في روايتها ممرات الانتظار.. شوق حارق.. تقف ازدهار الأنصاري طويلا أمام مراياها الداخلية, تناجي المرأة الأخرى الساكنة فيها, وتمارس البوح في ذروة النزف, لا تملك غير الصدق الصافي دونما رتوش أو أصباغ.. عارية أمام ذاتها مع بطلة روايتها أحلام/ الراوي العليم تارة, والمحايد الراصد تارة أخرى.. تتداعى بعفوية محسوبة, وتقف عند بوابات البوح, حذرة مثل قطة تكتشف الظلام من حولها مرة, متدفقة مرات مثل شل الهادر, متماهية مع واقعها في مدينتها بغداد المدمرة.. تعيش الموت تلو الموت, تحترق وتنهض من رمادها كما العنقاء وتطير نحو الشمس.. تقتفي اثر حبيب لاح في حياتها عند هجعة موت وأخذها إلى الحياة من جديد, فتحيا به, ولأجله وتعيد اكتشاف ذاتها على مرايا من فضة خالصة!!
ازدهار الأنصاري المرأة/الشاعرة, تلوذ بلغة هامسة, وتعترف بجرأة حارقة مثل دموعها التي تفيض على جوانب التجربة مثل نهر متدفق, فتنطلي الحالة على القارئ بين ثلاثة نساء يمارسن الشهيق والزفير في آن واحد, وتضفر من التجربة الشخصية والألم الجمعي وتوترات السياسي الضاغط جديلة تحيل الواقع المعاش إلى واقع فني, وذلك من خلال تداعيات هي الأقرب إلى إنثيالات وتدفقات الخواطر, تعبر بها إلى الحلم بغد آتٍ مع حبيب ظهر فجأة قبل رجفة موت, وهي التي عاشت رحلة طويلة مع مرض عضال ضاعف عمرها ألما وعذابا.. فنراها تهرب من حالها إلى حال مدينتها التي طالها الخراب والموت والاقتتال واضطراب المعايير وتدمي القيم الراسخة التي أسستها حضارات ما بين النهرين..
الحكاية في الرواية ربما تحدث كل يوم وفي أكثر من مكان, ولكن الفن يجعل من العادي اليومي نافذة للوصول إلى أعماق البطلة, فيبدو صدفة صادمة..فالبطلة أحلام وبأعراف المجتمع تتزوج وهي طفلة, قبل أن تعتريها دهشة نضج الأنثى, وقبل أن يمور فيها صهيل الشهوات وضجيج الرغبات.. وعندما تصل إلى ذروة ريعان اليقظة تصبح جدة ولها أحفاد, فتقف أمام ذهول الخسارة والفقد مع جسد عليل أكله المرض وسحب منه بعض أعضاءه, وقذف بها لفترات طويلة على أسرة المشافي, وانتظار نتائج التشخيص والتحليل ووصايا الأطباء, وقرارات العلم الصارمة التي لا تعطي أملا حتى في التداخل الجراحي, في حال حدوثه خارج البلاد وتوفر جمعية إنسانية تتحمل تكاليفه الباهظة!!
هل يتوقف الأمر عند ذلك والأبواب موصدة, والموت يقف على مرمى شهقة غيبوبة طارئة؟؟
لكن أمرا ما يحدث!
كالصدفة يأتي أو الشهاب في ليل مغمس بالعتمة والدموع.. حبيب يتواصل معها من خلال ما تكتب, يلتقط نبضها وينتمي إلى وجعها.. يختزل الجغرافيا ويقبض على الزمن على شاشة الحاسوب أو على أثير الهاتف النقال, ويشحن نبضها بطاقة جديدة, يعطي لحياتها مذاقا آخر..
ذلك الأحمد الذي يقرأها فيقرأ ذاته المنفية داخل وطنه, على بعد آلاف الأميال يعثر على قرينة روحه, بعقله المتوقد, والمحقون في ذات الوقت بأمراض غيرة الرجل الشرقي وشهوة الاستحواذ غير المبرر..
تتداعى بطلة الرواية أحلام مع حالاتها اليومية عاشقة مذعورة من نهاية مؤكدة, ولكنها تؤجل الغياب من اجل حبيبها الذي يحلم بلقاء على ارض الواقع, وهنا يلح السؤال حول الوقت العربي الراهن:
هل للحلم مكان على أرض العرب؟ وكيف يحصل العشاق على فسحة من فرح, في واقع خُربَ بفعل أكثر من فاعل مما كرس القتل من أجل القتل كظاهرة يومية, وكرس الفقد قدرا يتربص..
