _ وطلولها بيد البلى نهْب
فتلفتت عينى فمذ خفيت _ عنى الطّلول تلفت القلب
بيد أن هذا الأمر لا يشغل البال كثيرا فى الدنيا لأنها فانية أصلا ولا معنى للتفكر حول كيفية قضاء العمر فيها . إنما تساؤلى ناتجٌ عن أبدية الحياة لمن سعد ودخل الجنة فى الآخرة . كيف سيمضى القرون والأحقاب؟ والجواب الذى توصلت إليه بينى وبين نفسى ليس جوابا واحدا بل هو مجموعة رؤى وبديهيات . وأول ما يخطر على البال هو "من المُضيف فى الجنة!" إنه ليس الثرىّ فلان أو صاحب الجاه فلان أو الملياردير فلان..إلخ إلخ . كل هؤلاء بشرٌ محدودو الامكانيات محدودو المصادر محدودو القدرة قاصرو الطوْل (يغرقون فى شبر ماء) على قول المثل . أما المضيف فى الجنة ، جل جلاله ، فهو اللا-نهاية وكل شيئٍ فى رحابه بلا نهاية . وبدءا هو قال "وسارعوا إلى مغفرةٍ من ربكم وجنةٍ عرضها السموات والأرض" . إذا كان مكان الضيافة فقط بسعة السموات والأرض ، والمسافة بين المجرة والمجرة ملايين السنين الضوئية ، فكيف أفكر فى تفاصيل العصور السعيدة التى سيهنأ بها المؤمن؟ إنه خاطرٌ غبىٌ وساذج . يكفى أن أتذكر أن كلمات الله ، فى الدنيا ، لا نهاية لها . ولو أنما فى الأرض من شجرةٍ أقلام والبحر يمدّه من بعده سبعة أبحر ما نفدت كلمات الله . هذا فى الدنيا ، فكيف تتصور نفادا أو استنزافا لما أُعدّ للمؤمنين فى الآخرة !!
من الجدير بالذكر أيها الكريم أن المجرات والكون كله هذا الذي نستشعره ولا ندرك اتساعه بفهمنا المحدود
إنما هو في سماء الدنيا فقط.. فسبحان الله الخلاق البديع
ورحم الله الشريف الرضي الشاعر فقد أجاد وأفاد
كما أنتم دائما أيها القدير
جعلنا الله وإياكم من صالحي أهلها
محبتي
تنتفى المسائل الروتينية من مأكل وملبس ونعيمٍ لم يخطر على قلب بشر
وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقًا قَالُوا هَٰذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ البقرة (25)
حتى الطعام او الفاكهة يظنوا أنهم رزقوا منها ولكن لما يأكلوها يجدوا طعماً آخر وكذلك رؤية الحق وما الى غير ذلك ما لايعد ولايحصى
فعلا أيها القدير
فنحن نتمسّك بالدنيا ونصارع من أجل البقاء فيها حتى النفس الأخير
وهي دار بلاء ولا سعادة فيها
فكيف بجنة مكتظة بكلّ ما نشتهي؟
مطلب رفيع جدير بالتفكّر
أنحني هنا.. وتغمرني الدهشة
كلّ البيلسان