لَم تَعرفيني
لم تَسكني حُزني ولم تَتمزقيني
ما زلتِ خارجَ خارجي
أو أنتِ داخلَ داخلي
مُحتارةٌ بيني وبيني دونَ أن تتلمّسيني
ما زلتُ بينَ يديكِ ماءً أو هواءً أو سرابا،
أو خيالا من عجينِ!
ما زلتِ لمّا تعشقيني!
أنا آخَرٌ
غيري استقرّ بروضِ قلبكِ،
هانئا بزهورِك الخَجلى،
ولم تتخيّريني
وتؤكدينَ بأنه مثلي:
يُحبُّك ألفَ أمنيةٍ،
وألفَ مدينةٍ عذراءَ في غَدِه،
وألفَ قُصاصةٍ من مجدِه الماضي،
وألفَ ربابةٍ، غنّتْ لعينيكِ اشتياقا في صبابتِهِ، تريدكِ أن تضمّيني
عيناه عيناي المسافرتانِ فيكِ،
وقلبُه قلبي الذي هو يشتهيكِِ،
وثَغرُه شِعري الذي بالليلِ يغزلُ دفئَه كي يحتويكِ
وكلُّ شيءٍ فيه فيّ، كأنه أضحى قريني!
لا ليسَ مثلي،
ليسَ يُشبهني، ولا أضحى أنا
حتى ولا جارَى فُتوني
لم يقتربْ مني، ولا ناجى جنوني
هو قِشرةٌ حولي وأنتِ عَشِقْتِها
لم تُنْـشِبي فيها أظافرِكِ الغيارى
فانبُـشيها الآنَ حتى تَبلُغيني
واستأذني حزني على عتباتِ نفسي،
وادخلي خوفي، وهيمي في ظنوني
ولتخلعي دنياكِ عنكِ الآنَ،
سيري فوقَ شوكي،
قبّلي جمري،
تَعالَي واسكنيني!
لا تخجلي مني إذا عَرّيتِنِي مِنّي
لا تَفزعي مني إذا لم تعرفيني!
فأنا أنا،
وأنا الذي أهواكِ في ضَعفي وضَعفِكِ،
وارتجافِكِ في شُجوني
فاستقبلي مني جبالَ الهمِّ هيا واحمليني
ولتُؤنسيني في مجاهلِ وَحشتي، واستعذبيني
وتفرّدي في عُزلتي
عن عالمٍ ما زلتُ أمقتُه سواكِ،
ومازجيني
وتمدّدي بقِفارِ آلامي
جِنانا من خمائلِ عشقِكِ المحمومِ يرويها الندى،
واستوطنيني
تُوهي بخارطتي، وكوني قِبلتي عبرَ السنينِ
ولتحضِني عُنفي،
وفي ضعفي أقيلي عثرتي، واستلهميني
بُثّي على شفتيكِ ناري إن ذَوَيْتُ وقَبّليني
وتمنّعي عني إذا عصفَت رياحُ الشوقِ،
عِفّي في مُجوني
ذوبي كما ذوّبتِني، واستخلصيني
وانسَـيْه كي تتذكريني
أنا لم أكُنْه فلا تكوني!
يجيءُ العيدُ يا ليلى وأنتِ بعيدةٌ عنّي
يُحاصرُ مهجتي غمّي
فما يُغني
إذا غنّى على الدنيا جمالُ العطرِ واللونِ؟
أرى الزيناتِ في زهوٍ
أرى الأطفالَ في لهوٍ
هنا يَشدونَ
أو يعدونَ
قَفّازِينَ في أَزْرٍ كما الجِنِّ
وأعينُهم بريئاتٌ،
كأزهارٍ نَديّاتٍ بأحلامٍ رَهيفاتٍ
تُضاهي بهجةَ الكونِ
أراقبُهم من الشُّباكِ يا ليلى
على مُكثي
هنا من خلفِ آلامي
وحيدا شاردَ الذِّهنِ
فإني أكتوي شوقا
وإني الواهمُ المسجونُ في هَمّي وفي وَهْـني
وحينَ أُفيقُ من ظنّي
أرى بالصدرِ خِنجرَكِ الممزّقُني
مَكينا غائرا بالقلبِ مُذْ أمعنتِ في طَعني
أرى دَمّي على كفيكِ حِنّاءً
بها تَزْهِينَ أحيانا
وأحيانًا بها تَمضينَ في لَعني!
لأنّي لم أخادعْني
وأنسى الحبَّ في البَيْنِ!
***
لماذا يا هَوَى ليلى عصرتَ اليأسَ في دَنّي؟
رماني الهجرُ في همّي وجافى مُقلتي جَفني
يُمزقُني بلا رفقٍ، ويَحطِمُ مُهجتي أَنّي
حبيبي ظَلْتُ أنشدُه وما غنّى على غُصني
أنا ظمآنُ لكنّي بعيدا أمطرتْ مُزْني
وما عِندي سوى ذِكراهُ تَسقيني من الحُزنِ
وتَنداحُ اشتياقاتي لذاتِ العقلِ والحُسنِ
مَلَلْتُ العيشَ منفردًا وضاقَ الكونُ كالسجنِ!
بلا حُلمٍ يُعلّلُني، وماذا دُونَها يَعني؟
لماذا يا هَوَى ليلى رَسمتَ الليلَ في عيني؟
***
يجيءُ العيدُ يا ليلى وأنتِ بعيدةٌ عنّي
يُمزقني جَفاكِ أسى، وإنكِ قطعةٌ مني
وعشقُكِ آبدٌ في الرُّوحِ يَفنى دُونَه فَنّي
وكمْ ناديتُ في لَهفٍ: على آلامِنا ضِنّي
أنا في البردِ مرتجفٌ، تَعالَيْ وادخلي حِضني
أنا في غُربتي وحدي، تَعالَيْ واسكني ضِمني
أعيدي العيدَ يا ليلايَ، ضُمِّي مُهجتي، حِنّي
أعيديني إلى عينيكِ حتى يَنتشي لَحني
أعيذيني من الأحزانِ، كوني دائما حِصني
وناجيني بليلِ العشقِ، في أحلامنِا غَـنّي
أعيدي العيدَ يا ليلى ولا تتباعدي عنّي
محمد حمدي غانم
6/11/2011
حِكـايَـةُ البَحْــر
شعر: م. محمد حمدي غانم
أزِِفَ الصّباحُ ولمْ تَبِنْ ... والموجُ يعْوي، والرّياحُ بلا وَطَنْ
يومانِ: لا نومٌ يُظلّلُ مُقْلتيَّ، ولا صُراخٌ أو سَكَنْ
[ ثاوٍ على صخْرٍ أصمَّ و ليتَ لي قلبًا] يُفتّتُه الشَّجَنْ
لا دمعَ لي، وظننْتُ أنّ فِراقَها طوفانُ دمعٍ من مِحَنْ
والبحْرُ نزْفُ دَمِي، وعينايَ المُسَمَّرتانِ جُرْحٌ لا يئِنّْ
يومانِ: يقبسُ موجُه من عطرِها، ويَضِنُّ هذا البحْرُ أنْ...!
أزِِفَ الصّباحُ و لمْ تَبِنْ