فهل الغياب بشهوة القتل يوازي الغياب بفعل التداخل الجراحي,, وهل تعكس حالة البطلة أحلام حال المدينة بغداد التي فقدت معالم جمالها..
هل هذا سؤال المؤلفة بعد وشائج ربطت بين حبيبين على بعد, كما يبدو في روايتها الهامسة المراوغة بين السكون والصراخ, أم هو العري أمام مرايا حزينة ترصد جفاف الدموع في المآقي, كما ترصد الذهول لدرجة الغياب عن الوعي!!
في اعتقادي أن ازدهار الأنصاري, تهرب بكامل الوعي لاكتشاف طاقة مخبوءة في القلوب, ترضع من وهج الحب الإنساني السامي, أملا في صياغة الحياة من جديد, وجسر هوة الفراق, وجعل المستحيل ممكن التحقيق...
وهذا ما جعل البطلة أحلام تستجيب لنداء القلب, وترفض مغامرة التداخل الجراحي المحكومة بالفشل, لتعيش حلمها بطاقة جديدة..
فهل في ذلك بعض أمل؟
ربما المخبوء بين ثنايا الرواية التي تبدأ بالنزف وتنتهي بالنزف, ما يفتح بوابات أسئلة أخرى!!
غريب عسقلاني
غزة- فلسطين
1/2/2010
التوقيع
صرتُ لا أملك إلا أن أستنطق بقاياك .. لعلها تعيد إليّ بعض روحي التي هاجرت معك..
في دنيا أحلام متاهات ودوامات.. أوجاع وآلام.. بعضها قدر, وبعضها من صنع البشر..! في خضم حياتها تاهت في دروب كثيرة باحثة عن الحب، والأمان، والحنان..
طفلة كانت حين أصبحت أما.. وامرأة في الخريف حين تنبهت إلى ضياع العمر واستنزافه لكل طاقاتها..!
وأحلام بطلة هذه الحكاية كان حلمها دوما حبٍ يملك عليها جوانحها.. ولم تكن تدري أن نهاية البحث المستميت الذي وسم مسيرتها, قد رسا في ذلك المرفأ, الساكن بهدوء العطاء طورا, وطورا آخر المجنون باحتراق تجارب مرت عليه, فبات ملتهبا كبركان لا يهمد!!
تبدأ الحكاية من هنا.. وستظل مفتوحة في سرد متواصل وعلى أسلوب الخاطرة لتعلن أنها الرواية الثانية للكاتبة..
كان اختيار العنوان محض صدفة تكامل مع مقياس العطاء المبذول في تلك الممرات المتعرجة تارة، والمستقيمة تارة أخرى في انتظار مرير لأشياء كثيرة أولها الحب وأخرها الأمان..!!
ازدهار سلمان الأنصاري
7 – 1 – 2010
/
/
التوقيع
صرتُ لا أملك إلا أن أستنطق بقاياك .. لعلها تعيد إليّ بعض روحي التي هاجرت معك..
في انتظاره المعتاد راحت تبحث بين رسائله, عن ذلك الرجل الذي استطاع أن يغزو قلبها ويخرجها من عزلة فرضتها عليها الأقدار..وفي عزلتها شيء من الاختيار..
في أول لقاء لهما كانا مرتبكين, لا يعرف أحدهما الأخر إلا من خلال حروف رسمها كلاهما على الورق.. وتكررت اللقاءات.
في تلك الليلة لم تنم.. كيف تنام؟ وهي تتهيأ إلى من كان سبب انتظارها الدائم.. تعيد كل مفردات اللقاء وتعوم في فيض من الإعجاب وشيء من الحب..
- أحلام.. لماذا تحبيني وكيف..؟
هكذا فاجأها ذات مرة بسؤال اعتبرته غريبا, ولأنها توّخت الصدق سبيلا في حياتها, ردت ببساطة..
- أحببتك من خلال حروفك قرأت سطورك وعرفتك..
تساءل مستغربا:
- وماذا عرفت..؟
-عرفت أنك الرجل الذي ابحث عنه.. عرفت أنك القيمة التي أصر على تواجدها في الكون.. شعرتك مختلفا جدا.. وهذا ما بهرني بك..
