عُذراً سَيّدَتي
بقلم: حسين أحمد سليم
سامِحيني سَيّدَتي المَعْشوقَةُ, جَرْأتي هِيَ مَقْتَلي
عُذْراً مِنْكِ, صِدْقاً, بَوْحاً لَكِ, ها أنَذا بَوْحاً أَتَيْتَكِ
أبداً, أبداً, مُطْلَقاً, مُطْلَقاً, لَمْ وَلَنْ وَلا أكُنْ أنْوي إهانَتَكِ
أوْ أنْ أجْرَحَ شَفيفَ الأحاسيسِ عِنْدَكِ بِالرّوحِ
أوْ أنْ أخْدُشَ سُنْدُسَ النَّدى بأظافِري لِكَرامَتُكِ
أوْ أنْ أطْعَنَ ظَهْرَكِ بِخِنْجَرِ كَلِماتي القاسِيَةِ
أوْ أنْ أقْتُلَ الرّوحَ المُطَهَّرَةَ التي أحْبَبْتُها بِكِ
وَأنْ أُشيعَ أوْشِحةَ الظَّلامِ في النَّفْسِ
وَكُلُّ ما في الأمْرِ, بَسيطٌ جِدّاً, وَجِدّاً بَسيطٌ
فَأنا طِفلٌ ثَوْرِيٌّ مُنْذُ وَلَدْتْني أُمّي, لا يَرْدَعُني رادِعٌ
أَرْفُضُ كُلَّ أَشْكَالَ الكَيْدِ وَالإِهاناتِ وَ التَّوْرياتِ
عُنْفُوانِيُّ النَّفْسِ أكْثَرَ مِمَّا تَتَصَوَّرينَ, وَلا أرْكَعُ أبَداً لِغيرِ اللهِ
حَتّى في الصّلَواتِ, واقِفاً أُصَلّي حَتَّى لا أرْكَعَ
وَهامتي لِلْعُلا أَبَداً, لَمْ وَلَنْ وَلا تَنْحَني
أنا طِفْلٌ جَريءٌ في مَوْقِفي, حاوَلْتُ قَوْلَ ما اعْتَراني
أنا طِفْلٌ مُنْعَتِقٌ مِنْ كُلِّ القُيودِ, جَرَحْتُ البَياضَ عَلى الوَرَقِ
أنا طِفْلٌ بَريءٌ وَنَقِيٌّ, لَمْ يُلَوِّثُني الكَيْدُ وَالحِقْدُ وَالحَسَدُ
لَقَدْ قَتَلَتْني, لَقَدْ ذَبَحَتْني, لَقَدْ حَطَّمَتْني تِلْقائِيّةُ الأَطْفالِ
سَيّدَتي المَعْشوقَةُ, حَبيبَتي وَمُعَلِّمَتي وَمُلْهِمَتي
أُقْسِمُ بالله, لَسْتُ نَذْلاً, وَلا لَئيماً, وَلا كافِراً, وَلا حاقِداً
لا, وَألْفُ لا, لَسْتُ عابِثاً, وَلا قاتِلاً, وَلا مُجْرِماً, وَلا مُعْتَدياً
وَلا شَيْئاً مِمَّا سَبَقْ أوْ حَلَّ أوْ لَحَقَ أوْ سَيَلْحَقْ مِنَ السّوءِ
سامِحيني مُلْهِمَتي, وَاعْذُريني عَلى البَوْحِ
يا صاحِبَةَ الشَّرَفِ الرَّفيعِ وَالمَقامِ العالي
إنَّني فَنّانٌ, نَسَيْتُ نَفْسي بَيْنَ الخُطوطِ وَالأَشْكالِ
وَبَهَرَتْني أطْيافُ الألْوانِ في هالاتِ عَيْنَيْكِ وَخَدَّيْكِ
فَرَسَمْتُ دَمْعَتَكِ بَحْراً وَاسِعاً وَمُمْتَدّاً مِنَ المَاءِ
وَلَوَّنْتُ لَوْحَةَ آمَلي وَرَجائي مِنْ ألْوانِ عَيْنَيْكِ
وَراوَدَتْني الأحْلامُ العِذابُ في مَتاهاتِ الضّياعِ
فاطْمَأنَّتْ نَفْسي مِنْ وَسْواسِها القَهْريِّ بكِ
