{لَّكِنِ الرَّاسِخُونَ فِى الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ} وارتفع الراسخون على الابتداء، والخبر يؤمنون لا غير؛ لأن المدح لا يكون إلا بعد تمام الجملة، ومن جعل الخبر أولئك سنؤتيهم فقوله ضعيف. وانتصب المقيمين على المدح، وارتفع والمؤتون أيضًا على إضمار وهم على سبيل القطع إلى الرفع. ولا يجوز أن يعطف على المرفوع قبله؛ لأنّ النعت إذا انقطع في شيء منه لم يعد ما بعده إلى إعراب المنعوت، وهذا القطع لبيان فضل الصلاة والزكاة، فكثر الوصف بأن جعل في جمل.
وقرأ ابن جبير، وعمرو بن عبيد، والجحدري، وعيسى بن عمر، ومالك بن دينار، وعصمة عن الأعمش ويونس وهارون عن أبي عمرو: والمقيمون بالرفع نسقًا على الأول، وكذا هو في مصحف ابن مسعود، قاله الفراء. وروي أنها كذلك في مصحف أُبيّ. وقيل: بل هي فيه "والمقيمين الصلاة" كمصحف عثمان. وذكر عن عائشة وأبان بن عثمان: أن كتبها بالياء من خطأ كاتب المصحف، ولا يصح عنهما ذلك؛ لأنهما عربيان فصيحان، وقطع النعوت أشهر في لسان العرب، وهو باب واسع ذكر عليه شواهد سيبويه وغيره، وعلى القطع خرج سيبويه ذلك.
قال الزمخشري: ولا نلتفت إلى ما زعموا من وقوعه لحنًا في خط المصحف، وربما التفت إليه من ينظر في الكتاب ولم يعرف مذاهب العرب وما لهم في النصب على الاختصاص من الافتتان، وعنى عليه أنّ السابقين الأوّلين الذين مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كانوا أبعد همة في الغيرة على الإسلام وذب المطاعن عنه من أن يتركوا في كتاب الله ثلمة يسدها من بعدهم وخرقًا يرفوه من يلحق بهم انتهى. ويعني بقوله: من لم ينظر في الكتاب كتاب سيبويه رحمه الله فإن اسم الكتاب علم عليه، ولجهل من يقدم على تفسير كتاب الله وإعراب ألفاظه بغير أحكام علم النحو جوّزوا في عطف والمقيمين وجوهًا:
أحدها: أن يكون معطوفًا على بما أنزل إليك، أي يؤمنون بالكتب وبالمقيمين الصلاة. واختلفوا في هذا الوجه من المعنيّ بالمقيمين الصلاة، فقيل: الأنبياء ذكره الزمخشري وابن عطية. وقيل: الملائكة ذكره ابن عطية. وقيل: المسلمون، والتقدير: وندب المقيمين، ذكر ابن عطية معناه.
والوجه الثاني: أن يكون معطوفًا على الضمير في منهم أي: لكن الراسخون في العلم منهم، ومن المقيمين. ذكره ابن عطية على قوم لم يسمهم.
الوجه الثالث: أن يكون معطوفًا على الكاف في أولئك أي: ما أنزل إليك وإلى المقيمين الصلاة.
الوجه الرابع: أن يكون معطوفًا على كاف قبلك على حذف مضاف التقدير: وما أنزل من قبلك، وقيل: المقيمين الصلاة.
الوجه الخامس: أن يكون معطوفًا على كاف قبلك ويعني الأنبياء، ذكره ابن عطية. وقال ابن عطية: فرق بين الآية والبيت يعني بيت الخرنق، وكان أنشده قبل وهو:
النازلين بكل معترك * والطيبون معاقد الأزر
بحرف العطف الذي في الآية، فإنه يمنع عند بعضهم تقدير الفعل وفي هذا نظر انتهى. إنْ منع ذلك أحد فهو محجوج بثبوت ذلك في كلام العرب مع حرف العطف، ولا نظر في ذلك كما قال ابن عطية. قال الشاعر:
ويأوي إلى نسوة عطل * وشعث مراضيع مثل السعالى.
2- التبيان في إعراب القرآن للعكبري
قوله تعالى: {لكن الراسخون} الراسخون مبتدأ، و{في العلم} متعلق به، و{منهم} فى موضع الحال من الضمير فى {الراسخون}، {والمؤمنون} معطوف على الراسخون وفى خبر {الراسخون} وجهان أحدهما {يؤمنون} وهو الصحيح
والثاني هو قوله {أولئك سنؤتيهم}.
{والمقيمين} قراءة الجمهور بالياء وفيه عدة أوجه:
أحدها: أنه منصوب على المدح أى وأعني المقيمين وهو مذهب البصريين وإنما يأتي ذلك بعد تمام الكلام.
والثانى: أنه معطوف على ما أى يؤمنون بما أنزل إليك وبالمقيمين والمراد بهم الملائكة، وقيل: التقدير وبدين المقيمين فيكون المراد بهم المسلمين
والثالث: أنه معطوف على {قبل} تقديره، ومن قبل المقيمين، فحذف قبل وأقيم المضاف إليه مقامه.
والرابع: أنه معطوف على الكاف فى قبلك.
والخامس: أنه معطوف على الكاف فى إليك.
والسادس: أنه معطوف على الهاء والميم فى منهم.
وهذه الأوجه الثلاثة عندنا خطأ؛ لأن فيها عطف الظاهر على المضمر من غير إعادة الجار.