ألقت ما في يديها من رسائل ووسدت خدها على يديها وأخذت تحادث نفسها:
"هنا قبلني أول مرة..!! "
تمسد خدها تتلذذ بعبق تحسه ممتدا من خلال الذكرى.. منذ متى يعرفان بعضهما؟
هاهما يدخلان على عام جديد ..سنة بدأت في يوم سعيد.. تغمض عينها تفتحها تنظر إلى الساعة, مازال هناك وقت لمجيئه.. لن يأتي قبل ساعة أخرى..
كم هو ممتد وطويل وقت الانتظار حين يزحف فيه الشوق واللهفة كلهيب يشتعل في الروح باحثا عن وليجة يخرج من خلالها فيعبق الأجواء بالجوري والياسمين..
كان اليوم نهارا سعيدا للجميع.. فقد تمت خطبة ابنة أحلام لقريب لها.. وعاشت أحلام فرحة مستبشرة أنها أتمت رسالتها أخيرا, وأنه حان الوقت لتلتفت إلى نفسها, رغم مشاعر الحزن والشجن فالطفلة كبرت وستنتقل إلى أحضان غير أحضانها.. كم كان شوقها الأحضان لأحمد غامرا..!! كانت بحاجة إليه ليسد أبواب تهجم من خلالها عليها الوحدة والوحشة..
كيف تقضي وقت الانتظار؟
جلست أمام حاسوبها وراحت تكتب.. وتكتب:
" بي شوق يأخذني إليك
وبي لهفة أن أجثو بين يديك
بي عشق يغمرني قلقا عليك "
تنظر إلى الساعة تخاطبها:
متى يحين الوقت متى..؟
الشوق أضناني إليك
تقبل الكلمات التي كتبتها وتقرر إرسالها له في رسالة عابقة بالعشق والشوق والوله والوجد والغرام.. تسمع دقات قلبه تتخيله وهو يبتسم حين يمسك بالرسالة كي يقرأها تحسه يقول:
- أيا حبيبتي ومهجة روحي وحبي الكبير, كم أعشقك أنا كوني بخير كي أكون بخير..كلانا باحث عن الحب والأمان.. كلانا يكمل الأخر..
تغمض عينها على ابتسامته وتطبق جفنيها كي لا يغادرها..
وتستمر في الانتظار..!!
/
/
التوقيع
صرتُ لا أملك إلا أن أستنطق بقاياك .. لعلها تعيد إليّ بعض روحي التي هاجرت معك..
منذ عرفته أضاعت دوربها في النهار, وسكنت دروب الليل الذي كان كثيرا ما يوجعها بأنين المرض والوحدة.. الآن صار الليل بستان عشق لا ينضب..
في أيامها الأخيرة اختلطت عليها الرؤى, وصار حتى النهار ليلا أخر تعيش فيه لأجله.. لا تأبه بالأطباء الذين يؤكدون أن حياتها باتت قصيرة..وأنها تذوي رويدا.. رويدا..
" ..حياتك مهددة بخطر الانسلاخ عن الدنيا.. والموت قاب قوسين أو أدنى..!!!"
تصرخ مستنفرة كل طاقاتها رافضة تشخيصاتهم.. لم يكن يؤلمها سوى وجع أحمد لو حدث واضطرت للرحيل.. تصرخ:
- لا سأهزم الموت, لن اترك حبيبي يجتر مرارة الألم وحيدا..! أنا سأعيش لأجله وسأبقى..
تنظر إلى المرآة تبحث عن تجاعيد المرض العضال الذي يصر على مواكبة مسيرة عمرها.. تكتشف أن أحمد خلفها هناك ينتظر.. يكتب يبعث بحنينه عبر الأثير إليها.. تهتف:
- ااااااه أحمد أخيرا جئت؟ كم كان الانتظار مشبعا بالقهر.. الوحدة تأكلني بعيدا عنك..
-حبيبتي هي الظروف التي تعرفين واقدارنا بيد غيرنا.. أخبريني حبيبتي كيف تشعرين..؟؟
-بخير مادمت معك.. مادمت أراك.. مادام قلبي يلتهب عشقا بك.. كيف أنتَ؟
- بخير مادامت حبيبتي بخير..
- تأخرت كثيرا في المجيء وفاض بي الوجد إليك..أحبك يا أنا..
- أنا أكثر..
- بل أنا أكثر أحبك بلا قيود لا أمكنة ولا أزمنة تحدد حبي لك..
