في كلمة هسهسة شاعرية عالية المستوى لأنها تعني صوت الحلي وخاصة الأقراط حين تتحرك تحت أذني الجميلة فتحدثُ صوتاً يطرب بإيقاعه عشاق الموسيقى.. هذا للقرط فكيف اذا كان للخاطر ؟
إذا أوجــــع َ الوجْدانَ دهْرَ مناوئٍ سرى في دُجى صدري كطيرٍ مهاجرِ
فلا الرّوح يجثو ضوؤها بين أضلعي ولا الجفن يخفـــي بالدّموع سرائري
إن حسن الألفاظ والتجنيس والنضج الإيقاعي وتوظيف الحركات وائتلاف حروف القصيدة في مخارجها تثير التشويق فينا وتدفعنا الى التأمل والتحايا لشاعرتنا الجميلة، وإن حركة النفس، وتنوع وثبات القيم الصوتية فيها والتزامها و حركة الدلالات النصية بوزنٍ واحدٍ يتّحد بنغماته وألحانه في النموذج الفني ويتجه صوب حركة الداخل التي تنمو وتتطور بفعل التواصل والتفاعل بين معظم مكونات النص، و نسيج علاقاته. أما التوظيف الصوري والإيقاع المترنم ينهي وحدة البيت ليفسح لبيت آخر تصبُّ فيه الشاعرة جهاد أنفاسها بنغمٍ محسوب ليتحقق التطويع بين المبنى والمعنى، بين التصوير والتخييل بين التعبير والتركيب، وكل نوع من هذه الأبيات يعكس اسلوبا معيّنا وايقاعا مخصوصا يعتمد على الأذن الموسيقية الرهيفة للشاعرة. فتغدو القصيدة بالنسبة اليها مجمع أصوات، للفرد والمجتمع والمستويات الجمالية والفكرية.
إقتباس
فما بال شِعري لا يناجــــي قصيدَهُ فيعصي لصوتِ البيتِ طيفَ مؤازرِ
لأغفو بلا مـاضٍ كأنّـــــــي شريدةً وعينُ زماني فـــــي مهبِّ الدّياجرِ
فما الّليلُ يُجْلي عنعيوني ظلامَهُ ولا الشّمسُ تُغري الّليلَ كشْفَ السّتائرِ
ان حُسن وقْع الألفاظ، وجودة جَرْسها،(أي الإيقاع) والفاعلية الشعرية وائتلاف الحروف في مخارجها، والتجنيس الحسن وتوظيف الحركات الشعرية، كل هذا يعبر عن طاقة إيقاعية وثروة موسيقية ثرّة. مما يثير في المتلقي التشويق والفضول، ويدفعه إلى التأمل. تنتقل شاعرتنا من أوجع الوجدان إلى ساحة تسيطر عليها جزئيات وتفاصيل دقيقة في( لأغفو بلا ماضٍ كأنّي شريدةً) تستغل الشاعرة مكنوناتها في سبيل التخطيط لعنصر الموسيقى الذي هو الركيزة لعملها الفني عالمةً بأن هذه الصناعة تتداخل فيها (المعاني والكلمات والأوزان) وهي على علاقة وطيدة بالانفعالات النفسية ( فما الليل ... ولا الشمس)ولذلك أميل الى القول بأن الايقاع هنا قد تموسق بوتر ينبض داخل النص وفق مستويات التقبّل لدى الشاعرة ووفق حساسيتها الفكرية والنفسية، وإن العناصر اللغوية التي تتشكل منها هذه الأبيات تحظى من ثنائية رائعة في علاقة انسجام ووئام بما لاتحظى في أوقات عادية.
قد أجادت الشاعرة في بحرها الطويل هذا النظام الذى يتناوب بموجبه مؤثر ما )صوتي أو شكلي) أو جو ما (فكري أو روحي)، (حسي أو سحري) وهو كذلك صيغة لعلاقات (التناغم، التعارض، التوازي، التداخل) إذن هو نظام أمواج صوتية ومعنوية و شكلية.. وبما أن الإيقاع في القصيدة هو العنصر الذي يميز الشعر عما سواه ومتوازنٌ في جرسهِ، فأن البنية الشعرية لاتبدو في بساطة تلك الظلال الجديدة لدلالات الألفاظ، بل إنها تكشف وتجسد بهذا الإيقاع خلقًا جديدًا متمازجًا بالفكر واللغة والرّموز والصّور والرّوح. وإيقاع الجمل التي تقوم بنيتها على أساس متين، وتقوم حركتها بتقديم تشكلات مقطعية؛ وفاعلية يخلق انزياحات إيقاعية.ثم إن توزيع الكلام في القصيدة الرائية بهذه الصورة هو نتيجة حتمية لطبيعة الأوزان التي تَنْظِمُه؛ مما يجعلنا نقول، انها إيقاعية مرئية، وهي إحدى السمات العفوية للإيقاع المرئي بامتياز.
