رِسالةُ حِوَارِيّةْ رَابِعَةْ
بقلم: حسين أحمد سليم
إليكِ أنتِ, يَا سَلِيلَةَ حَوَّاءَ, إِمْرَأَةً لاَ تُشْبِهُ بِقِيَّةَ النِّسَاءِ, أَيَّتُهَا السَّيِّدَةُ الجَمِيلَةُ الجَلِيلَةُ الفَاتِنَةُ فِي الإِغْوَاءِ وَالإِغْرَاءِ, وَالّتِي تَوَدَّيْنَ الحِوَارَ سَامِياً رَاقِياً شَفِيفاً أَثِيرِيّاً, وَأَوَدُّهُ حِوَاراً نَاضِجاً وَاعِياً عَارِفاً مُسْتَنِيراً وَمُعَمَّقاً, يَتَجَلَّى فِي رَسَائِلَ حُبٍّ وَعِشْقٍ, مُتَبَادَلَةٍ فِيمَا بَيْنَنَا, تَبْقَى بِشَارَاتَ قَدَاسَةٍ وَطَهَارَةٍ وَأَقَانِيمَ لِلْحُبِّ وَالعِشْقِ فِي المَكَانِ وَالزَّمَانِ...
إِلَيْكِ أَنْتِ, يَا مَنْ تَتَسَاءَلِينَ فِي كَلِمَتَكِ, مَنْ أَنَا وَمَنْ أُكُونُ؟ وَتَبُوحِينَ جَرْأَةً فِي القَوْلِ: “مَنْ أَنْتَ؟! وَكَيْفَ أَتَيْتَ؟! وَمِنْ أَيْنَ؟! وَإِلَى أَيْنَ تَمْضِي بِي؟! مَنْ أَنْتَ يَا مَنْ تُشْرِقُ بَيْنَ أَهْدَابِي وَعَيْنَيَّ؟! مَنْ أَنْتَ يَا مَنْ تُقَدِّسُنِي؟! وَتَمْضِي بِي إِلَى غَيْرِ مَدَرَاتِي؟! مَنْ تَكُونَ أَيَّهَا القَادِمُ مِنْ مُدُنِ العِشْقِ الغَارِقِ بِالتَّارِيخِ وَالهَارِبِ مِنْ فَمِ طَائِرِ الفِنِيقِ؟! كَيْفَ عَصَفْتَ بِوِجْدَانِي وَأَلْبَسْتَنِي الحَرِيرً الدِّمَشْقِيِّ وَتَوَّجْتَنِي أَمِيرَةً بَيْنَ النِّسَاءِ؟! وَكَيْفَ تَعْصِفُ هَكَذَا بِأَعْمَاقِي؟! فَهَلْ يُرْضِيكَ أَنْ أَتَشَظَّى, وَأَنْ أَتَبَعْثَرَ وَأَمْضِي وَرَاءَكَ,كَظِلٍّ هَارِبٍ مِنَ اللّيْلِ إِلَى مَطَالِعِ فَجْرٍ مُتَتَالِيَةٍ؟!...”...
حَبِيبَتِي:
طَائِرُ حَيَاةٍ, أَتَيْتُ عَلَى حِينِ وَمْضَةٍ, مِنْ رَحَمِ الأَيَّامِ, أَتَجَلَّى حَرَكَةَ فِعْلِ خَلْقٍ وَإِبْدَاعٍ, تَوْكِيدَ عَظَمَةٍ تَتَرَاءَى لِعَظَمَةِ الله فِي بَدِيعِ الصُّنْعِ, وَوِحْدَةِ الخَلْقِ... أَتَيْتُ قَدَراً, أَحْمِلُ كُلَّ مَعَالِمَ الحُبِّ وَالعِشْقِ فِي كَيْنُونَتِي, سَفِيرَ حَيَاةٍ, أَدْعُو كَارِزاً, هَادِياً وَمُبَشِّراً, لِقِيَامَةِ الإِنْسَانِيَّةِ, دِينَ حَيَاةٍ فِي رِضَى الله... أَتَمَوْسَقُ بَيْنَ القُلُوبِ والشِّغَافِ, وَأَخْفُقُ بَيْنَ النُّفُوسِ وَالرُّؤَى, وَأَرْفُلُ بَيْنَ العُيُونِ وَالأَهْدَابِ, وَأَخْطُرُ بَيْنَ الجَرْأَةِ وَالبَوْحِ, وَأَتَشَكَّلُ بَيْنَ الحُرُوفِ وَالكَلِمَاتِ, وَأَرْتَسِمُ بَيْنَ الشِّفَاهِ وَاللَّمَى, أَنْتَعِشُ إفْتِرَارَ إِبْتِسَامَةٍ عَلَى ثَغْرِ الجَمَألِ, أَتَوَامَضُ تَشَاغُفاً بَيْنَ حَنِينِ القُبُلاَتِ...
