التيه يعلن عن رحلته الأخيرة

التّيهِ يعلنُ عنْ رحلتهِ الأَخِيرَةِ
د.نبيل قصاب باشي
[1]

هناكَ على ضفَّةِ الطّيفِ تمضي عيوني وراءَ الرُّؤَى المُرْعِبَهْ
وتغرقُ في موجةِ الطيفِ خاطرتي المُتعبَهْ
هناكَ احتميتُ بأشرعتي غيرَ أنَّ الرياحَ أطاحتْ بشاطئِهَا فارتميتُ بعيداً أجوبُ منافي بحاري
وأرتادُ دُنيا منَ الوهْم راودْتهُا في خداعِ انتحاري
وحين ارتميتُ هناكَ تلفَّتُّ حوليْ فلمْ أرَ ماءً ببحريْ فأُبْتُ أجوبُ منافي ارتمائي
على غيمةٍ منْ غيومِ فضائي
هناكَ عثرْتُ على ظمَئِي غيرَ أنّي أضعتُ بحاري
وحينَ أضعتُ بحاري أضعتُ الرجوعَ إلى أرضيَ الُمجْدِبَهْ
وحين أضعتُ الرجوعَ إلى الأرضِ تاهتْ دُروبي وأَشْرعتي .. وأضعتُ المنافي
وحينَ أضعْتُ المنافي أَضعْتُ ضفافي
وحين أضعت ضفافي أضعتُ الرجوعَ إليّ وأمسيتُ وحدي
ولم يبق بيني وبيني سوى طيفِ ذاكرتي المُرْعِبَهْ
وما عادَ ليْ شاطئٌ تستريحُ إليهِ خواطريَ المُتْعَبَهْ
[2]
أفقتُ على حُلُمٍ منْ خيالٍ عَبُوسْ
وقدْ كانَ بيني وبينَ عدوّيَ بشاشاتُ سِلْمٍ وبغضاءُ حرْبٍ ضَروسْ
وكنتُ أُباركُ أسطورتي في قتالِ الثكالى
وفي ذبحِ كلِّ وليدٍ وفي خَنْقِ كُلِّ عجوزٍ وفي حَرْقِ كلِّ عَرُوسْ
وكنتُ أُحِزُّ رقابَ الحرائرِ لستُ أهابُ الوَغَى والقتالا
ولستُ أخافُ الرَّدَى وَ المُحالا
ولستُ أخافُ شجاعةَ غَدْري
لقدْ غرَّني وحشُ وهْمِي فصِرْتُ أحزُّ شرايينَ صدْرِي
بسكّينِ قَهْري
وأنحرُ كلَّ وَريدٍ يمرُّ بنحْرِي
وأذبحُ كلَّ نداءٍ يغصُّ بحلقي
وأنضحُ كلَّ دماءٍ تمورُ بعِرْقي
ومهما تناءى فضاءُ السماواتِ فوقي
فلا خالقٌ دونَ سرّي وخَلْقي
ولا بارقٌ دونَ رعْدِي وبرْقي
هنا لنْ يمرَّ الهواءُ بغيرِ شهيقي
هنا لنْ تمرَّ النعوشُ بغيرِ حريقي
هنا لنْ تمرَّ "هُنا" دونَ أنْ تتحرَّى مكاني
هنا لنْ تمرَّ "هُنا" دونَ أنْ تتماهى بكُنْهِ زماني
وغيري هُناكَ هُناكَ وراءَ الزمانِ
هُنا أنا وحْدي ولا شيءَ يحيا بغيري
ولا شيءَ سوفَ يموتُ بغيري
ولاخيرَ يسطيعُ أنْ يتقمَّصَ شرّي
ولا شرَّ يحلمُ أنْ يتخفَّى بخيري
أنا الشرُّ في الخيرِ والخيرُ في الشرِّ.. لا شيءَ في الخلْقِ مثلي
أنا القهرُ في القهْرِ .. والقتلُ قتلي
أنا الجبْرُ لا جبرَ دونَ اخْتياري
ولا نارَ دونَ براكينِ ناري
فهلْ يعلمُ الموتُ حكمةَ قَتْلي؟
وأسرارَ جهلي وويلي
وفيمَ حرقتُ نسيمي؟
وفيمَ حضنتُ جحيمي؟
وأجَّجْتُ فيهِ شُواظَ حميمي؟
وفيمَ قتلتُ خيالي؟
وحاكمتُ وهمَ جُنُوني؟
وهل يعلمُ الموتُ أيضاً علامَ جهرتُ وأعلنتُ سرَّ مَنُوني؟
وألغازَ أكفانِهِ القاتمهْ؟
وهل يعلمُ الموتُ فيمَ أدنْتُ وأعلنْتُ قتلَ قُضاتي جميعاً ؟
وهل يعلمُ الموتُ أنِّيَ لستُ أُبالي إذا اسْتَأْنَفَ الموتُ محكمتي الواهمَهْ؟
أيعقلُ أنْ يُعلِنَ الموتُ أنّي حَكِيمٌ بقتلِ قُضَاتي؟
وأنّي حَليمٌ بقتلِ كوابيسِ جَهْلي وخنقِ هَمَاهمِ ثرْثَرَتي المُؤْلمهْ؟
وأني شُجاعٌ بإزهاقِ روحي وإزهاقِ أوهاميَ المُجْرمَهْ؟
لقد كنتُ في حُلُمٍ قاحلٍ أتعبتْني فضاءاتُهُ المُجْدِبَهْ
أضعتُ الرجوعَ إليّ وأمسيتُ وَحْدي فبيني و بيني خَواطِرُ ذاكرتي المُرْعِبَهْ
وماعادَ لي شاطئٌ تستريحُ إليهِ خَواطِريَ المُتْعَبَهْ .

