شَهد و سُهد
شعر : د. جمال مرسي
صَبَاحُكِ الشَّهدُ إلا أَنَّكِ الأحلى=و شَمسُهُ الأَوجُ إلا أَنَّكِ الأَعْلى
و وَجهُهُ النُّورُ إِن تُشرِقْ مَفَاتِنُهُ=لَكِنَّ وَجهَكِ فِي عَيْنِي هُوَ الأجْلَى
إنْ كانَ للصُّبحِ أَجفَانٌ تُكَحِّلُها=يَدُ الشُّمُوسِ ، فَأَنتِ الأَعيُنُ الكَحْلَى
أو كانَ للعِطرِ أَزهَارٌ تَؤَصِّلُهُ=فَيَاسَمِينُكِ كَانَ النَّبعَ و الأَصْلا
الدُّرُّ غَالٍ ، نَفِيسٌ عِندَ صَائِغِهِ=أَمَّا أنا ، فَأَرَاكِ الدُّرَّةَ الأَغْلى
أَمِيرَةَ القَلبِ ، لم يُسعِدْ إمارَتَه=مِن قَبلُ أو يُرضِهِ إلاّكِ يا ليْلى
مُنذُ التَقَيْنَا ، و دِفءٌ مِنكِ يَغمُرُنِي=كَأنَّهُ السَّيلُ ، لَم أَعرِفْ لهُ مِثْلا
عُصفُورُ ثَغرِكِ إِن غَنَّى عَلَى فَنَنِي=رَأَيْتُ نَفسِيَ مِن ألحَانِهِ جَذْلى
و إِنْ يَضِنَّ ، فَقَد أَشقَى بِلا سَبَبٍ=و مَا عَهِدتُ بِهِ الإِمسَاكَ و البُخْلا
قُولِي أُحِبُّكَ مَا أحلى مَخَارِجهَا=مِن ثَغرِ فَاتِنَتِي اْلوَسنَانَةِ الكَسْلى
قُولِي أُحِبُّكَ ، آهٍ لو يَبُوحُ ِبَها=فَمٌ كَمَا الكَرَزِ النِّيلِيِّ بَل أَحْلى
تَحُطُّ مِثلَ طُيُورِ الشِّعرِ في لُغَتي=فَتُصبِحَ الرَّوضَةَ الغَنَّاءَ و السَّهْلا
و يَرتَوي القلبُ مِن أَصدَاءِ نَغْمَتِها=فَيُنبِتَ الوَردَ و النَّعنَاعَ و الفُلاّ
يا يَاسَمِينَةَ أَمسِي ، يا رَبيعَ غَدي=ما كُنتِ إلا المُنَى و الصَّحْبَ والأهْلا
فَهَل سَأَعشَقُ بَعدَ النَّهرِ رَافِدَهُ=و نَهرُكِ العَذبُ لا يَفنَى و لا يَبْلى
كم سَافَرَت فِيهِ يا لَيلايَ أَشرِعَتِي=و كم عَلى شَطِّهِ قَد حَطَّتِ الرحْلا
و كم غَرَقْتُ بِعَينٍ ، دَمعُها عَسَلٌ=لَو لامَسَ الشَّوكَ رَقَّ الشَّوكُ و اْخضَلاّ
سُبحَانَ مَن صَبَّ كُلَّ الحُسنِ فِي امرَأةٍ=و قَالَ كُونِي ، فَكُنتِ المَرأَةَ المُثْلى
و كُنتِ أصدَقَ ما في الشِّعرِ من لُغَةٍ=و كُنتِ أجملَ ما في صِدقِهِ فِعْلا
و كُنتِ لِي وَطَناً ما غَابَ عن خَلَدي=مَهمَا تَغَرَّبتُ ظَلَّ الخيرَ و النُّبْلا
أَغَرَّكِ الحُسنُ أم إِطرَاءُ مُفتَتَنٍ=قَد لامَسَ السُّحْبَ إذ أَسعَدْتِهِ وَصْلا
أطْعَمتِهِ الشَّهدَ بعدَ السُّهدِ ، فابتَسَمَت=لَهُ الحياةُ ، و كانت تشهَرُ النَّصْلا
بِالأَمسِ أَحيَيْتِهِ مِن بعدِ مِقتَلِهِ=و اليَومَ جَرَّعْتِهِ مِن صَدِّكِ القَتْلا