- أنا احبك أيضا بلا حدود أو قيود..: عشقك يملأ قلبي آه لو أني أصبح طيرا فأهاجر إليك وأحط في أحضانك..
- هل تذكر حين كنت تحبني بحجم المحيط وكنت احبك بحجم الكون وكنت أقول لك أنا أكثر فتقول احبك هكذا الآن من يدري..!!
- نعم من يدري حبيبتي..!
- ما بك يا أغلى من حياتي..؟
- أتوق لأن أعيش حناني وحبي الذي بحثت عنه ووجدته في أعماق، وشغاف قلبك..!
- أحمد..!
- عيونه..!
- احبك..
- اعرف ولكن لماذا لم تقولي من قبل..!!
ابتسامة ساحرة تغمر وجهه.. تتعلق نظراتها فيه وبابتسامة جذلى تقول:
- هكذا إذاً عدت لاستفزازي..؟
-اعشق جنونك الذي يفجر جنوني..
- الوقت يمضي سريعا لم أرتوِ منك بعد
-ولا أنا ولا أنا حبيبتي..
- هل سأراك الليلة..؟
-حتما وقطعا ولابد.. قد أتأخر لكني سأجيء مؤكدا
- احبك
- احبك إلى الأبد وما بعده
- احبك حبيبتي ومعشوقتي وأميرتي كوني بخير من اجل احمد كي أكون بخير
- نعم حبيبي لأجلك فقط وفقط سأكون بخير
/
/
التوقيع
صرتُ لا أملك إلا أن أستنطق بقاياك .. لعلها تعيد إليّ بعض روحي التي هاجرت معك..
- عليك بمراجعة المستشفى كل ثلاثة أسابيع يا أمي, لابد من إجراء فحوصات دورية لنعرف مسيرة الورم..
- مللت يا أولادي, مللت ما الفائدة من فحوصات تقف عند حد التداخل الجراحي!! إلى متى أظل تحت رحمة هذا الوحش الذي يقض مضجعي ويحرمني السعادة.؟.
ماذا افعل..؟
كيف للزمن أن يظل ثابتا متكاملا.. هاهو يلملم أشلاءها في هودج على ظهر جِمل في الصحراء يسير.. وللحب في عرفها عمق بركان لا يهدأ, لقاءاتهما المتكررة والتي كان أحمد شديد التمسك بها باتت تثير عنده توق لا يحتمل.. يريدها ولكن كيف؟
حتى هو لا يدري..!
-اسمعي حبيبتي.. اكتبي لي دوما فأنا لا أستطيع الاستغناء عنكِ أبدا..
تكتب أحلام وتكتب وتزهو مشاعرها بين الحروف وتعلن له في كل مرة عشقها الذي يستعر في دواخلها كبركان مشتعل بوهج الحب والشوق.. لا يهدأ.
تشتعل كي تنير له الطريق تتألم تتوجع تصرخ.. آه..ويسمعها يبكي لأجلها.. تقاوم بسلاح الحب, تنجح تارة وتفشل تارة.. غير أنها وفي غمرة عشقها الذي ملك عليها كل شيء لم تنتبه إلى أن احمد بات ينزعج من لجاجتها.. لم يعد شغوفا بها..تتساءل؟؟ كانت مغرمة به حد الثمالة.. لكنه لم يعد مشوقا بها على نحو نهائي, فثمة أعماق في الهوى يغدو المرء فيها غير مكترث, وكأنه يحتاج منها أن تذكره بأنه قد يفقدها في أية لحظة.. لم يعد الألم مقتصرا على أوجاع الأورام المنتشرة في الجسد, بل تجاوزها إلى قلب أصابه البوار والتعب فصارت دقاته بطيئة مشلولة الحركة, في الوقت الذي كان فيه احمد يفكر في طريقة لاحتواء الحب الذي بدأ يشك بأنه ينفلت من بين يديه.. في ذات الوقت تظل أحلام تداعبها أمنيات لقاء يجمعهماا في مكان ما..
-لم تعد تكلمني عن لقائنا المرتقب.. ترى هل يئست من حصوله..؟
- ليس يأسا لكنه الآن في حكم المستحيل!!
المستحيل الذي تقارعه دوما, ها هو يفرض هيمنته عليها مجددا,, وفي لب القلب.. ليظل الانتظار والرغبة بعض أمل يحتويه السراب فهل يصبح واقعا يوما ما ..!!
