الرسالة الأدبيَّـة :
هى مخاطبةُ الغائبِ(من إنسان وجماد وطير....الخ) بلسان القلم .
وهي جمع رسالة، والمراد فيها أمور يرتبها الكاتب: من حكاية حال من عدو أو صيد، أو مدح وتقريض، أو مفاخرة بين شيئين، أو غير ذلك مما يجري هذا المجرى. وسميت رسائل من حيث إن الأديب المنشئ لها ربما كتب بها إلى غيره مخبراً فيها بصورة الحال، مفتتحة بما تفتتح به المكاتبات، ثم توسع فيها فافتتحت بالخطب وغيرها.
[صبح الأعشى - جز:5 - ص: 378]
فوائدها :
أنها ترجمان الوجدان ونائب في قضاء الحاجات، ورباط الوداد بين البشر مع تباعد البلاد.
طريقتها :
المخاطبة البليغة مع مراعات أحوال الكاتب والمكتوب إليه مع مراعاة النسبة بينهما.
قال إبراهيم بن محمد الشيباني: "إذا احتجت إلى مخاطبة أعيان الناس أو أوساطهم أو سوقتهم فخاطب كلا على قدر أبهته وجلالته وعلو مكانته وانتباهه وفطنته.
ولكل طبقة من هذه الطبقات معان ومذاهب يجب عليك أن ترعاها في مراسلتك، فلا يكتب لمن أُصيب في ماله أو عياله كما يكتب لمن فرغ باله ووفر ماله."
وقال آخر: "إن بلاغة الرسالة تستفاد من ملاحظة مقامات الكلام وأوقاته ومراعاة أحوال المخاطبين بالنسبة إلى المتكلم واعلم أن لكل مقام مقال."
مميزاتها :
1- أن تجعل الكلام فطريا سليما من شوائب التكلف، بعيدا عن المزور منه.
2- العدول عن الكلام المغلق والتشابيه المُستبعدة والتراكيب الملتبسة إلى الكلام المهذب الصريح.
3- تنقيح الرسالة من حشو الكلام وتطويل الجمل فيظهرها وافية الدلالة على المقصود مباشرة، ولا يعد هذا مناقضًا لما يستدعيه المقام من البسط في الموضوع إما تعزيزا للمعنى وإما حذرا من الإبهام، أو دلالة على عواطف القلب، أو رغبة في توضيح الخواطر.
4- نزول الألفاظ والمعاني على قدر الكاتب والمكتوب إليه، فلا يُعطى الخسيس رفيع الكلام، ولا الرفيع خسيس الكلام، وأن تكون الرسالة وتعابيرها مستعذبة حسنة الإرتباط.
5- الباس الكلام وكسوته رونقاً وإشراقاً بجودة العبارة وسلامة المعاني وسهولة الألفاظ.
وبهذا تكون الرسالة أقرب إلى قلب المتلقي.
أنواعها :
الرسائل الشخصيَّة، رسائل التعارف، رسائل الهدايا، رسائل المُجاملات ، رسائل الإستعطاف، رسائل الشوق، رسائل الطلب، رسائل النصح، رسائل العتاب، رسائل التهاني، رسائل التعازي، رسائل الوصايا، رسائل الوصف (الوصف هنا لا يختص بأشياء معينة بل بكلِّ شئ في الحياة) .
كيف يتهيأ الكاتب للكتابة
إذا أراد الكتابة لابد له من عدة أسباب ومقومات...
والبداية مع الخلوة لعدم التشويش على ذهن الكاتب أو انشغاله بغير ما يريد.
اختيار المكان الجيد المُنظم المُكتمل بأسباب الحياة ـ من مأكل ومشرب وغير ذلك من الضروريات ـ مع وجود بعض الجماليات في المكان مما يبهج النفس ويشرح الصدر.
اختيار أوقات السرور والفرح مع مراعاة اختيار الأوقات الهادئة، وخير هذه الأوقات أوقات السحر، وأوقات الصباح المبكر (بعد صلاة الفجر) فعند الهبوب من النوم تكون الذاكرة أنشط .
