يمضي المعلمون وقتا طويلا في الغرفة الصفية في التعامل مع السلوك غير المرغوب فيه، ويستخدمون أحيانا وسائل واستراتيجيات غير ناجعة في معالجة مثل هذه السلوكيات غير المرغوب فيها، وغالبا لا ينجحون في ذلك، أو يشكون من ضيق الوقت لمعالجة تلك السلوكيات، ويعود ذلك لعدم معرفة المعلمين لمبادئ تعديل السلوك الصفي .
وهنالك العديد من الأساليب التي توضح كيفية التعامل مع السلوك غير المرغوب في الغرفة الصفية، ومن تلك الأساليب المتعمدة أسلوب تعديل السلوك، الذي يختلف عن الأساليب الأخرى لأنه يركز على ملاحظة السلوك، وصف السلوك وقياس السلوك . ويمثل عدم فهم أساليب تعديل السلوك من قبل بعض المعلمين، مصدرا رئيسيا لكثير من المشكلات السلوكية، فقد يلجأ هذا البعض إلى أسلوب العقاب البدني ، وهذا الأسلوب هو اقصر الطرق في نظرهم لمعالجة الأخطاء التي تصدر عن الطلبة .
بداية يجب أن نتفق على أن أسلوب العقاب البدني مرفوض مهما كانت الأسباب والدوافع، ومن اجل توضيح هذه الحقيقة يجب التذكير بقول د. سبوك « إذا أردنا في أي وقت أن نجعل العالم آمنا، يجب الابتعاد عن العقاب البدني، والمدرسة هي المكان المناسب لبدء هذه الخطوة « .
والعقاب البدني أو الجسدي هو استخدام القوة البدنية بهدف التسبب بقدر من الألم والإزعاج من اجل ضبط أو تصحيح السلوك غير المرغوب فيه، أو عندما يستخدم الفرد سلطته من خلال القوة البدنية مع نية التسبب بالألم من اجل أغراض تأديبية لتعليم الفرد الفرق بين الخطأ والصواب .
ويمكن أن يكون العقاب البدني بعدة طرق، وأكثرها شيوعا في المدارس هو الضرب، لذلك فان عدم المعرفة بالآثار السلبية التي تنعكس على الطالب نتيجة العقاب البدني ربما تشجع ممارسة مثل هذا النوع من العقاب، رغم وجود التشريعات التي تمنع العقاب البدني . ويمكن أن تكون لهذا العقاب أثار مدمرة على الطالب مثل انخفاض احترام الذات، الحزن والخجل والاكتئاب. وقد أشارت الدراسات إلى وجود ارتباط قوي بين العقاب البدني والاكتئاب، كما أن العقاب البدني يحدث تأثيرات اجتماعية غير مقصودة من خلال رسالة توجه للطالب بان العقاب هو وسيلة مقبولة ومن حق كل شخص قوي استخدام القوة لإرغام الشخص الأضعف مما يساعد على استمرار دوامة العنف في المدرسة والمجتمع . وتستعرض الدراسات التربوية الأثر السلبي للعقاب البدني على الأطفال من خلال عدم قدرتهم على تحمل الضغط النفسي وغالبا ما تكون اتجاهاتهم سلبية نحو المجتمع، كما أن الأطفال الذين يتعرضون للعقاب البدني يصبحون في المستقبل إفرادا مطيعين لا يناقشون وبالتالي لا يمكن أن تتطور لديهم مهارات ضرورية لمواجهة تحديات الحياة مستقبلا . كما أشارت الدراسات إلى أن ممارسة العقاب البدني تجعل الطالب يشعر بالذنب باستمرار ويقضي على الثقة بالنفس ويقتل فرح السعادة والطفولة ، كما يشجع الخوف والقلق مدى الحياة، ويزيد من العدوانية تجاه الآخرين . ويستند بعض المعلمين في ممارستهم للعقاب البدني إلى مقولة مفادها أن النتائج التي تظهر نتيجة هذا العقاب سريعة وتظهر التزاما من جانب الطلبة ولكن الأثر البعيد ينمي الحقد والتمرد .
أمام هذه السلبيات التي يخلفها العقاب البدني, ما العمل للحد من ممارسة هذا النوع من العقاب؟ من المسؤول عن استمرارية هذه الحالة؟ باعتقادي أن المسؤولية جماعية تبدأ من تثقيف المجتمع وتنتهي بتدريب المعلم على قواعد تعديل السلوك، إن قناعة المجتمع برفض العقاب البدني سوف تؤثر تأثيرا مباشرا على رفض مثل هذه السلوكيات لذلك لا بد من برامج التوعية المباشرة وغير المباشرة، ففي بلد مثل السويد كانت نسبة المعارضين للعقاب البدني عام 1966 حوالي 47% وبعملية تثقيف المجتمع ارتفعت تلك النسبة إلى 92% وبما أن المعلم جزء من المجتمع فانه سوف يبتعد عن ممارسة العقاب البدني . كما أن هذه البرامج يجب أن تركز على أن العقاب البدني هو انتهاك لحقوق الفرد وكرامته ، مع التأكيد على دور المدرسة في إعداد المعلم وتدريبه على إجراءات تعديل السلوك مع تفعيل التشريعات القانونية لمنع استخدام العقاب البدني .
د . ادوارد عبيد