لعل هذه القصيدة تجلب الفخر للقارئ لأنه احتضن هذا البهاء وتنفس عطر الحروف المعجونة بماء الورد والذهب فما بالك بالكاتب الذي أبدع هذه الباذخة التي تدخل القلب وتستقر فيه بلا استئذان ومن النطرة الأولى .
ومن وجهة نظري أرى أن هذه القصيدة تتميز بسحر خاص وبعنفوان رفع القارئ رفعا إلى قمة الدهشة والإبهار فهي غنية بالتفاصيل التي أخفت المعنى المضمر وراء السطور وقد راق لي التعتيم المتعمد والتستر على كنه المحبوبة التي أشبعها الشاعر غزلا ومناجاة حتى كاد القلب يتفطر من شدة التفاعل مع نبض الكاتب وقد كان هذا التعتيم هو الجوهر والمرتكز الأساسي للمفاجأة التي جاءت بقوة تسع درجات على مقياس ريختر فزلزلت الأرض تحت قدمي
كانت قوية .. مزلزلة.. صادمة .. ساطعة .. مدروسة ومتقنة .
اكتنف القصيدة نفس شعري فريد ومرهف ولغة باذخة زادت من متانتها تلك الصياغة المتشابكة التي اتخذت مسارا تصاعديا مخلفة وراءها صورا شعرية بالغة الجمال
ياطيْفَها
ياطلّةَ الفجْرِ المخضّبِ بالنّدى والزّعْفرانْ
ياشدوَ شحْرورٍ يحطّ على الوترْ
ويُغازِلُ الخلجاتِ بالهمْسِ الخَفوتْ
في حَضْرتكْ
يتبرْعم العُمْرُ الجَميلْ
يرسو الشّراع على ضفافِ الياسمينْ
تدْنو النّجومُ بشاشةً
ويُراقص الضّوْءُ النّخيلْ
تكْسُو شجوني بسْمةً
وينام صَدْري فوْق موجات الخميلْ
يا نسْمةَ الطّهرِ المعمّدِ في نواميسِ الرّجاءْ
هزّي إليكِ بجذعِ نخلةِ حبِّنا
حتّى يُغَطي الأرْضَ خيْرٌ غامِرٌ
وتوحّدي بالوجْدِ عندَ نِدائِهِ
ميلي قليلاً فوْقَ قلْبي واسمعي لحْنَ الحنينْ
وتوضّئي منْ ماءِ حبٍّ يسْتبيحُ حُشاشَتي
مدّي الوريدَ وعانقي شجْوَ الأنينْ
كلّ المشاعِر تشْتهي تعْويذةَ الحُضْنِ الوثيرْ
أحْضانكِ الخضْراءُ لي
وكذاْ الورود النّاعساتْ
فوْق الجفونْ
لمساتكِ البيْضاءُ لي
وكذا العطُور السّابِحات رقائقاً
مابين بينكِ والربيعْ
منْ يكْنُسُ الثّلجَ المُعربِدَ فوْقَ كتْفي
غيْر دفءٍ يحتوي عودي الهزيلْ ؟
منْ يصْطفي قلْبي اليتيمْ
منْ يُشْعِل التّرتيلَ في ليْلي الحزينْ ؟
ما هذا الجمال بحق الله يا شاعرا أجهل من يكون
تبا لي ..
لاتجْزعي ...
وارْمي خِمارَكِ فوْق عيْني
كيْ نَرى الصّبْح الأكيدْ
لاتَرْحَلي
فالوعْد طالَ زمانُهُ
والحُلْمُ منْ عيْنيكِ طابَ قطافُهُ
رغْم المخاطرِ والقيودْ
رغْم الحواجزِ والحدُودْ
يرْعاكِ قلبي للخلودْ
ياقـــــــــــدْسُ ...
يا نـــــــبْضَ الـــــــــــــــصّمودْ
أحببت هذا الجزء من القصيدة الذي أثار النشوة في صميم ذائقتنا واستفز مشاعر الحب إزاء أرض أرضعتنا أمهاتنا حليب الإنتماء إليها مذ كنا لا ندرك شيئا عن حقيقة المواطنة أو الإنتماء ولا نعرف حقيقة الجرح العميق
في الختام أقول للكاتب أحببت أسلوبك في الكتابة للوطن
غزل .. مشاعر .. شوق ووصف يرتقي إلى أعلى مستويات التعبير عن الإنتماء والإلتحام دون اللجوء إلى الأساليب المستهلكة في كتابة هذا النوع من النصوص
لقد تأثرت كثيرا بهذا العمل الفني المتين البنيان وكانت الإضاءة في آخر النص بالبلدي
" ضربة معلم "