هذا النص متجاوز لحدود البناء والصورة والتكثيف .. كونه مشفّر ومرمّز بصيغ جمالية ، مبهرة ، حوّلت القضية الكوارثية إلى صور قابلة للتعدد القرائي .. فأيلول السبعيني الأسود الذي عتعت الضمير العربي من ياقته ، ولا مغيث كان حافز هذا النص .. وتبرع الشفق الأزرق باحتضان الفكرة الحمراء .. ومن الزرقاء هذه التي انطلقت منها شرارة كادت أن تحرق القبح لولا ( بسالة ) بعض ( الشرفاء ) .. كان البوح.
تلك الإنطلاقة التي تعيد إلى الذاكرة ماقاله محامي دفاع المناضل سرحان بشارة سرحان أثناء محاكمته عن فضيلته الكبيرة بقتل الرئيس الأمريكي .. فقال : لو افترضنا أن موكلي قام بعملية القتل ، فأن هذا ليس جرماً ، بل هو قتل وقائي ، شبيه بالحروب الوقائية الزراعية ، للقضاء على الحشرات والآفات الزراعية.
ح ت ف / موت ثلاثة حروف لها دلالات هائلة في قاموس النضال العربي ، ولكي يكون الإسم أكثر دلالة ، وأعمق معنى .. تغيرت مراكز الحروف ف ت ح / تحرير .. فالشرف الكبير هو أن تموت من أجل قضية ، لا أن تقتل قضية كي تعيش.
وهذا ما أشار له النص / القضية.
إشتغل النص كما أسلفنا على الترميز ، وخلق صور تتعدى الوظيفة الجمالية بفراسخ ، حين انتخبت الشاعرة الخريف .. أي انها لم تشتغل بالمألوف ، بل أضافت له دوال أخرى ، لتجعله من إحدى مثابات النص ، ومن مهيمناته المهمة.
وانطلقت الشاعرة - منذ البدء - بقوة ، وشراسة فدائي جسور.
حيث أكدت على أن القلق ذاتي داخلي .. أي أنه يخلق عقدة كبيرة ، وليس طارئاً يزول ، بزوال المسبب.
فخلقت ( دايلوك داخلي ) مُستَفز ، كلما عادت بها الذاكرة إلى الترحال القسري للون الأحمر ، فيشأم تارة ، ويتفينق على سواحل المتوسط في عروس البحر.
وباختصار أقول .. أنها شعرنت الأذى ، وهذا يحيلني إلى دراسة فلسفية كتبها الشاعر الكبير سلمان داود محمد ( شعرنة الأذى أو الإجهاز على آثامزم الواقعة بالكلمات ).
وأبهرتني باستخدامات رمزية باذخة الوعي والتشخيص مثل التلميذة ، والمقهى الصغير ، والجسر.
فاستحضرت بيتاً ..
إن قطّعوا جسر الوصال بليلة ...... ففي الصبح تبنى للوصال جسور
والممتع في هذا النص الكوارثي .. أن الشاعرة استخدمت لغة انفعالية ، تشي بالمعني ، والمعنى المجاور ، وتخلق حثاً توصيلياً لمعان متجاوزة.
وجعلت من الحكائية غير السردية مهمازاً للوصول إلى غاية جمالية مبهرة ، وحراك فكري تعبوي ثائر.
فأية عبقرية هذا ، وأي مخيال ذلك المتخندق خلف حيوات ميتافيزيقية غير محسوسة .
وأخيراً أعتذر منك سيدتي ، لعدم تغطية هذه المعركة الجمالية التي احتوت على كل أسلحة الجمال الشامل.
وعذراً أخرى إن كنت قد شططت ، وابتعدت عن المعنى .. فجمال النص وانتعاشه ، يكمن في تعدد القراءات.
ممتن لك.