صُندُوقُ البَريدِ ... فمَا إنْ يبلغ صوتُها المُميز المألوف لدَيه سمْعَهُ، حتى ينبعث متأهباً من مكانه، وكأنه تنبه إلى مَا لم ينتبه إليْه من هم بالقرب منه، أو كأنه تلقى إشارة لا يفهم أحدٌ مَا تدلُّ عليه سوَاهُ، ولا يفقهُ مدَى تأثيرهَا في نفسِه غيرُه ... يقتربُ الصَّوتُ شيئاً فشيئاً، وقليلاً قليلاً يزدادُ قوة ووضوحاً، وَكلمَا دنا مِن سَمعِه واشتدَّ، تسَارعتْ خفقاتُ قلبه، وَانتابته حَالٌ لا يدَّعي انفراده بها، ولا يزعم أنها وقف عليه، إلا أنه لا يملك لهَا تفسيراً أو تأويلاً ... ثم إن ذاك الصَّوت الزائر في كل يوم مرة واحدة، قد يقف مليا أمام باب البيت الذي يسكنه وقد لا يقف، وقد يصاحبه طرق على الباب، مرفوقاً بكلمتين لا ثالثة لهما، يعلن بهما صاحبهما عن طبيعة عمله، وقد يمكث ذات الصَّوت وحيداً دون طرق باليد وإعلان باللسَان ... سَاعي البريد .. عبارة يجد لهَا في أذنيه نبرة مميزة، ويعثر لهَا في نبضات فؤاده المتسارعة المتسابقة على أصدَاء محببة إليه، فمَا إن تمتد يدُه لتُلقي بأصَابعها نظرة على ما جدَّ في باطن الصندوق الخشبي منْ جَديد، مِمَّا ينتظره ويترقبه، أو ممَّا قد يفاجئه، حتى تلحق بهَا عيناه دون إبطاء، لعَلها تفوز بخبر سَعيدٍ ... د. عبد الفتاح أفكوح - أبو شامة المغربي السندباد