[3]
تأبَّطتُ غيمي
ورحتُ أجولُ بها في فضاءاتِ وَهْمي
أقسّم أرزاقَها حيثُ شئتُ
وحيْثُ رغبْتُ
فلا جبلٌ دونَ غيمي يمرُّ
ولا غيمةٌ دونَ ريحي تُجَرُّ
ولا عاصفٌ دونَ غيمي وريحي
ولا قاذفٌ دونَ زَفْري وفيحي
ولا حارقٌ دونَ نارِ حريقي
ولا بارقٌ دون وهجِ بريقي
هنا تحتَ عَرْشِي
وتحتَ ارتعاشةِ رَمْشِي
تحطُّ الفراشاتُ حَوْلي
وتقتاتُ منْ نارِ حقلي
وتغفو هُنا في رَمادي وتندسُّ أشباحُهَا في احْتِرَاقي
فأُعلنُ غَدْرَ اخْتِرَاقي وأنَّ السّراديبَ حَوْلي غدَتْ مُقفلَهْ
وحينَ تمورُ بيَ الزَّلْزَلَهْ
سَتصْعَقُني صَعْقَةُ الجَلْجَلَهْ
وأبقى أُجَرْجِرُ رأسيْ هنا بينَ مشْنقةِ الشَّعْبِ وحْدِي وبينَ رَدَى الِمقْصَلهْ

@@@@@@
@@@@
@@@
@

ولات ساعة مندم

قصيدة نفسية فلسفية تعبر عن جنون العظمة لدى الطاغي الذي لا يرى الا نفسه
يربح نفسه ويخسر العالم
والغريب العجيب هو القدرة الفذة لشاعرنا النبيل نبيل على تقمص هذه الشخصية التي لا تفكر الا هكذا
كل ما في النص جميل واجمله هذا الايقاع على المتقارب وكأن أجل الطغاة قريب
دمت شاعرا صهوته السماء وسيفه النجوم
ولك الغيوم

السيد جميل الداري

بورك بفطانة يراعتك

لعلك وفقت تماماً في الولوج إلى بؤرة النص وهذا يشي بأن العلاقة بين النص ومتلقيه لا زالت في عافية ، وأن مسحة الغموض الشفيفة سمحت للمتلقي أن يتجول في أرجائه متظللاً غيومه غير آبه بغلالة ضبابه ؛ [ولات ساعة مندم] إنه حقاً المكتوب في الغيوب مبثوثاً من إشارات الدلالات التعبيرية والتصويرية .. شكراً لمرورك الجميل

مقامات للقهر و الخيانة تترصد كل متغطرس متجبر، و تحكي نهايته التاريخية.. و هو في كل ذلك نسمة قيظ مرت.. حرقت .. و انتهى أجلها.

تأبَّطتُ غيمي
ورحتُ أجولُ بها في فضاءاتِ وَهْمي..

بورك شعرك الجميل أخي د نبيل قصاب.
مودتي.