/
/
التوقيع
صرتُ لا أملك إلا أن أستنطق بقاياك .. لعلها تعيد إليّ بعض روحي التي هاجرت معك..
كانت أحلام نزيلة أحد المستشفيات على مدى سنوات, كان مستشفى تخصصيا لجراحة الأورام, في ظرف كان البلد فيه يعيش مأساة الانهيار, والاحتلال واختلاط الحابل بالنابل, وضياع القيم والمبادئ .. كانت ترقد هناك في تلك المستشفى باحثة عن علاج ..عن أمل قد تأتي به إحدى اللجان الطبية التي غزت البلد دون فائدة ترتجى.. فحالتها مكلفة وخطرة للغاية، ولا احد يملك الجرأة في إجراء تداخل جراحي يقتلع الجزء المصاب فالأورام تكاثرت فوقه, ولا بد اقتلاعه وزرع جهاز سليم, وهو أمر صعب ونسبة نجاحه 1% فلا يجازف بها حتى طبيب مبتدئ.. خاصة وأنها اقتلعت الطحال وثلاثة أرباع البنكرياس والرحم و..و.. و
***
وتزداد معضلتها اتساعا فتصاب أحلام بجلطات دماغية قلبية, ويضمها السرير طوال هذه السنوات .. وبكثير من الصبر والجهد وعذابات الوجع عادت تحرك يدها وقدمها, غير أن فرص التخلص من الوحش الكامن هناك بين الأحشاء تتضاءل.. تسلم أمرها إلى الله.. تعود لممارسة عشقها القديم..الكتابة وهذه المرة على الشبكة العنكبوتية تحاول قدر إمكانها ألاّ تختلط بأحد.. تبتعد عن الجميع حتى لا تضطر للإجابة عن سر حزنها..!! فجأة! تنبهت إليه سحرها بعبير كلماته, وقوة حجته وتحليلاته الصائبة, فانجذبت نحوه, وفي ذات الوقت كان هو يتابع بعضاً مما تكتب فأعجبه فكرها على الرغم من الحزن البادي فيه، وهكذا بدأ تعارفهما.. لكنها الباحثة دوما عن الحب لم تتوقف عند حد التعارف قررت الوصول إليه.. أصرت على الدخول في صومعته, واختراق حدوده كانت تعرف أن لا وقت لديها للانتظار فالأيام محسوبة ومعدودة.. وفاجأته حين أرسلت إليه برغبتها التعرف, وما أدهشها هو عدم استجابته لها..!!ومر يوم واثنان ولكن في اليوم الثالث وردتها رسالة منه تؤكد استعداده للتعرف هو أيضا وكان اللقاء الأول..!!!
***
منذ الصباح وأحلام لا تملك القدرة على التفكير.. دوامة جديدة تغرق فيها وهي تحاول الخلاص من الوجع الذي يمارس سطوته عليها بلا رحمة.. غدا موعد إجراء تداخل جراحي أخر..تفكر ماذا لو توقفت حياتها هنا ماذا سيفعل احمد..؟
كيف سيعيش وهو المرتبط بها بكل جنونه وعشقه على الرغم من لحظات اللامبالاة التي يظهرها بين حين وحين..
سكون ووجوم يحيط بالأولاد وبكاء خفي ينسل من بين السطور..
تتصل أحلام بطيبها المشرف على وضعها الصحي يصرخ بجنون:
" ولماذا الآن.. لا تجري العملية إن فيها هلاكك.. استمعي إلى صوت العقل قلبك لا يحتمل والورم لم يتحرك من مكانه لا تتحرشي به.. لا تقتلي نفسك..!!"
تبكي وتخاف, وتصاب بالرعب ويصر الأولاد على عدم إجرائها.. والفرصة لا تتكرر مرتين:
- أحمد وحده من سيقول لي ماذا افعل ولكن أين هو أين هو؟؟
يا رب.. لماذا أرى دموعه منثالة على خديه؟؟ أريد معونتك احمد ساعدني لا املك القرار.. وكأنما يشعر احمد بضياعها في تلك اللحظات, فيرسل إليها رسالة تطمئنها عليه لكنها لا تملك غير رد واحد ترسله إليه:
"أعّني وكن معي.."
يلتقيان عبر السطور وبين الحروف تكتب إليه بدموع تغرقها, عما حصل وهو صامت منتظر أن تتم حديثها.. ليكون رده مطابقا للآخرين..