أَتَيْتُ أَحْمِلُ فِي كَيْنُونَتِي كُلَّ طَهَارَةِ الفِكْرِ وَالقَوْلِ وَالعَمَلِ وَالأَحَاسِيسِ, أَتَيْتُ أَحْمِلُ كُلَّ الحُبِّ وَكُلَّ العِشْقِ دُونَ إِنْتِقَاصٍ, وَأَحْمِلُ كُلَّ عَظَائِمِ الأَخْلاَقِ الكَرِيمَةِ, وَكُلَّ أَنْوَاعِ السُّنْدُسِ وَالحَرَائِرِ الأَلْطَفَ وَالأَنْعَمَ... أَتَيْتُ مِنْ مُدُنٍ أُخْرَى غَيْرَ هَذِهِ المُدُنُ, لَيْسَتْ مِنْ مَنْظُومَةِ التَّارِيخِ وَلاَ الجُغْرَافِيَا, وَأَمْضِي فِي رِحَابِ الأَرْجَاءِ المُمْتَدَّةِ, أُقَدِّسُ مَا وَجَبَ التَّقْدِيسَ, وَأُطَهِّرُ مَا وَجَبَ التَّطْهِيرَ, وَأُغَيِّرُ مَا وَجَبَ التَّغْيِيرَ فِي أَقَانِيمِ المَدَارَاتِ... نَعَمْ حَبِيبَتِي المَعْشُوقَةُ قَدَراً فِي البُعْدِ, أَتَيْتُ مِنْ كُوَّةِ الأَقْدَارِ المَوَرَائِيَّةِ, أَمْتَطِي صَهَوَاتَ الغَمَامِ النَّاصِعِ البَيَاضِ, تَحْوطَنِي البُرُوقُ الوَامِضِةِ والرُّعُودُ القَاصِفَةِ, أَحْمِلُ سَيْفِي المَاضِيَ الحَدَّيْنِ بِيدٍ, وَيَرَاعِي الحَانِيَ البَوْحِ جَرْأَةً بِيدٍ أُخْرَى, وَأَحْمِلُ كُلَّ مَعَالِمِ ثَوْرَةَ الرَّفْضِ فِي رُوحِي الثَّائِرَةِ...
أَتَيْتُ أَنَاجِي الحُبَّ وَالعِشْقِ فِي البُعْدِ, أُحَرِّضُ الحُبَّ وَالعِشْقِ فِي رُوحَكِ وَوِجْدَانَكِ وَقَلْبَكِ, وَأُلِبِسُكِ أَوْشِحَةَ الحَرِيرِ الدِّمَشْقِيِّ, وَأُتَوِّجُكِ أَمِيرَةً بِيْنَ النِّسَاءِ, يَا إِمْرَأَةً مِنْ حَوَّاءَ أَتَتْ, وَلَكِنَّهَا لاَ تُشْبِهُ النِّسَاءَ, إِلاَّ فِي التَّشْكِيلِ وَالتَّكْوِينِ... أَتَيْتُ قَدَراً بِلاَ مَوْعِدٍ وَبِلاَ إِسْتِئْذَانٍ, أُتَوِّجُكِ فِي الله حِبِيبَتِي, أَتَشَظَّى فِي رُوحَكِ وَأَتبَعْثَرُ, أَتَمَاذَجُ بِرُوحَكِ ذَوَبَاناً وَأَتَوَحَّدُ, وَأَمْضِي حَيْثُ تَمْضِينَ, وَلَسْتُ وَرَاءَكِ أَمْشِي, بَلْ تَمْشِينَ بِي وَبِكِ أَمْشِي, لَمْ وَلَنْ وَلاَ أَرْضَى إِلاَّ أَنْ أَكُونَ نَجْماً وَامِضاً فِي جَوْفِ اللَيْلِ, أُسَامِرُ العُشَّاقَ إِلَى مَطَالِعِ الفَجْرِ, فَأَنَا سِرُّ السِّرِّ هِلاَلاً فِي دُجَى اللَّيْلِ, أُلْهِمُ العُشَّاقِ البَوْحَ تَشَاغُفاً وَشَوْقاً فِي قَدَاسَةَ اللِّقَاءِ, وَأَنَا المُبَشِّرُ فَجْرَاً بِقُدُومِ الضَّوْءِ وَوِلاَدَةَ الحَيَاةِ بَالحُبِّ وَالعِشْقِ...
