الامتنان للأخ الشاعر رمزت عليا على موضوعه، الذي يدلّ على نيّة صادقة في بلوغ العمل الأدبي الأفضل، مع أنّه تطرّق بشكل مجزوء ودون موجب، لكيفيّة النقد الأدبي ومقوّماته.
لقد التزمت شخصيّا بواجب النقد، لجميع ما قرأت من أعمال شعريّة، حتّى لأقرب الأصدقاء. ولا أدّعي الصحّة والصواب فيما وجّهته من نقد دائما، لكنّي سعيت نحو الأفضل، بكلّ ما أملكه من معرفة وعلم في هذا المجال.
قرأت نصوصا تسمّى شعرا بالباطل، وهي أبعد ما تكون عن الشعر، وحرصا منّي على شعور أصحابها، وحتّى لا يصدّهم نقدي عن المحاولة، كتمت غيظي والتزمت الصمت. وكم من النصوص التي قرأت، امتنعت عن تذييلها بنقد أو تعليق لهذا الغرض.
ولا يظنّن البعض، أنّ الشاعر الناقد، لا يجوز أن يقتحمه البعض بالنقد، فالكمال الشعري مع اختلاف المدارس والأذواق، مستحيل وغير وارد إلاّ في أذهان الأغرار المبتدئين.
وكي يكون فنّ الشعر هواية، يجب أن يقبل النقد، بل أن يطلب النقد هو بذاته، وإلاّ فهو غواية، كما عبّر عنه سبحانه وتعالى: ]الشعراء يتَّبعهم الغاوون[ (الشعراء/222).
لقد لاحظت فيما لاحظت، أنّ البعض يطرحون أعمالهم للقراءة، ثم ينتظرون المديح والتهليل، لإشباع غرورهم، بينما لا يتعبون أنفسهم في قراءة أعمال أو بعض أعمال الآخرين! وكأنّهم يمنّون علينا اطلاعنا على أحرفهم الماسية، وأفكارهم الفريدة، فيصبح واجبنا نحن التقدّم لحضراتهم بأسمى آيات الشكر والامتنان عن أشعارهم الخلّبيّة!
كنت في مقتبل العمر، أنظم القصيدة، فلا أرى لها مثيلا، حتّى في شعر المتنبي والنابغة والبحتري؛ أي أنّني رأيتها تسمو فوق النقد والتصويب.. وذلك هو صراحة شعور الشاعر المبتدئ. لكنّي عندما تمرّست في العمل الأدبي والشعري، أصبحت أقرأ شعري ناقدا في كلّ مرّة، وكم من الكلمات والأبيات استبدلتها، بعد تأليفها بعقود! أقول: قرأتها ناقدا، لأن هنالك بنظري طريقتان اثنتان للقراءة؛ إحداهما طريقة النقد، التي تتناول النصوص العاديّة، ويبةث فيها القارئ عن خطا أو ضعف ما في النص، والثانية قراءة التقديس، لنصوص تأخذ صفة التقديس، فلا يخطر النقد في ذهن القارئ.
لكن وللأسف أقول: تراجعت عن طريقتي في النقد، لأنّها أبعدت عنّي جميع أو أكثر المتشاعرين والمتأدّبين، وما أكثرهم.
فكم حذفت نقدي بعد كتابته، حتّى لا أفقد شخصا عزيزا، حين أصبح هؤلاء قلّة، لا يجوز الاستغناء عنهم!
كم مرّة كنت أنوي فيها حذف أو نقل عمل شعري، أو أتوجّه إليه بالنقد الشديد، بعد دراستي له طبعا، فأعود لأجده معلّقا في الصدارة!
وكم من مرّة رجعت لعمل مهلهل لغة وأسلوبا، فمنعتني تعليقات المهلّلين من إبداء رأيي!
وأكثر ما يضير في الأمر، أنّ البعض يرمي كالكلاشينكوف، رشّا ودراكا من لسان واحد، أكثر من قصيدة كلّ يوم! وهذا برأيي ما يوجب عدم السماح للعضو بتنزيل أكثر من عمل واحد في الأسبوع الواحد، وإلاّ نحتاج إلى قبيلة من المراقبين، للقيام بأعمال المراقبة الصحيحة!
مهما قلنا هنا، ومهما تفاصحنا في ضرورة النقد،
فالعربي ينظر إلى النقد، كنوع من الحسد والحقد!
تحياتي