الصَّفعَةُ ... ثم سرعَان مَا وجدَ نفسه وجهاً لوجه مع مَا اجتهدَ في طمسَه غاية الاجتهاد، وسعَى إلى مواراته بسَعي حثيث منذ زمن صَار يحسبه اليوم بعيداً، ولم يقصر في غصب الذاكرة وإكراهها على نسيانه، فظنَّ الوجْه الكَريه لديْه، وقد انتصبَ أمامَه متحدياً، غيمَة عابرة، وحلم يقظة خاطف مصيره إلى زوَال واندثار، كمَا هوَ شأن ومآل أضغاث الأحْلام ...
كيفَ لهذا الوجْه المَمقوت في تقديره الخاطئ أن يثبت له قرار، وأن لا يتلاشى ويضمَحل سريعاً، وقد حكَم عليه بالمَوت في مَا سلف من حياته، بعد أن توهم إلقاءه في بئر النسيَان العميقة؟
ثمَّ أنَّى لذاكَ الوَجه أن يبعث حيّاً من جَديد، وقد عده متوهما من الأموات الذين عفا عنهم الزمَن؟ ...
بقيَ الوَجه المغضوبُ عليه من قِبلهِ ماثلاً أمامه كعَلم منصُوب، وظلَّ ملازماً له كظله لا يفارقه لحظة واحدة، فخيل إليه وكأن يداً صلبة خشنة قد امتدتْ إلى خدِّه الأيسر بصفعة قوية، كادَت أن تكون سبباً في إزهاق رُوحِه، وعلة كافية لاختفاء جسَده وذهَاب أثره ...
أحسَّ بانقباض شديد في قلبه، وبضيق الأنفاس في صَدره، وبثقل كجلمود صخر أطبق على سمعه وبصره، فانتابه الخوف ممَّا ألمَّ به فجأة، ولمْ يجد حوله عوناً على خلاصِه منْ ذاكَ الوَجْه الذِي بَاغتهُ، وَلمْ يَعثرْ بيْنَ يدَيْهِ على مَا يدْفعُ به آثارَ تلكَ الصَّفعَةِ ... د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي السندباد