فإذا غشيك الفتور فأمسك عن الكتابة، ولا تكتب إلا بعد أن يعاودك النشاط مرة أخرى، فالخواطر كالينابيع يسقى منها شئ بعد شئ، فإن أكثرت عليها نضب ماؤها وهكذا العقل إن أكثرت عليه توقف وأَبَى.
إذا استصعب على الكاتب شئ فليتركه لوقت آخر، ولا يكره نفسه عليه فالحروف لا تكره بل تساس حتى تخرج من العقل والوجدان بإرادتها فتكون في أحسن صورة وأبهى حلة.
وبعد الإنتهاء من الكتابة تأتي مرحلة المراجعة والتَّـنقيح والنَّـقد، فإن لم يره وصل إلى ما يتمناه فما عليه إلا أن يتركه، ثم يعاود عملية التنقيح مرة أخرى وهكذا إلى أن يصل إلى مبتغاه من النص.
كيفية كتابة الرسالة
عند كتابة الرسالة فالكاتب ملزم بأمرين:-
الأول: التفكير
الثاني: الكتابة
لابد للكاتب أن ينعم الفكر في أجزاء الموضوع والغرض منه، وأن يجعل إحساسه يستولي على قلبه وفكره، وأن يُقلبها على جميع الأوجه الممكنة، وأن تتفاوت لديه الصور ليستميل النفوس والحواس.
فإذا تشخصت الصور في خياله فليتخيَّـر منها رفيع المستوى، وينتخب منها الصور المهيجة للإحساس.
وبعد ذلك يقوم باختيار الألفاظ التي تساعده على إظهار فكرته وتجميل صورها، وصياغتها في تراكيب صحيحة حتى يكون الناتج صورا معقولة تحولت إلى صور محسوسة بواسطة القلم.
ثم تبدأ الكتـابــة؛ ومن أهم أركانها:
- حسن المطلع والمقطع.
- أن يكون الخروج من معنى إلى معنى برابطة.
- أن تكون الصور حسنة بديعة.
- أن يكون اللفظ مناسباً للمعنى وأن يكون المعنى دقيقاً.
- ثم يقوم بتنظيم الكلمات في جمل وفقرات، وتنسيقها بحيث تستريح عين القارئ لها، ثم يخللها بالفواصل وعلامات الترقيم فهى زينة النص وبها يفهم السياق.
فإذا تمت كل هذه الأركان تستحق وقتها لقب كاتب.
كيفية تعلم الكتابة:
إن الطريق إلى تعلم الكتابة على ثلاث شعب:
الأولى: أن يتصفح الكاتب كتابة المتقدمين ويطّلع على أوضاعهم في استعمال الألفاظ والمعاني ثم يحذو حذوهم وهذه هى أدنى الطبقات.
الثانية
:أن يمزج كتابة المتقدمين بما يستجيده لنفسه من زيادة حسنة في تحسين الألفاظ أو تحسين المعاني وهذه هى الطبقة الوسطى وهى أعلى من التي قبلها.
الثالثة:وهى ألا يتصفح كتابة المتقدمين ولا يطّلع على شئ منها بل يصرف كل همه إلى قراءة القرآن وكثرة المطالعة في كل المجالات ثم يقوم بالكتابة فيخطئ ويصيب ويضل ويهتدي حتى يستقيم على طريقة يفتتحها لنفسه .
وهذه الطريقة هى طريقة الإجتهاد وصاحبها يعد إماما في فن الكتابة ،إلا أنها مستوعرة جداً ولا يستطيعها إلا من رزقه الله لسانا حكيماً وخاطراً رقراقاً وهذه أعلى الطبقات الثلاثة، حيث أنها تعتمد على فكر الكاتب وأسلوبه الخاص والذي يبرز من خلاله فكرة معينة استوحاها خاطره وسجلها قلمه في أبهى حلة من الإبداع.