تصر أحلام إنها فرصة تنتظرها منذ سنوات ثلاث لعل فيها الخلاص من هذا الداء.. ويصر احمد أنها إن فعلت ستلقي بنفسها في التهلكة..
تسألها حفيدتها الصغيرة:
- جدتي لماذا تبكين أنا أيضا مثل بابا أريدك معنا فلا تذهبي إلى الطبيب..
اللعنة ترتبك كل الخطوات وتعود إلى نقطة الصفر..!
/
/
التوقيع
صرتُ لا أملك إلا أن أستنطق بقاياك .. لعلها تعيد إليّ بعض روحي التي هاجرت معك..
في لقائهما الأول كانا مرتبكين يتحدثان في موضوعات مختلفة متشابكة يحاول هو الاستماع إليها وتنصت هي بشغف لحروفه المتساقطة أمامها يدخلان معترك السياسة فتعجبه أفكارها وتسعد هي وتخاف عليه..! يتحدثان في الصداقة في الكتابة في الحرف ويمضي الوقت سريعا ..سريعا جدا ويضطران للمغادرة على أمل لقاء مقبل..!!
***
- حبيبتي كم أشتاقك لماذا تتعبين نفسك وتهلكيني..؟ هاهم ثلاث أطباء يحذرونك من العملية فلماذا تنتحرين ولمن تتركيني يا غالية لمن..؟
تبكي أحلام وهي ترى دموعه نازفة بصمت لا تدري أين تتجه وماذا تفعل ومن يقف إلى جانبها في إجراء هذا لتداخل المجنون الذي, أما أن ينهي حياتها وأما أن تعود كما كانت أحلام حلم الدنيا..!!
كثيرا ما يتغيب عنها وألف عذر وعذر تأتي به الأيام محاولة منحها الصبر.. لم يعد يتفهم ما تريد ولم تعد تستوعب سبب اختلافه..
تارة هو يبحث عنها متألقة مغرمة عاشقة وأخرى يثير في نفسها التساؤلات فيما إذا كانت هناك امرأة أخرى..!!
يؤكد أنها هي وحدها في شطر القلب الأيمن, وكل من حوله في شطره الأخر لا يريدها أن تمتد إلى ذاك الشطر وإلا تضاربت أموره كلها تتساءل:
- ماذا فعلت ولماذا يزعجه أني أحبه بكل هذا العمق..؟؟
يحاول إفهامها أن الأمر لا يزعجه لكنه بات يخنقه ويستفزه.. تتساءل:
- هل ابتعد عنك.. هل يريحك أن أمضي وحدي؟؟
ينتفض غاضبا:
- كيف ولماذا ومن قال لك كل هذا أنا فقط أريد استعادة توازني..؟
- ماذا افعل..؟
- كوني كما أنت..!
- وكيف أكون كما أنا وأنت لا تحتمل ذلك..؟؟
تتسم لقاءاتهما ببكاء حارق.. أحلام تذرف الدمع سخينا.. يتساءل:
- لم تحبين البكاء, أين ابتسامتك الساحرة..؟ وكأن حبي لك لا يمنحك بعض الفرح..؟؟
تهرب إلى داخلها في نشيج عنيف.. تتمتم بصوت خفيض حتى لا يسمعها
" هل أقول أني صرت ابحث عن حبك لا أجده..؟؟ لا أرى أمامي سوى صور بلا حياة.. تغيرت يا قلبي وتبدلت ليتك تنظر إلى نفسك قبل أن تنظر إليّ.. ابحث هناك في قلبك عني فإن وجدتني اسكن فيه بكل الهوى والشوق والحب سأعترف لك حينها أني أخطأت التقدير وأن شوقي الكبير إليك هو سبب ما نحن فيه..!!"
تتحامل على مشاعرها وتخبره أحلام بأنها عرضت الفحوصات على طبيب أخر ولا تدري ماذا تفعل الطبيب يرفض إجراء الجراحة وهي حائرة يعلن بقوة وعنف عن رفضه..
- لا.. لا إنك تريدين الانتحار ماذا ستفعلين بنفسك وبي..؟
الحب في سنوات الخريف عشق مجنون وهوى لا يحتمل الانتفاضات, يؤمن فقط بالحلول المنطقية فهو ليس كالربيع فاردا ذراعيه متحمسا للحياة .. يظل تحت حكم العقل بين الحين والآخر يتلبسه بعض من القلق والشجون.. يطلق تساؤلاته ببكاء حارق.. يؤلمها ألمه هل هي شفقة عليها أم انه هو الحب قد عاد مجددا إلى قلبه واستفاق ليضمها إليه..ويقضيان ليلة عاصفة بالحب في انتظار غد به من الأحداث الكثيرة..
