تبيّن أنهم غرقوا وماتوا = ولم تنفع مع الذكرى حياةُ
وعاد البحر منكسرا أسيفا = تتمتم في مدامعه الصلاةُ
تبيّنَ أنهم ْ عافوا بلادا = على أوجاعها انتعش الولاةُ
فما أن بان ثقب من خلاصٍ = تهيّأَ نحو ميتتهمْ سعاةُ
فقيل بأنها كانت بلادا = تحبّ الموت لا كذب الرواةُ
وقيل بأنهم صبروا وملّوا = لأجل فسيح غربتها استماتوا
بلا مستمسكات غادروها = متى رأفتْ بهمْ مستمسكاتُ؟
أيدري الماء ما ضمّتْ جيوب ٌ = تصاوير تريد أباً فتاةُ
وأطفال بلا كتب عراةُ = ويوميات فرحتهم حصاةُ
تقشرهم قساوةُ ما تمنوا = وخوف الحلم يقظانين باتوا
ووالدة يؤثثها جفاف = كأرض كان يقطنها الفراتُ
تبين أنهم عاشوا حيارى = كقبر ظلّ يتعبهُ المماتُ
وكان الظنّ أنْ يجدوا حنانا = فهبَّ الوقتُ وانتشر الغواةُ
تبيّنَ أنهمْ ذابوا دعاءً = ولكن فوق ما تَسَعُ اللغاتُ
وكان الحظُّ جمّعَ ما تشظى = ليخسرَ حيث تندلعُ الرفاةُ
فهل لعقتْ أساها الامنياتُ = وأوجزَ في عواطفهم غلاةُ؟
تبين إن شاعرهم يغني = وتحت غنائه يبسَ العصاةُ
ألا لا تتركنّي دون قيد = لأنّ تنفسي ذئب وشاةُ
مضوا متأنقين غريق عزٍّ = وخلفهمُ أذلآّءٌ مشاةُ
ولمّا آن أنْ ينجو رضيعٌ = تراجعَ أنْ يعزّيه الغزاةُ
رثاهم كبرياء الموت صمتاً = فهل ناموا وهل فزَّ السباتُ؟
سينعتهمْ بلا أدبٍ طغاةُ = وأدري أنهم رسل ٌُ حفاةُ
تبين إنهم غرقوا وماتوا = ولم تنفع مع الذكرى حياةُ