وبورك جميل ما أفاض به انطباعك أيها الشاعر الجميل عبد الله فراجي ،،، ولا جرم أن التاريخ حدثنا عن مصير الطغاة والمستبدين الذين تألهوا وتغطرسوا في جبروتهم ، وآل بهم المآل إلى شر حال ، وإلى مصير أرذل ونهاية وخيمة ....

اخي الغالي د . نبيل
ما اقدرك على تقمص هؤلاء الذين طغوا وتجبروا في كل زمان
غزوت أعماقهم
وأبحرت في وهم بحورهم لا ماء فيها ولا حياة
وتجولت في كنه تفكيرهم المريض بالأنا المتورمة حد الانفجار
تحيتي لك
فقط أقول هذه القصيدة للخاصة وليس للعامة لما غلفتها من غموض يكون أحيانا شفيفا

سلمت يدك( أعلقها )

رمزت

وما أقدرك أنت أيها الصديق العتيق على تقمص أحوال الشعراء وأوجاعهم


بل ماأحذقك عل التماهي في أشجانهم


وكيف لا تتقمص وتتماهى وتتنفس شهيق لواعجهم وأنت ممن صنعوا سر

الشعر؟؟؟


وشقوا غلالات غيومه الشفيفة الوريفة ثم خرجوا من تحت قبعة إخفائه


كقوس قزح يلوّح ثم يختفي ليجدد أشواق عاشقيه وليخالج نبضهم

الراعش ؟؟


شاعري الصديق رمزت ضمني في غيمة وارفة وخذني سريعاً سريعاً إلى

ضفة نهر حرق الشياطين ماءه وخنقوا


أعشاش قُبّراته ..


خُذْني إلى ضفّةٍ بالعشقِ وارفةٍ وروّني منْ رذاذِ النهرِ أنفاســـــــا


هنا تهيجُ بقلبي كلُّ راعشــــــةٍ فينزف القلب بالأشواقِ إحساسا

الأخ العزيز الدكتور نبيل

نص سامق بلغته العالية وابحاره في نفوس الذين لبسوا لبوس الذئاب

وقد نجحت أيما نجاح في كشف هذه النفوس المريضة التي وجدت في

الضعفاء مرتعا خصبا

ود واعتزاز

الراقي د. نبيل قصاب باشي صباح جميل و كل عام وأنت بخير
اكثر ما لفت انتباهي اختيارك للعنوان الذي ارتكزت فكرته على حالة " التيه " وجعلتها منها "رحلة " وحددتها " بالأخيرة " ..

لذا جاء العنوان كمشهد متكامل .. منسجم مع الأبيات التي رغم الهالة الضبابية التي تلفها بين الحين والآخر إلا أنها عبرتْ جسر الوضوح من خلال الحقيقة والواقع حيث استطعت الولوج إليه واستنطاقه بكل بهاء .. وأجدت تقمص هذه الشخصية المنبوذة من المجتمع ومن كل جوانبها ..

لنصل إلى مرحلة التصديق وعدم الفصل بين الشخصية وصاحب القلم .. وهذا يدل على ابداع الشاعر في قدرته على التعبير وقراءة هذه الحالة النفسية التي يتصف بها صاحب هذه الشخصية .. باستخدام فلسفته ونظرته التأملية المستقلة في محطات عدة ..

سعدت بمروري من ضفاف هذه الباذخة .. مع تقديري لك ولقلمك السامق وبيادر من الياسمين الدمشقي

مودتي المخلصة


سفــانة

قرأت حرفك في مطولات رائعة كهذه في عدّة أماكن وسحرني حقا ..
وأقسم أنني بحثت وتقصيت في عدة أماكن لكي لا أبتعد عن هذا الحرف الفلسفي الإنساني الوجداني العميق ..
اسمح لي يا سيدي أن في هذه القصيدة يكمن ما يسمى دهاء الشعر لوجاز التعبير ..
دكتورنا الحبيب الشاعر نبيل ..
ها أنت يا صديقي تلبس عباءة الفرعون وتقيم حوارا هو أبعد ما يكون عن الحوار الذاتي ..
لأنّ ذاتك النقية متمثلة بكل ما ذكرته ما عدا هذه العباءة ..
بل هو بين ذاتك والآخر المتمثل بالضد أو مالا يشبهك أبدا .
كلما قرأت لك أزداد إعجابا بشخصك بحرفك بشعرك بإنسانك النبيل صديقي الدكتور نبيل .
محبتي وعبق الخزامى وأسراب نور وزهر