ولكن هل تراه عاد إليها أم انه بعد لم يستوعب غيابه عنها..
وتنسدل الستارة على دموعهما.. ويغادرها بهدوء وأمل في العودة إليها قريبا فهو لا يملك الابتعاد عنها.. ولكن..!!
/
/
التوقيع
صرتُ لا أملك إلا أن أستنطق بقاياك .. لعلها تعيد إليّ بعض روحي التي هاجرت معك..
واستمرت لقاءاتهما.. وذات ليلة لم تملك القدرة على الانتظار والصبر فقالت له:
-أحمد..!
وصمتت قليلا.. وسكت منتظرا ما تريد قوله.. كررت:
- أحمد أنا أحبك
ساد الصمت بينهما فوجئ أحمد بمشاعرها نحوه.. وتساءل هل يبادلها هو تلك المشاعر..؟ ظل صامتا فانبرت تقول:
- آسفة..!
قال بلهفة:
- ولماذا تأسفين؟
- في عرف مجتمعنا الشرقي لا يجوز للمرأة قول مشاعرها عليها أن تنتظر ما يقوله الرجل وما يعترف به ..
- نعم المجتمع الشرقي هكذا, ولكني رجل مختلف
- ماذا تعني؟
- أعني أني أشكرك ولكني لست مهيئا الآن لهكذا تجربة..أنا اعتز بك واحترمك أما حكاية الحب لم أفكر فيها.. أنا أتحدث بصراحة
- وأنا اشكر لك صراحتك
أردفت قائلة:
- هل سنلتقي غدا
- بكل تأكيد وما يمنعنا السنا صديقان حميمان
- نعم نحن كذلك وأكثر
صمتت وفي داخلها غصة وعبرة وخوف من استعجالها للبوح, ولكن ما كان قد كان وحصل..!!
***
بأي عقل وأي قلب وافقتك على ما أردت اشعر الآن أن قطعة من كبدي قد اقتطعت.. لماذا وافقتك على فكرة طرحتها أنا كي احتفظ بك..
مالي أشعر أني فقدتك.. يا لهول ما أشعر به..!!
ظلت أحلام تشعر بجنون يعصف بها, واختناق لم تعد بسببه قادرة على التنفس.. هكذا وببساطة شديدة بدأ بتنفيذ خطة الاستعادة.. خطة عودتهما كما كانا في بداية لقائهما..
- آه أحمد هل حقا بت لا تطيقني؟ أتراك ضجرت مني كيف..؟
وأين ذهب حبك..؟
شعر أحمد أن حب أحلام بات كسلسلة تحيط بعنقه تخنقه.. تقيده تمنع عنه الهواء..!! منحته الحب جرعة واحدة فغص بها.. ولم يحتمل..!
اتفقا على هدنة, يستطيعان من خلالها الإبقاء على وهج الحب الذي كان.. وافقته خاضعة مستكينة والخوف يملأ جوانحها أنه تغير..
- أتراني ما عدت أرى..؟ ألا أحس نعم انه تغير لم يعد ذاك الذي كان حين أغيب عنه لحظات يظل باحثا عني بجنون، وحين يشعر بأن هناك من يتحرش بي يغضب ويغار ويظن ويجن ماله تغير هكذا..؟!!!
- حبيبتي لم أتغير لكني لم أعد قادرا على مسايرة حبك لي حبك يقيدني يفقدني حريتي يجعلني دائرا فقط في ملكوتك أنت انه يمتد ليأخذ مكان الآخرين..
- وهل ذنبي أني أحبك.. أعشقك..!! هل أخطأت حين أحببتك بكل هذا الجنون فما عدت أرى سواك ولا أتنفس سواك ولا أعيش إلا لأجلك..!! إن تركتني فلمن أعيش؟
- ومن قال أني أتركك أو أتخلى عنك حبيبتي..!! إنها فقط فترة هدوء بيننا كي نستعيد شوقنا ونحافظ على حبنا من الانهيار
- كيف ينهار بعد كل هذا السكون، والرعاية، والحنان، كيف ينهار..؟
تصرخ أحلام بصمت يفجر جوانحها.. تحاكي قلبا احترق باشتعالات الحزن..