وَرَجَعَتْ راضِيَةً إِلى عِبادَتِها وَإيمانِها بِوحيٍ مِنْكِ
وَكانَ وَهْماً, عَفْوَكِ ثُمَّ عَفْوَكِ, وَصَدَّقْتُ الوَهْمَ في وَهْمي
وَسَقَطْتُ مِنْ حَيْثُ لا أدْري, عَلى حينِ غَفْلَةٍ, قَتيلَ حُبّي
وَأرْدَتْني الأقْدارُ عِلى الرَّمْضاءِ, وَجَنْدَلَني عِشقي قَتيلاً
عَفْواً حَبيبَتي, عَفْواً سَيّدَتي, لا تَقْلَقي لِجَرْأةَ بَوْحي وَلا تَحْزَني
تَراءى لِيَ في البُعْدِ أنّكِ خَلاصي مِنْ مُعاناتي في نَفْسي
وَاعْتَبَرْتُ فيكِ بِالتَّخاطُرِ الجَليِّ مَلاذي وَفِراري مِنْ بُؤْسي
وَخُيِّلَ لي أنَّكِ مَوْطِنَ حَرْفي وَكَلِمَتي وَخَواطِري وَنَثائِري وَقضصائِدي
وَرَأيْتُكِ في المَنامِ مَدينَةً كُبْرى, لي تَشِعَُ بِالنّورِ وَالضَّوْءِ
وَشَمَمْتُ مِنْ أرْدانَكِ ضَوْعَ الطّيبِ يَتَشَذّى مَعِ الخَوافِقِ
وَاسْتَشْعَرْتُ الحّنانَ مِنْ صَدْرَكِ يَفيضُ حَناناً مِنَ البُعْدِ
كُنْتُ أبوحُ لَكِ بِكُلِّ شَيْءٍ يُخالُجُني وَيَعْتَلِجُ في صَدْري
كُنْتُ أبُثُّ إلَيْكِ هُمومي وَأشْكو إلَيْكِ أوْجاعي وَآلامي
كُنْتُ أسِرُّ لَكِ آلامي وَما يَنْتابُني في دَواخِلي
كُنْتُ أُحاوِلُ أنْ أكونَ لَكِ صَديقاً وَأخاً وَحَبيباً وَخَليلاً
فَرَشْتُ لَكِ حُروفي وَكَلِماتي وَخَواطِري وَنَثائِري وَقَصائِدي وُروداً
يا امْرَأةً في البُعْدِ النّائي خاطَرَتْني مِنْ حَيْثُ لَمْ أدْرِ
يا حَبيبَةً تَجَلَّتْ لي في الوِجْدانِ مِنْ بَياضِ الرّوحِ وَشَفيفَ النَّفْسِ
أحْبَبْتُكِ, عَشِقْتُكِ, هامَ لُبّي بِكِ وَتّيَّمَني في الهَوى هَواكِ
يا لي مِنْ طِفْلً ثائِرٍ؟! رَكِبْتُ عُنْفُوانَ الرَّفْضِ في عُنْفُواني
وَارتَكَبْتُ جَريمَةً لا تُغْتَفَرُ, أقْسِمُ بالله, بِلا قَصْدٍ, بِلا سابِقِ تَصْميمٍ
لَقَدْ قَتَلْتُ الحُبَّ في قَلْبي, بِلا عِنْوةٍ, مِنْ حَيْثُ لا أدْري بِالقَتْلِ
لَقَدْ غَدَرْتُ العِشقَ في روحي, بِلا وَعْيٍ, وَلَستُ أعْرِفُ كَيْفَ الغَدْرُ
غُفْرانَكَ يا إلَهي, لَقَدْ قَتَلْتُ عُنْفُوانَ حَبيبَتي وَطَعَنْتُ روحَ مُعَلِّمَتي
رُحْماكَ رَبّي, لَقَدْ قَتَلْتُ عَبيرَ السَّلْوى, وَحَرَمْتُ نَفْسي مِنْ سَلْوَتي
اليَوْمُ وَعَيْتُ جَريمَتي, يا لِهَوْلِ ما اقْتَرَفَ الطَّفْلُ الّذي في شِغافي؟!
