عرض مشاركة واحدة
قديم 11-08-2012, 12:13 AM   رقم المشاركة : 3
أديبة وقاصة
 
الصورة الرمزية سولاف هلال





  النقاط : 10
  المستوى :
  الحالة :سولاف هلال غير متواجد حالياً
اخر مواضيعي
قـائـمـة الأوسـمـة
افتراضي رد: نص & رأي


على بركة الله نفتتح الجلسة ونرحب بالأستاذ رئيس الجلسة الموقر
وبالأساتذة أعضاء اللجنة الأفاضل
سائلين المولى التوفيق



العيون المجدلية
1

لم أكن أدري، و لم أكن عارفا ؛ كيف يكون العشق في قلب المقاتل ؟ لم أكن أمتلك وصفا لقلب المناضل أن تملكه الحب؛ ماسيكون حجمه ذلك الحب ؟وماسيكون شكله ذلك القلب ؟ لكنني كنت أحسدها تلك المرأة لو دخلت قلبي ، لو أزاحت ستائره التي لا أرى خلالها إلا شكل الحرية المضرج بالدماء .. تنبأت مرة أنني عندما أقع فريسة لذلك المارد الرقيق " كما يقولون " فالتي أحبها ؛ سأحبها لأنها تشبه وطني .!

كنت عندما أتسامر مع رفاقي في المراتب المختلفة أستمع لما تخطه أكفهم القابضة بحزم على زناد بنادقهم من قصائد وكلمات عن قلوب ٍ تحرق شغافها الأشواق وتطفئ تلك النيران وتخيط ذلك الشغاف الممزق آمال وآمال بلقاء ِ قريب !!! اذن هل الحب مجرد شوق وقصيدة ولقاء ؟! إذن ما أصغره .. ما أصغره لو سكن قلبي المرسوم بحدود مستقبل عروبتي كما أتمناه .
لكن العيون المجدلية المختلطة بضوء شمس جنين حملت لي الجواب وشرحت لي صلة النسب بين العشق والقتال ...

للآن أتساءل هل أنه كالموت - قدر - ؟ نعم لابد ذلك .. وإلا لما التقيتها هناك داخل تلك القلعة ...حين جاءت مع أهل بلدتها ليحتموا بنا...
لم أكن شاعرا يوما ولم أتمن َ تقليد الفرسان ذات يوم .. لكن كنت أرى في كل ذرة تراب عربية دما وعرقا ومآثر ينبغي أن لا أخونها أبدا ... وهذا ماحصل معي ليلة الثالث من حزيران ... ففي تلك الليلة وعند إطباق كماشة الظلام على الراقم 152 وبحماية من مفرزة على" جسر الخروب " عبرت سريتنا منسحبة إلى غربي جنين وأبرق آمر الرتل للقيادة بأننا سنعسكر في قلعة " جنين " وأن قوات العدو تبلغ ثلاث أضعاف قواتنا ...لم يكن يهمني العدو .. كنت مؤمنا أنني أستطيع مقاتلتهم وحدي لكنني قلقت على مصير الرفاق خصوصا بعدما أنبأني آمر الرتل أن مواد الإعاشة تكفي لثلاثة أيام فقط .. كان يقلقني فقدان رفيق واحد فعاطفة الأتباط شديدة بقلبي ... أنك تستطيع أن تتخيل أن قلبي تحتله سرية المشاة الآلية الثالثة كما احتله اللواء الأول عند " كوكب الهوى " ....
لا أدري هل أن بيارات تلك القرية وهواءها أو حتى اسمها قد حرثت بقلبي .. وجعلته خصبا لتنبت به حقول الحب ما أن تبذرها تلك العيون المجدلية ؟ التي حملت وحملت المياه لنا في ستر الليل متحدية واهل بلدتها تربصات الأعداء الذين دخلوا البلدة ليل 3 حزيران 1948 .
كانت عيون أهل البلدة تستفهم منا ... ماذا سيحل ببلدتهم ؟ هل سنعيدها لهم ؟ الدور التي هدمت؟ المحلات التي نسفت ؟ كانت الرشاشات والهاونات هي التي تتكفل بالاجابة ... وهنا .. تقدمت من بين أخوتها .. تتعثر بحيائها تطلب إذنا ومخرجا لتجيء بأخ ٍ لها غادر باتجاه" قباطية "