أيها الخافق في صدري.. كف عن النزف فما عدت احتمل.. ليس بيدي غير انتظار ما سيحدث.. ما ستسفر عنه تلك الهدنة التي ذبحت بها نفسي من أجلك يا أحمد فهل ستكون هي نهايتي..؟
ليتني.. اعرف ليتني..!!
/
/
التوقيع
صرتُ لا أملك إلا أن أستنطق بقاياك .. لعلها تعيد إليّ بعض روحي التي هاجرت معك..
تُدرك تماما أنها تعوم في لجة من الخيبات الجديدة.. وتُدرك أيضا أنها قد تنتهي في لحظة ما.. وتُدرك أن لا فائدة ترتجى ولا سبيل قد يعيد لها السكينة.. لكنها تظل مصرة على المعافرة والعراك والصدام مع الحياة.. ترى.. كم تعاني..؟؟
لعله يدري..! لعله يهتم..! لعله يعرف أن بإمكانه تخليصها مما تعاني..! لكنه يصر على كتم أحاسيسه بانتظار شيء ما..!
تمتزج خلايا الفكر وتدوي في فضاءات مبهمة قصة نقيضين التقيا في سلم متوازي العتبات في منتصف الطريق..
كلاهما ما كان يدري أنه سيرتبط بالآخر..!
كلاهما ما كان يدري انه سيعشق الآخر..!
كلاهما ما كان يدري أن النهاية حلّت بينما هما يصعدان السلم.. هل كان صعوداً مسرعاً نحو الهاوية!!!!.
كلمات لا تشبه بعضها.. ليس لديها انتماء لصفقة الحياة فاللعبة أكبر من أن تدركها هي أو هو يدركها..!!
ثلاثة أيام مرت لم تره لم تسمع عنه شيئا سوى مقتطفات من الحكايا يؤكد فيها لها عبر الرسائل انه لم يتبدل لم يتغير..
تغوص عميقا في وجع يصر على انتهاكها فتصرخ ودموع حارقة تنهمر:
" أحمد احبك.. لا تفعل هذا بي لا أستطيع فراقك, الألم يمزقني فلا تكن معه ضدي.."
تقع في غيبوبة أخرى ويحضر الطبيب, وذات الكلام يعاد في كل مرة وإلى أين أيتها السنون الكالحة ..؟
هاتف يطلق عنان أغنيته الله معك يا هوانا يا مفارقنا حكم الهوى
يا هوانا وافترقنا..فيروز تؤرخ الرسالة بصوتها الجميل وكلمات تبعث الحياة مجددا في روح أحلام..
حبيبتي انتظريني الليلة أنا قادم اشتقتك يا حبي الكبير.. اشتقتك كثيرا..
ياااه تشعر بقلبها يرقص فرحا على الرغم من الأسى المحيط به
تبدأه بلهفة حارقة:
- يا حب عمري كيف لي أن اخترق عمق المسافات إليك..!
-حبيبتي حين يحين وقت الأصيل ستجديني هناك على شاطئ الحب أنتظر.. قد تأتين إليّ يوما..
- حبيبي ترى كم من الليالي لم تصمد بدوني..؟
- وهل تراني أحصيتها؟ كانت كثيرة حدا لم أستطع تذكر عددها..
- أنا أحصيتها فوجدتها عمرا كاملا ضاع في الانتظار.. قال: هل تحبينني؟
- هل أحبك؟؟ وهل أملك غير حبك..؟
- إذاً لماذا لم تعودي تسألين..؟ لماذا تلاشت غيرتك منها..؟ لماذا؟
- لم أعد أملك منك سوى ليالٍ تمرني فيها ثم تغيب عني لأظل أجتر الذكريات..
- أميرتي.. أنت حبي وعشقي الذي لا ينضب.. مازلت أنا هو..
- شطر قلبك وجسدك تحتله امرأة أخرى..
- قد تحتل جسدي امرأة أخرى لكنك يا ملاكي حبي وعشقي الأبدي.. أنت روحي التي في الجسد..
- روحك الآن مشتتة بيني وبينها لذا أظل بانتظارك دوما بقلق يعتري كل مساماتي..
- وماذا افعل إذاً..؟
- لا شيء.. لاشيء يا مليكي فقد فات أوان الارتداد والعودة..
/
/
التوقيع
صرتُ لا أملك إلا أن أستنطق بقاياك .. لعلها تعيد إليّ بعض روحي التي هاجرت معك..