اليَوْمُ اسْتَيْقَظْتُ مِنْ غَيْبوبَتي مَفْجوعاً, يا لِلخَسارَةِ العُظْمى؟!
اليَوْمُ أحْسَسْتُ بِانْكِساري, وَذُلّي وَهَواني وَرَميمَ حَياتي
اليَوْمُ انْحَنَتْ هامَتي مِنَ الألَمِ, وَتَضَرَّجَتْ جِراحاتي بِالدَّمِ
اليَوْمُ انْطَوَتْ صَفْحَتي سَوْداءَ خَجْلى مِنَ خَجَلِ الخَجَلِ
وَأعْلَنْتُ الحِدادَ لأجَلٍ غَيْرَ مُسَمّى, وَرَفَعْتُ شِعاريَ رايةَ السَّوادِ
اليَوْمُ سَيّدَتي غَدَوْتُ مَكْسوراً, مَذْبوحاً مِنَ الوَريدِ إلى الوَريدِ, وَ مَقْتولاً
وِداعاً حَبيبَتي, لا لِقاءَ بَعْدَهُ, لَمْ وَلَنْ وَلا تَرَيْنَ وَجْهي بَعْدَ اليَوْمِ
لَمْ وَلَنْ وَلا يَتَراءى لَكِ وَجْهي عَلى مَشارِفِ طَرْفَكِ النّاعِسِ
لَمْ وَلَنْ وَلا يَرْتَسِمُ بَعْدَ اليَوْمِ وَجْهي في بَياضِ مُقْلَتَيْكِ الحَوَرِيَّتَيْنِ
أعْتَرِفُ أمامَ الله, وَأمامَ مَلِكِ الحُبِّ وَالعِشقِ وَأنا في قَفَصِ الإتِّهامِ
لَقَدْ ظَلَمْت ُ نَفْسي, لَقَدْ ظَلَمْتُ نَفْسي, لَقَدْ ظَلَمْتُ نَفْسي
وَتَمادَيْت ُ كَثيراً, وَقَهْراً ظَلَمْتُكِ وَظَلَمْتُكِ, وَلَسْتُ بِظالِمٍ أوْ قاتِلٍ
سَيّدَتي, حَبيبَتي, مُعَلِّمَتي, مُلْهِمَتي وَمَلِكَتي وَأمَلَ أمَلي
كُنْتِ وَتَبْقَيْنَ وَسَتَبْقَيْنَ رُغْمَ كُلِّ الأشْياءِ وَرُغْمَ كُلِّ الّذي جَرى
سَيّدَتي, حَبيبَتي, مُعَلِّمَتي, مُلْهِمَتي وَمَلِكَتي وَخَطَّ خَطّي
أنْتِ عَلى خُلُقٍ عَظيمٍ, بِأخلاقِ الإسلامِ تَخَلَّقْتِ وَتَتَرَقَّيْنَ
وَصاحِبَةُ الرِّفْعَةِ في المّناقِبِ والتُّقى والأدَبِ وَالإيمانِ
سامِحي الطِّفْلَ البَريءَ الّذي في مُهْجَتي وَفي نَفْسي
تَجاوَزي عَنِ الطِّفْلِ المُدَلَّلِ الّذي أَحَبَّكِ وَعَشِقَكِ وَتَعَلَّقَ بكِ
تَضَرَّعي لله إيماناً وَإنْ شِئتِ في صَلَواتُكِ, وَتَهَجَّدي وَاقْنُطي
عَلَّ الله, مَوَدَّةً وّرّحْمّةً, يَعْفُوَ وَيَشْفَعُ وَيَغْفُرُ لِلْمُخْطئ الّذي هُوَ أنا
أعْلَنْتِ حُكْمَكِ الجائِرِ تِوْكيداً لِقَرارَكِ المُجْحِفِ الظّالِمِ بي وَلي
