الشرط الأول العلم :
إن لكل شيء حقيقة ، ولكل كلمة معنى ، فينبغي أولاً: أن تعلم معنى كلمة التوحيد "لا إله إلا الله" علمًا منافيًا للجهل بها ، في النفي والإثبات ، فهي تنفي الألوهية عن غير الله تعالى وتثبتها له سبحانه ، فلا معبود بحق إلا الله. ومن الأدلة على هذا الشرط: قول الله تعالى:
"فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إلَهَ إلاَّ اللَّهُ واسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ" سورة محمد:19.
"شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إلَهَ إلاَّ هُوَوالْمَلائِكَةُ وأُوْلُوا العِلْمِ قَائِماً بِالْقِسْطِ" آل عمران18
إلاَّ مَن شَهِدَ بِالْحَقِّ وهُمْ يَعْلَمُونَ( [الزخرف:86.
وأخرج مسلم عن عثمان رضي الله عنه ، قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة. "
الشرط الثاني اليقين :
وهو اليقين المنافي للشك: ومعنى ذلك أن تستيقن يقينًا جازمًا بمدلول كلمة التوحيد ، لأنها لا تقبل شكًا ، ولا ظنًا ، ولا ترددًا ولا ارتيابًا ، بل ينبغي أن تقوم على اليقين القاطع الجازم. فقد قال الله تعالى في وصف المؤمنين الصادقين:
"إنَّمَاالمُؤْمِنُونَ الَذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ ورَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ" الحجرات:15
فلا يكفي مجرد التلفظ بالشهادتين، بل لابد من استيقان القلب، والبعد عن الشك، فإن لم يحصل هذا اليقين فهو النفاق، والمنافقون هم الذين ارتابت قلوبهم، قال الله تعالى: " إنَّمَا يَسْتَئْذِنُكَ الَذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ والْيَوْمِ الآخِرِ وارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ" التوبة:45 .
الشرط الثالث: القبول :
قال الله تعالى:
" إِنَّهُمْ كَانُوا إِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَسْتَكْبِرُونَ (35) وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آَلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ (36) أما المؤمنون الذين قبلوا هذه الكلمة و عملوا بمقتضاها فلهم النجاة عند الله تعالى ، وعدًا منه ، لا يخلف الله وعده:.
" ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذَلِكَ حَقاًّ عَلَيْنَا نُنْجِ المُؤْمِنِينَ" - يونس:103.
وهم أصحاب المثل الطيب ، الذين ينتفعون بما جاء به الرسول عليه الصلاة والسلام من الهدى والعلم. فعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم- قال:
"مثل ما بعثني به الله من الهدى والعلم ، كمثل الغيث الكثير أصاب أرضًا ، فكان منها نقية قبلت الماء ، فأنبتت الكلأ والعشب الكثير ، وكانت منها أجادب أمسكت الماء فنفع الله بها الناس، فشربوا وسقوا وزرعوا. وأصاب منها طائفة أخرى ، إنما هي قيعان، لا تمسك ماء ولا تنبت كلأً. فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه ما بعثني الله به فعلم وعلم ، ومثل من لم يرفع بذلك رأسًا ولم يقبل هدى الله الذي أرسلت به".
الشرط الرابع : الانقياد:
الانقياد للتوحيد الذي دلت عليه هذه الكلمة العظيمة ، انقيادًا تامًا ، وهذا الانقياد والخضوع هو المحك الحقيقي للإيمان وهو المظهر العملي له .
ويتحقق هذا ويحصل بالعمل بما شرعه الله تعالى ، وبترك ما نهى عنه ، وذلك هو الإسلام حقيقة ، إذ هو: أن يسلم العبد ويستسلم بقلبه وجوارحه لله تعالى ، وينقاد له بالتوحيد والطاعة ، كما قال سبحانه: "
ومَن يُسْلِمْ وجْهَهُ إلَى اللَّهِ وهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الوُثْقَى". لقمان:22.
وأقسم سبحانه وتعالى بنفسه أنه لا يؤمن المرء حتى ينقاد لحكم الله وحكم رسوله:
"فَلا ورَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِّمَّا قَضَيْتَ ويُسَلِّمُوا تَسْلِيماً" .النساء:65.
وحتى ميول الإنسان وما يهواه ، ينبغي أن يكون من وراء ما جاء به الرسول صلى الله عليه وآله وسلم- وتابعًا له:
"لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعًا لما جئت به "
وهذا هو تمام الانقياد وغايته .