قلت لها :
- لا .. مستحيل أن أسمح لك الآن بالخروج .. دعيه إنه رجل ولا يخشى على الرجال .. همت أن تبكي لولا طائرات العدو وهاوناته التي بدأت بقصفنا .. استشهد زميلي وتعطلت ثلاث مدافع وجرح بعض المراتب وأهل البلدة .. فاندفعت أعالج البعض ، لكن ما أدهشني إن ذات العيون المجدلية قد غادرت تهيبها وانتفضت كاللبوة تداوي هذا وتعاونني في علاج ذلك .. حثت همم الفتيان فتكونت داخل القلعة خلية جمعها مصير واحد .

وفي ذلك المساء المليء بالبارود والدم استفاق الطائر داخل قلبي رويدا رويدا ثم أخذت أجنحته الذهبية تنتشر فتملأ كياني نورا مشعشعا غريبا لم تألفه روحي قبلاً ثم أخذ ذلك الطائر يصف ويقبض أجنحته بقوة عند ذاك أيقنت أنني أحببت ... أحببت في ذاك المساء العصيب .

2

في مساء ذاك اليوم آمنت أن التي أحبها تشبه وطني؛ عندما يدلني عشقه لثقوب النور في ظلام الحياة .. ففي ذاك المساء رأيت في صفاء عينيها اخوتي في اللوائين الرابع والخامس يعدون العدة للهجوم المقابل .. سأكتب صراحة أنني أحسستُ بالغيرة وقتها ... لأنهم من سينجدنا لا أنا من سأنجدهم .. وأنجدها ..
صدقوني لو أخبرتكم .. أنني تعقبت بروحي التي اُمطرت بالأمطار الإلهية رفيقي حازم يمر مع لواءه الرابع على طريق " نابلس – دير شرف – جنين " ممسكا بغضب رشاشة ( فيكرس ) وعينيه تقبضان كالصقر على مدفعين للهاون
أقول أن حبها زاد من تمسكي بالأرض بالشرف العسكري تمنيت لو عانقت لحظتها رفيقي حازم الذي شاركني بالمدرعة من بغداد إلى المفرق .. أذكر نهر الأردن الذي عبرناه سباحة بعد نسف الصهاينة ؛ للجسر كي لا نصل قلعة "كيشر" أنقذته من الغرق .. وهو آتٍ لينقذني ونحرر معا جنين ....والعيون المجدلية ...

آه العيون المجدلية إنها أول من بشرني عند تنفس صباح الثالث من حزيران أن هناك اقتتالا واشتباكا .. إذن جاء حازم .. جاء .. أمسكت رشاشتي ومن داخل القلعة وخارجها حوصر العدو بنيراننا .. والفرح يغمر كل العيون حولي ويغمر قلبي سعادة تفيض بي قوة كانت عيناها شرارة تشعل إوار استبسالي طوال اليوم وحتى فجر الرابع من حزيران عندما بدات بشائر النصر تصل أسماعنا ..إذن حررت البلدة ...
خرج الأهالي من القلعة وخرجت مرافقا لبعضهم ناولتهم بنادق من تلك التي خسرها العدو .. بحثت عنها سلمتها وقلت لها
- إنها لكم للماء الذي زودتم به الجنود أجابت
-شكرا ... أتعلم لقد عاد أخي وسنعود إلى( مجدل- يابا )
- إذن لست من جنين
- لا فرق كل فلسطين أهلي
هممت أن أسالها واسألها لكنهم أصدروا الأوامر باتخاذ مواقع قطعاتنا .. آملت نفسي أن لا بأس .. لابأس .. لنا أيام أخر .. لكن .. مرت الايام .. ولعب الساسة لعبتهم .. كأنما لم ننزف دما ولم نحترق عشقا للجهاد .. هدنة ثم (نكبة شعب تحولت إلى مصير أمة)*..... ومازلت أعشقها تلك العيون المجدلية

* مقولة لعبد الوهاب الكيالي













التوقيع

نقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة
آخر تعديل سولاف هلال يوم 11-08-2012 في 05:58 PM.