لِعَيْنَيْكِ حَبيبَتي, إنّي قَبِلْتُ الظُّلْمَ وَالجّوْرَ وَالإجْحافَ فيما حَكَمْتِ
فَقَطْ, لِتَبْقَيْنَ كَما كُنْتِ وَتَبْقَيْنَ وَسَتَبْقَيْنَ حَبيبَتي وَمُعَلِّمَتي
وَرُغْماً عَنْ قَناعَتي وَثَوْرَةَ رَفْضي وَعُنْفُواني, سَأنْزِل ُ عِنْد َ رِغْبَتَكِ
قَهْراً عَلى قَهْرٍ, وَعَذاباً في عَذابٍ, وَألَماً عَلى ألَمٍ, وَنَزْفاً عَلى نَزْفٍ
أقْسِمُ بالله, سَأبْتَعِدُ عَنْكِ, بَعيداً بَعيداً وَبَعيداً, وَأنْأى في البُعْدِ
وَلَمْ وَلَنْ وَلا أنْساكِ, وَلمْ وَلَنْ وَلا تَغيبينَ عَنْ جَلاءِ خاطِري
لَقَدْ كُنْتِ بِدايةً حَبيبَتي, وَتَبْقَيْنَ وَسَتَبْقَيْنَ رُغْمَ كُلِّ الأشْياءِ
سَيّدَتي, حَبيبَتي, مُعَلِّمَتي, مُلْهِمَتي, سَلْوَتي وَمَلِكَتي
وَتَبْقَيْنَ حُروفي وَكَلِماتي وَخَواطِري وَنَثَائِري وَقَصَائِدي وَروحَ فَلْسَفَتي
وَسَتَبْقَيْنَ أجَمَلَ وأخْلَبَ وَأسْحَرَ لَوْحَةٍ رَسَمَتْها بِالحُبِّ وَالعِشقِ أنامِلي
وَسَتَبْقَيْنَ حَوَّاءَ التي تَحْمِلُ عَلى كَفِّها قَلْبَها, بِغَريزَةِ أفْعى يَنْبُضُ حُبّاً لي
وَسَتَبْقَيْنَ الوَهَجَ الآخَرَ, الّذي حَرّرني فَكَبَّلْتُهُ, وَالّذي أعْتَقَني فَاسْتَعْبَدْتُهُ
وَسَتَبْقَيْنَ في أقانيمِ العِشقِ حَبيبَتي أحْتَفي بكِ حتّى الذّوَبانِ
وَإنْ نَأى بَيْنَنا الواقِعُ, وامْتَدَّتْ المَسافاتُ وَامْتَدَّتْ اللاّمُتَناهِياتُ
بِكِ سَألْتَصِقُ بِالجَلاءِ ارْتِحالاً في الإمْتِداداتِ حَتَّى الهَذَيانِ
مَهْما الحِيرَةُ اجْتاحَتْني في الطّلْسَمِ المَخْتومِ في مَجاهِلِ الأيّامِ
سَتَبْقَيْنَ أنْتِ حَوّاءُ شَبيهَةً بِالنّساءِ, وَأبْقى آدَمَ في الإسْتِبْدادِ وَالإنْتِقامِ
أقْضُمُ قَلْبَكِ بِأنْيابي وَتَنْتَشينَ لِوَقْعِ أنْيابي, وَتَلوكينَ المَرارَةَ وَالأوْهامِ
أحِبُّكِ وَتُحِبّينَني, وَأعْشَقُكِ وَتَعْشَقينَني, وَ نَتَحابَبُ وَنَتَعاشَقُ أكْثَرَ في الله
مَعْ فارِقٍ واحِدٍ, أنّني وَلِيٌّ في وِصايَةَ الدَّمِ, وَقِوامَتي دِرْعُ صِدْقٍ وَحَنانِ