حَبِيبَتِي المَعْشُوقَةُ قَدَراً, المُتَمَرِّدَةُ مُنْذُ وُلِدَتْ, تَقُودُ الفِعْلَ فِي ثَوْرَةِ الرَّفْضِ عَلَى كُلِّ الأَشْيَاءِ, الآتِيَةُ مِنْ حَيْثُ البُعْدُ النَّائِي المُوْغِلِ فِي البُعْدِ, تَحْمِلُ مَا أَحْمِلُ فِكْراً وَقَوْلاً وَعَملاً فِي قَنَاعَةِ الإِطْمِئْنَانِ, مُؤْمِنَةً بِالله وَشَرَائِعِ السَّمَاءِ, وَأَنْبِيَائِهِ وَرُسُلِهِ وَأَوْلِيَائِهِ وَكُتُبِهِ وَاليَوْمِ الآخَرِ, صَادِقَةَ الوَعْدِ إِنْ وَعَدَتْ, وَاعِدَةَ العَهْدِ إِنْ عَاهَدَتْ, مُؤْتَمَنَةً فِي حَمْلِ الأَمَانَةِ, لِتَحْقِيقِ أَمَلِ الأَمَلِ فِي مَسَارَاتِ خَطِّ الخَطِّ...
أَنَا يَا حَبِيبَتِي القَدَرِيَّةَ, طَائِرَ حَيَاةٍ مُتَحَرِّرٍ مُتَمَرِّدٍ ثَائِرٍ عَلَى كُلِّ الأَشْيَاءِ, أَتَجَلَّى فِي سَيَّالاَتِ الشَّمْسِ, عِنْدَ الإِشْرَاقِ مَعْ كُلِّ صَبَاحٍ, أَتَحَدَّى الشَّمْسَ, وَأُشَكِّلُ بِرِيشَتِي لَوْحَةَ الشَّفْقِ, وَأَحْتَرِقُ وَأَتَشَظَّى وَأَتَنَاثَرُ وَأَتَبَعْثَرُ رَمَاداً, وَأَتَسَاقَطُ أَرْضاً أَخْتَلِطُ فِي طُهْرِ التُّرِابِ... تَهْتَزُّ الأَرْضَ وَيَمِيدُ التُّرَابُ, فَأَنْبَثِقُ مَنْ قَلْبِ الرَّمَادِ فِي ثَرَى التُّرَابِ, وَأُوْلَدُ مُنْتَعِشاً بِالحَيَاةِ, أُحَلِّقُ طَائِرَ حَيَاةٍ, أَتَجَلَّى مُجَدَّداً أَتَحَدَّى الشَّمْسَ, أَرْسُمُ لَوْحَةَ الشَّفَقِ عِنْدَ الغُرُوبِ, وَأَحْتَرِقُ فِي سَيَّالاَتِ الشَّمْسِ, وَأَحْتَرِقُ وَأَتَشَظَّى وَأَتَنَاثَرُ وَأَتَبَعْثَرُ رَمَاداً, وَأَتَسَاقَطُ أَرْضاً أَخْتَلِطُ فِي طُهْرِ التُّرِابِ... وَتَهْتَزُّ الأَرْضَ مُجَدَّداً وَيَمِيدُ التُّرَابُ, فَأَنْبَثِقُ مَنْ قَلْبِ الرَّمَادِ فِي ثَرَى التُّرَابِ, وَأُوْلَدُ مُنْتَعِشاً بِالحَيَاةِ, أُحَلِّقُ طَائِرَ حَيَاةٍ, بِتَشْكِيلِ نِسْرٍ يَجُوبُ الفَضَاءَاتِ, أَنْتَظِرُ إِشْرَاقَةَ الهِلاَلِ بَعْدَ الغَسَقِ, فَأَنْسَابُ لأمْتَطِي الهِلاَلَ سَفِيَنَةَ نَجَاةٍ, يَمْخُرُ بِي عُبَابَ السَّمَاءِ فِي دُجَى اللَّيْلِ, أَتَرَقَّبُ إِشْرَاقَةَ نَجْمَةَ الصُّبْحِ فِي الأُفُقِ الشَّرِقِيِّ لِبِلاَدِي, لَمْ وَلَنْ وَلاَ أَرْضَى غَيْرَ الَّتِي وٍَسَمْتَهَا نَجْمَةِ الصُّبْحِ حَبِيبَتِي, تِلْكَ الطِّفْلَةِ المَرْيَمِيَّةِ المَلاّئِكِيَّةِ المَطَهَّرَةِ بِالإِيمَانِ, المَرْأَةَ الَّتِي أَتَتْ مِنْ حَوَّاءَ, وَلاَ تُشْبِهُهَا بَقِيَّةُ النِّسَاءِ, تِلْكَ الَّتِي تَوَّجْتُهَا فِي الله حَبِيبَتِي الرُّوحِيَّةَ, أَتَوَحَّدُ بِهَا حُبّاً وَتَتَوَحَّدُ بِي عِشْقاً, وَنُبْدِعُ خَلْقاً وَإِبْتِكَاراً نَثْراً وَشِعْراً وَحِوَاراً, وَنَتَبَادَلَ بِشَارَاتَ الحُبِّ وَالعِشْقِ, وَنَهِيمُ مَعاً فِي رِحَابِ الله, نَتَمَوْسَقُ بِالحُبِّ وَنَترَنَّم بِالعِشْقِ...