ما ذكره القرآن الكريم في هذه الآية الكريمة.. يشير بدون لبس لتعدد الثقافات..ثنائية (أنثى وذكر) وجمعا (شعوبا وقبائل) وهو ما يعطي للوطنية خصوصية تحت ظل الثوابت العقائدية الدينية .
فالعقيدة فكر وممارسة تكاد تكون ذات خصوصية ذاتية مؤطرة بسلوك مجتمعي ولكنها بنفس الوقت لا تلغي التعددية الثقافية في الخصائص والتفاصيل الحياتية المجتمعية.. هذا بشكل عام حين تكون النيات خالصة لله.. فيحتفظ الجميع بخصوصيته ويشارك الجميع بثوابت العقيدة وسلوكياتها اليومية..
وهذا ما كان سائدا أبان الفتح الأسلامي في صدر الرسالة وفي زمن الخلافة الراشدة والدولة الأموية وبدايات الدولة العباسية .
هذا يقودنا الى ان نبحث في معنى الوطنية ورؤية الدين والمعتقد لها من منظور رباني ولنأتي اليها وفق منظور ديني ثم سياسي..
في بحثه المعنون (الوطنية وتعدد الثقافات في الفكر الأسلامي) يقول الدكتور أحمد عبد الحليم الدبيسي.
(معنى الوطن)
الوطن في اللغة هو: المنزل الذي يقيم فيه الإنسان، ويتخذه محلاً وسكناً له [1، ج 6ص 4868]، وقد سماه القرآن الكريم الدار والديار في قوله - تعالى -: {فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِينَ} [العنكبوت: 37]، وقوله - تعالى -: {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ} [الممتحنة: 8]
وسمَّته السُّنة: الوطن والدار، في حديث: ((هي وطني وداري)) [2، ج3، ص177].
والموطن: هو مكان مولدِ الإنسان، ومأهلِه ومنشئه، الذي فُطر على حب القرار فيه والحنين إليه. [3، ج3، ص1252].
والمواطنة لها معنيان:
الأول: معنى فطري غريزي، نابعٌ من حب الإنسان لوطنه وشعوره بالانتماء إليه، وحنينه إليه، نتيجة لإلف المكان وتذكُّر مرابع الصبا ومآرب الشباب، كما قال الشاعر ابن الرومي:
وَحَبَّبَ أوْطانَ الرِّجال إليهمُ
مآرِبُ قَضَّاها الشَّبابُ هُنالِكا
إذا ذُكِّروا أوطانَهم ذكَّرَتْهُمُ
عهود الصِّبا فيها فحنُّوا لذلِكا
وهو حبٌ وانتماءٌ غريزيان، يشترك فيهما الإنسان والحيوان والطائر على حدٍّ سواء.
المعنى الآخر: معنى فكري مذهبي؛ هو أعمق من أن تكون المواطنة مجرد نزعة شعورية، وميلاً فطرياً طبيعياً إلى المكان الذي ولد فيه الإنسان، ونشأ على أرضه؛ إذ حوَّلت المذهبية الفلسفية المواطنة إلى نزعه فكرية مذهبية، لها مبادئها العامة، وطقوسها السلوكية، تزرع في نفوس الناس، ويُنشَّأ عليها ناشئة المجتمع، وتحاكم مواقف أتباعها عليها، ويُنظر إلى الآخرين من خلالها [4،ص172
بهذه الرؤيا المختصرة كان الدين عامل تعزيز للوطنية، وعزز الانتماء اليها في وقت كانت القيادة دينية وسياسية للعرب.
ولم يحدث أي تغيير ديمغرافي أو مجتمعي مرتبط بالعادات والتقاليد في عصر الخلافة الراشدة والدولة الأموية والدولة العباسية.
لم يكن العرب ذو نزعة شوفينية وعنصرية، فرغم أعتزازهم بالنسب العربي ، ولكونهم لديهم المتداول في أرتباط أصولهم مع الأقوام الأخرى وخاصة في الجزيرة والأمصار المجاورة فهم يعتبرون أنفسهم ساميون..ولهذا تعاملوا وفق هذه الرؤيا مع كل الأقوام التي هي من اصل سامي، ولاعتزازهم الفطري بالنسب أمتد تعاملهم لما بعد سام بن نوح!!!
ولو عدنا الى كتاب الله.. فالآية الكريمة(وكرمنا بني أدم) تعطي البعد الانساني لديننا الحنيف.. ولو عدنا لسيرة الأولين من الصحابة ومنهم علي بن ابي طالب كرم الله وجه وهو يوجه محمد بن أبي بكر حين ولاه واليا على مصر(أن لم يكن نظيرك في الدين فهو نظيرك في الخلق) وسيدنا عمر بن الخطاب وهو يخاطب عمرو بن العاص وولده (متى أستعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا)
القصور ليس في الدين ولا في مجتهديه الخالصي النية لله..القصور في فهمنا للدين
فالإسلام دين الإنسانية .. ودين يحترم الخصوصية الوطنية ويجلها
المشكلة في العصر الحديث.. هو في العقلية المتخلفة للبيئة المجتمعية مما سهل نشوء حركات سياسية مغلفة بالدين لإلغاء الهوية الوطنية وجعلها تابعة وخاضعة للنفوذ السياسي.
هناك في بعض الأحيان للوطن أولوية على الدين والعكس صحيح ، يقع ذلك ضمن ظروف تحتمها مرحلة ما ضمن نظرة موضوعية ومعطيات ظرفية تعطي الأولوية لطرف على الأخر، لأن كلاهما مقدسان ولا يمكن الغاء الأخر على حساب طرف أخر، فكما ذكرت اشار الدين الحنيف الى الديار(الوطن)حتى شرع القتال للدفاع عنه، فالمال والعرض جزء من تركيبة الوطن ومن الخصوصية الشخصية فأجازالله القتال للدفاع عنها.
لقد فتح العرب المسلمون بلاد شاسعة وأبقوا على حدودها وعينوا الولاة عليها وحافظوا على خصوصياتها
أن ديننا الحنيف دين وطنية وحقوق انسانية، فهل يتعض دعاة الديمقراطية المستوردة والطائفية البغيضة والمناطقية التي يراد منها الغاء الهوية الوطنية لأوطاننا وإلغاء الهوية العربية لها وتشويه صورة الإسلام من خلال خلق ند لهم مسخ ومشوه