وهكذا يغدو عند جهاد مفهوم الشعر ذاته مفهوم خطاب نوعي تسهم كل عناصره في خاصيته الشعرية ويصبح التناغم الشكلي الذي يتضمن في رأيي إيقاع المفردات بالنظر إلى بنيتها المقطعية، وتبيان التناغم الذي تحدثه الظواهر الصوتية في بعض مفرداته جرساً موسيقياً يغنّى ويطرب كلّ ذي ذوق. فالإيقاع هو الوعى الغائب/ الحاضر وله علاقة ثنائية بالأجواء الشعرية فهو يستحضرها و يبثها، وقد تَقصُر مقاييسُنا العلمية عن تحديد سرِّ الجمال فيه، وهذا القصور يبدو بصفة خاصة في الجمال الداخلي في الأسلوب الذي يعتمد على طريقة رصْف الكلمات بعضها إلى بعض؛ لأن وضْع الكلمة أو العبارة كثيرًا ما يُوحي بطرافة دقيقة، أو يُثير شعورًا بالجمال. فالأسلوب الشعري لا يَصلُح له من العبارات إلا ما كان موزونًا، وله جرسٌ موسيقي، ولا يصلح له من العبارات أيضًا إلا ما كان جَزِلاً ورقيقًا؛ حتى يتحقَّق عنصر التهذيب والتأثير المرجوَيْن من الشعر. وقد حصل هنا.
بوركت شاعرتنا جهاد
بقي لي قول موجه للشعراء لطفاً لا أمراً عليكم ابداء الرأي والتنقيح اذا وجدتم بوزنه أو بحركاته هنّات.. فهذا ميدانكم.
التوقيع
[SIGPIC][/SIGPIC]
آخر تعديل شاكر السلمان يوم 12-28-2020 في 09:39 AM.
رد: الإيقاع في قصيدة هسهسة خاطر للشاعرة جهاد بدران
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمد عبد الحفيظ القصاب
ما شاء الله عمدتنا الغالي
وهذه القراءة من نحرير خبير
وشاعرتنا المبدعة جهاد تستحق وأكثر
إضاءة موضوعية لإيقاع القصيدة وخفاياها
سلمتَ معلماً وذوّاقاً ، ولشاعرتنا المبدعة المزيد من العطاء والتألق
تحياتي والمحبة
الفضاء الإيقاعي الذي يحكم حركة الأفعال الشعرية وتنامي الدلالات المتجانسة بموجبه ومن خلال موحياته القائمة على محاولة مزج الداخل بالخارج في كتلة واحدة تجمع الشاعر والمخاطب مما أباح لي هذا التناغم تفعيل المبضع في جرس القصيدة. شكرا لمرورك استاذي
رد: الإيقاع في قصيدة هسهسة خاطر للشاعرة جهاد بدران
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة منوبية كامل الغضباني
نقد حصيف وتقص متمكّن من الإيقاعات الدّاخلية والخارجية لنص متفوّق تناوله قديرنا المبدع شاكر سلمان فكشف عن ممكناته الإبداعيىذة والابلاغية ..
شكرا لهذه القراءة النقدية القيّمة وهنيئا لجهاد بدران بنصّ إستأثر باهتمام نقديّ رائع
يتحرك الإيقاع الداخلي في القصيدة "هسهسة خاطر" للشاعرة جهاد من خلال الانقسام الحاصل في معادلة العنوان دلالياً وصوتياً: وتتوزع الشبكة الدلالية للقصيدة على أساس الانقسام الحاصل في البنية العامة على النص، والمجسدتين في الهسهسة والخاطر ، ويتحدد نوع الإيقاع الداخلي هنا من خلال قوة حضور المفردة/ الصور في كل طرف من أطراف المعادلة. حي الله الغالية
رد: الإيقاع في قصيدة هسهسة خاطر للشاعرة جهاد بدران
اقتباس:
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة تواتيت نصرالدين
قراءة عميقة من كاتب وشاعر الشعر غوايته والجمال ذوقه
تحية تليق أستاذ شاكر على هذه القراءة الموغلة في ايقاع
القصيدة . ودمت في رعاية الله وحفظه.
إن لكل قصيدة على هذا الأساس نظامها الإيقاعي الداخلي الخاص بها، وبقدر ما تتقدم عند الشاعر حساسيته اللغوية والتصويرية فإنه يكون ذا إمكانية أكبر على استثمار مكونات اللغة والصورة والرمز وما يترتب عليها من نظم ومولدات إيقاعية تثوي في الصوت والدلالة معاً، وزجها في بنية إيقاعية لا يمكن رصدها إلا بقراءة القصيدة قراءة داخلية كاشفة، وتعمل من جهتها على إضفاء قدرات شعرية جديدة تعمق قوة النص وتزيد من طاقاته الإبداعية الخلاقة. حياك الله
أن علاقة الأحرف بعضها بالبعض الآخر في بيت أو أكثر من القصيدة من حيث تشابهها أو اجتماعها أو غيابها أو افتراقها أو تجانسها، مما يخلق إيقاعاً موجوداً متجانساً يرسم صلة متفاعلة بين بنية المنطوق مع بنية المدلول، فيتحول النسيج الصوتي إلى تنغيم إيقاعي كما يتحول البناء (الثابت والارتكاز) إلى حركة.
أشتاقك فابعث لي قصيدة بحب المصطفى لغرضٍ في نفسي
قبلاتي