محاسن الكتابة ومعايبها:
إن للكتابة محاسن ومعايب يجب على الكاتب أن يفرق بينهما محترزاًمن استعمال الألفاظ الغريبة وما يخل بفهم المراد ويوجب صعوبته ولابد من أن يجعل الألفاظ تابعة للمعاني دون العكس.لأن المعاني إذا تركبت على سجيتها طلبت لأنفسها ألفاظا تليق بها فيحسن اللفظ والمعنى جميعاً.
وأما جعل الألفاظ متكلفة والمعاني تابعة لها فهو شأن من لهم شغف بإيراد شئ من المحسنات اللفظية فيصرفون العناية إليها ويجعلون الكلام كأنه غير مسوق لإفادة المعنى ، فلا يبالون بخفاء الدلالات وركاكة المعنى.
ومن أعظم ما يليق بمن يتعاطى الكتابة أن يكتب ما يراد لا ما يريد هو.
الانسجام والتخلص والاقتضاب في الكتابة
أولا : الانسجام :
هو: لغة جريان الماء وعند أهل البلاغة هو أن يأتي الكاتب بكلام خالي من التعقيد اللفظي والمعنوي، بسيطاً مفهوماً دقيق الألفاظ جليل المعنى لا تكلف فيه ولا تعسف يتحدّر كتحدّر الماء المنسجم فيكاد لسهولة تركيبه وعذوبة ألفاظه أن يسيل رقة .
ولا يكون ذلك إلا في من هو مطبوع على سلامة الذوق وتوقد الفكرة وبراعة الانشاء وحسن الأساليب.
كما أن فحول الكتابة ما أثقلوا كاهل سهولته بنوع من أنواع البديع اللهم إلا أن يأتي عفواً من غير قصد .
ولهذا فلابد على الكاتب أن يكون بعيداً عن التصنع خاليا من الأنواع البديعية إلا أن يأتي في ضمن السهولة من غير قصد ، وعلى هذا إذا ما تم الانسجام تجد أن أغلب العبارات جاءت موزونة بغير قصد ، تسيل رقة وعذوبة يستمتع بها القارئ ويطرب لها السامع .
ثانياً : التخلص:
هو أن يأخذ المؤلف في معنى من المعاني فبينما هو فيه إذ أخذ في معنى آخر غيره وجعل الأول سبباً إليه فيكون بعضه آخذا برقاب بعض من غير أن يقطع كلا مه ويستأنف كلاما آخر بل يكون جميع كلامه كأنما أفرغ إفراغاً وذلك يدل على حذق الكاتب وقوة تصرفه .
فإذا لم يحسن التخلص بأن كان قبيحا ممسوخا
فالاقتضاب
أولى.
واعلم أن التخلُّص غير ممكن في كل الأحوال وهو من مستصعبات علم البيان..
الفرق بين المـَقامة والرسالة :
جاء في تعريف المقامة :
هي جمع مقامة بفتح الميم؛ وهي في أصل اللغة اسم للمجلس والجماعة من الناس. وسميت الأحدوثة من الكلام مقامة، كأنها تذكر في مجلس واحد يجتمع فيه الجماعة من الناس لسماعها ..
صبح الأعشى جز5 ص 366
أما تعريف الرسالة :
هي جمع رسالة، والمراد فيها أمور يرتبها الكاتب: من حكاية حال من عدو أو صيد، أو مدح وتقريض، أو مفاخرة بين شيئين، أو غير ذلك مما يجري هذا المجرى. وسميت رسائل من حيث إن الأديب المنشئ لها ربما كتب بها إلى غيره مخبراً فيها بصورة الحال، مفتتحة بما تفتتح به المكاتبات، ثم توسع فيها فافتتحت بالخطب وغيرها..
منقول للفائدة والافادة
راجية أن يحظى هذا الفنّ الأدبي بأهتمامنا جميعا وذلك بالإنخراط فيه كتابة وها أنّي أنتقي لكم من أدبنا انموذجا جميلا خالدا لفنّ الرّسائل الأدبيّة المتبادلة بين مي زيادة وجبران خليل جبران