(1)
عرَفنا مِن القراءة العصرية لمطلع السورة أنَّ وعْـد أُولاهما عقوبةً على إفساد المسلمين هو الغزو المغولي الذي هدم الدولة ، وأزال الخلافة المتصدَّعة لأول مرة سنة 1258م ، بعد أكثر من ستة قرون على إنشائها .. وأنَّ وعْـدَ الآخِرة - عقوبةً استحقوها للمَرة الآخِرة على إفسادِهم ومع ذلك رحمةً لهم - هو هدمُ الغرب النصراني لدولة الخلافة المتصدعة للمرة الآخِرة ، واحتلالُ كل بلاد المسلمين سنة 1917م ، وتقطيعُهم في الأرض أُمماً ودُويلاتٍ ( كما فَعَل في الذين مِن قبلهم ) عسى ان يكون ذلك رحمةً لهم ولغيرهم :
( عَسَى رَبُّكُمْ أَن يَرْحَمَكُمْ ) !!!!!
وتشير الآية (104) إلى وعْد ثالث لله رب العالمين تحقَّق لبني اسرائيل متزامنا مع وعْد العقوبة الآخِرة لبني إسماعيل : فإن سَنة 1917م شهدت وعْدَ بلفور الذي جاء به الله سبحانه ببني اسرائيل لفيفا مِن الشتات بعد انْ قطَّعهم في الارض أُمما إثرَ وعْد الآخِرة عقـوبةً عليهم ومع ذلك رحمةً لـهم سنة 70م :
( وَقَطَّعْنَاهُمْ فِي الأَرْضِ أُمَماً مِّنْهُمُ الصَّالِحُونَ وَمِنْهُمْ دُونَ ذَلِكَ وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ {168} ) الاعراف .
ولولا أنْ رحِمهم بذاك التشتيت لهلكوا وأُفنوا . فوعْد بلفور هو بداية علوِّهم الكبير الذي اشار اليه مطلعُ سورة الإسراء والذي تزامن نصّـاً وواقعـاً كما تـدل الآية 104 مـع وعد الآخِـرة عقوبـةً على المسلمين بهزيمتهم الكبرى التي استحقوها سنة 1917 والتي كانت مع ذلك رحمة لهم .
والتعبير القرءاني ( وعْـدُ الآخرة ) بدلا من ( الوعد الثاني) مثلا قد يكون فيه سِرٌّ كبير ستُجلّيه الأيام !!!
فسبحان الله العظيم الذي أحاط بما لديهم ( وأحْصى كُلَّ شيءٍ عَدَداً ) !!
(وَقُلْنَا مِن بَعْدِهِ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ اسْكُنُواْ الأَرْضَ فَإِذَا جَاء وَعْدُ الآخِرَةِ جِئْنَا بِكُمْ لَفِيـفاً {104} )
(2)
ليس عَبَثاً أن يُذكِّر الله سبحانه البشر بالقرءان بعد أن رأوا تحقُق هذا الوعد بل هذه الوعود نصّاً وواقعاً .. مؤكِّدا لهم انه أنزل القرءان بالحق ، وأن جبريل نَزل به بالحق نفسِه على رسول الله الذي أرسله الله سبحانه بالقرءان مِن أجل أن يكون مُبشِّراً ونذيراً وقُـرءاناً ( ثلاثة مفاعيل لأجْله ) . أنزله عليه مُفرَّقا ليقرأه على الناس في اثنتين وعشرين سنة وليس جُملةً واحـدة . ووصْفُ الله سبحانه للرسول بـأنه ( قرءان ) أكَّـده وصْفُه ( لـلذِكْر ) و ( آيـاتِ الله ) و ( الكتاب ) بأنها رسول ، وبيّنته آيات فـي مواقع أُخرى مـنها الآيتان ( 10-11 ) من سورة الطلاق :
( فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُوْلِي الْأَلْبَابِ الَّذِينَ آمَنُوا قَدْ أَنزَلَ اللَّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً {10} رَّسُولاً .. {11} ) وكذلك الآيات ( 134طه ) و ( 47القصص ) و ( 89 + 101البقرة ) .
(3)
قوله سبحانه ( قُلْ آمِنُواْ بِهِ أَوْ : لاَ تُؤْمِنُواْ ) له مفهومان : أوَّلهما أنّ الإيمان لأهل اللسان العربي لا يكون الا بالقرءان وبه كلِّه ... اوْ لا يكون ايمان :
سلَّة واحدة : خذها كلَّها أو : دعها Take it or leave it
( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنزِيلاً {23} ) الإنسان .
( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا ) الحجرات .
( وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْيَقِينِ {51} ) الحاقة .
مِن هنا وُصف الكتابُ القرءانُ بأنه لا ريب فيه (2البقرة) وأنَّ تفصيله من الله لا ريب فيه كـذلك ( .. وَتَفْصِيـلَ الْكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِـن رَّبِّ الْعَالَمِينَ {37} ) يونــس .
وثاني المفهومين حُكْمٌ من الله تعالى على مَن لا يؤمن بالقرءان مِن أهل اللسان العربي ، بأنه لن يستطيع فهْمَه والعمل به . والعلاقة هنا جَدَلية ، فإنّ مَن لا يستطيع فَهْمَه لا يكون مُؤمناً به إذ كيف يؤمن إنسان بما لا يفهم ؟!! وإنهم إن لم يؤمنوا به وبكلِّ آياته ( 104النحل و 57الكهف ) – كشأنهم اليوم بل منذ قرون - فإن الله سبحانه قادر على أن يستبدل قوما غيرهم من الذين أوتوا العلم بحيث يؤمنون به فيفهمونه ويَعملون به :
(... وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ {38} ) محمد .
(4)
وفي كلمات الآيات (107 - 109) من سورة الاسراء نُبوءة (مُشفَّرة) بأنّ أقواماً أُوتوا العلم بآيات الله المنظورة في الكون من قبل الإطلاع على صدق وعوده التي ستقودهم إلى الإيمان به – وهم بعض من ( أهلِ الكتاب الأوّل) الذين أُوتوا العلم وراثةً عن إسحق منذ سنة 1847ق. م (كما تُبيّن الآيتان 53الحِجر و 28الذاريات) واكتساباً بعد مارتن لوثر منذ سنة 1529/م كما تشير دلائل من القرءان والواقع – فهؤلاء سيؤمنون به حين يطّلعون على وعود الله المذكورة في آيات القُـرءان التي منها آيات سورة الاسراء وقد ( جَعَلَهَا رَبِّي حَقّاً )...والله تعالى أعلم
(5)
وبذلك سيجمع هؤلاء الغربيون العلمَ بآيات الله المنظورة في الكون - وقد أبدعوا فيه - الى الايمان المُتَوقّع بآيات الله المسطورة في كتابه القرءان ليصنعوا بِهِما العَجَب !!! وحين يفعلون هذا سيخِرّون بأذقانهم الى صدورهم - مبالغةً منهم في إيماءةِ تصديقٍ وايمانٍ بوعود الله - وهم يبكون تأثّرا كما فعل بعضهم في المَجمع الفاتيكاني الثاني (1964- 1965) حين اطّلعوا على لفائف قُمران :
( إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّداً وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ {15} ) السجدة ...
كما فعل أناس مِن قبلِهم من النصارى الاوَّلين الذين عاصروا الرسول الكريم عليه الصلاة والسلام، وسمعوا آيات الله التي أُنزلت اليه :
( وَإِذَا ( 1965 _ 1964) سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ {83} ) المائدة .
والغريب أنّ هذه الآية من سورة المائدة تؤرخ بدايتُها ( وإذا سمِعُوا ) لسنتَيْ 1964-1965 اللتيْن اطلع فيهما المجمع الفاتيكاني الثاني على لفائف قُمران التي حوت ( ما أُنزِل إلى الرّسولِ ) عيسى من الإنجيل المُنزَّل حقا ، متفِقا مع (ما أُنزِلَ إلى الرّسولِ ) محمد قرءاناً .
ورقم السنتين( 1964- 1965) هو رقم الكلمتين في كلمات سورة المائدة المكتوبة .
وفي تلك السنة حضر البابا بولس السادس إلى بيت لحم وأعلن من كنيسة المهد براءة اليهود من دم المسيح .
فسبحان الله العظيمِ !!!!
(6)
أما الآية ( 110 ) التي تبدو معترضة وفي غير سياقها فإنها تُذكِّر بعدد كلماتها 22 كلمة أن وعْـد الله في الاخِرين سيتحقق بإذنه تعالى في 22 سنة من بدء اتباع القرآن بصدق.
(7)
أمّا الآية الأخيرة من سورة الإسراء فالخطاب فيها للرسول نفسه في الاوّلين ولِكلِّ مُمسِّك بالكتاب ممَن يتأسّى به في الإيمان بما أُنزل اليه من ربه قُرءاناً واتِّباع ما أُنزل اليه واليهم من ربهم قُرءاناً .. كذلك في الآخِرين :
( آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ .. {285} )البقرة .
( المص {1} كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ {2} اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ {3} ) الاعراف .