الشرط الخامس: الصدق :
الصدق في قول كلمة التوحيد ، صدقاً منافيًا للكذب والنفاق ، حيث يجب أن يواطئ قلبه لسانه ويوافقه ، فإن المنافقين يقولونها بألسنتهم ، ولكن لم يطابق هذا القول ما في قلوبهم فصار قولهم كذبًا ونفاقًا مخالفًا للإيمان ونزلوا في الدرك الأسفل من النار.
"يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِم مَّا لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ" الفتح:11. "وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ (8) يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ (9) فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ " البقرة:8-10.
وفي الصحيحين:
"ما من أحد يشهد أن لا إله إلا الله.. صدقًا من قلبه إلا حرمه الله على النار".
فاشترط الصدق من القلب ، كما اشترطه في قوله لضمام بن ثعلبة: إن صدق ليدخلن الجنة.
الشرط السادس : المحبة:
فيحب على المؤمن أن يعمل بمقتضاها ويحب أهلها العاملين بها ، وإلا لم يتحقق الإيمان ولم تكتب له النجاة ، ومن أحب شيئًا من دون الله فقد جعله لله ندًا:
"ومِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ والَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُباً لِّلَّهِ". (البقرة:165).
و علامة حب العبد ربه تقديم محابه وإن خالفت هواه ، وموالاة من والى الله ورسوله ، ومعاداة من عاداه واتباع رسوله صلى الله عليه وآله وسلم واقتفاء أثره وقبول هداه ، وهذه كلها شروط في المحبة لا تتحقق إلا بها ، و هي مؤشر على حب الله للعبد بعد ذلك .
ومتى استقرت هذه الكلمة في النفس والقلب ، فإنه لا يعدلها شيء ، ولا يفضل عليها ، فإن حبها يملأ القلب فلا يتسع لغيرها ، وعندئذ يجد حلاوة الإيمان:
"ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواه ، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله ، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار.”
الشرط السابع : الإخلاص:
وهو صدق التوجه إلى الله تعالى وتصفية العمل بصالح النية ، من كل شائبة من شوائب الشرك وألوانه.
وقد تواردت الآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة ، تؤكد هذا الشرط ، وتجعله سببًا لقبول الأعمال عند الله تعالى. قال الله سبحانه وتعالى:
"ومَا أُمِرُوا إلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ ويُقِيمُوا الصَّلاةَ ويُؤْتُوا الزَّكَاةَ وذَلِكَ دِينُ القَيِّمَةِ" البينة:5 "فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصاً لَّهُ الدِّينَ" الزمر:2
وفي حديث عتبان بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم :
"إن الله حرم على النار من قال:لا إله إلا الله ، يبتغي بذلك وجه الله عز وجل".
والآيات والأحاديث في الإخلاص كثيرة جدًا ، فهو سبب القبول عند الله عز وجل ، فلا يقبل الله تعالى من العمل إلا ما كان خالصًا لوجهه وموافقًا لشرعه .
ومع هذه الشروط مجتمعة ، لابد من الإقامة على هذه الكلمة ، ليختم للعبد بها ختامًا حسنًا فإنما الأعمال بالخواتيم ، ففي حديث مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
" إن الرجل ليعمل الزمان الطويل بعمل أهل الجنة ، ثم يختم له عمله بعمل أهل النار ، وإن الرجل ليعمل الزمان الطويل بعمل أهل النار ، ثم يختم له عمله بعمل أهل الجنة "
وفي حديث ابن مسعود رضي الله عنه ، عند الشيخين :
"فوالذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب ، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها .
وقد أمر الله تعالى بالإقامة على الإسلام والتوحيد: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ" آل عمران:102
وعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه ، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم
" من مات يشرك بالله شيئًا دخل النار" وقلت أنا: من مات لا يشرك بالله شيئا دخل الجنة
وفي حديث أبي ذر:
"ما من عبد قال لا إله إلا الله ثم مات على ذلك إلا دخل الجنة".
اللهم أختم خاتمتنا بكلمة التوحيد الخالص لا إله إلا الله صدقاًً وخالصة من القلب المتيقن بها والمؤمن يها حق الإيمان إنك سميع قريبٌ مجيب يا رب العالمين آمين. وصلى الله على سيدنا وحبيبنا محمد وآله وصحبه أجمعين وسلم عدد خلقك ورضا نفسك وزنة عرشك ومداد كلماتك في كل لمحةٍ ونفسٍٍ عدد ما وسعه علمك يا ربنا يا الله يا رب العالمين.