استلمت راتبي هذا الصيف, وانطلقت راجعا مسرعا كالطيف...
ولم تكد ترتفع شمس النهار حتى دخلت الدار, فوجدت زوجتي في الانتظار...
قالت: أهلا بك يا عمار يا بدر البدور وقمر الأقمار ولؤلؤة البحار...
لماذا تأخرت يا عمار وتركتني أنتظر وقد كدت أنهار...
أخرج ما في جيبك من مال وأنفق بسخاء علك تخفف عني بعض الآلام وتحقق لي بعض الأحلام... قبل أن يصيبني الأرق وينخفض ضغطي ويزداد القلق...
مطالبي يا عمار قليلة ...
خذ سمية إلى الطبيب فهي كما ترى عليلة , وبنتك دليلة تحتاج إلى حجاب وسعيدة إلى ألعاب, وبنت عمي تزوجت بفقير منذ مدة فلا بد لها من هدية تزيل الكرب والشدة.
قلت: ألا تعلمين حالي وكثرة عيالي وجيبي الخالي فكيف تسمحين لنفسك أن تعيث فسادا في مالي.
قالت: أعاذنا الله من الفساد والكساد وعيون الحساد فراتبك كبير وخيرك كثير...
ما لك يا أبا عناق فعهدي بك تحب الإنفاق ولا تخش الإملاق...
إن لنا في هذا الشهر التزامات عديدة ومصاريف أكيدة...
قلت: ماذا تعنين يا جميلة العينين...
قالت: لقد أجهضت جارتنا بالأمس ولا بد لها من تين حلب وتمور حمص, ومن المحال أن نزورا هذا الأسبوع أختك نوال ولا نجودا عليها ببعض المال.
ولا تنس أخوك الذي نجح في الباكالوريا فهو يعشق حليب ( قلوريا), ولن ننصفه إذا ابتعنا له عشرين علبة من سوريا.
بل ألا تذكر معي يا ودادي أنه في الأسبوع المقبل سيحل عيد ميلادي, وقد وعدتني بشراء سيارة أخرج بها قلب الجارة, وأفحط بها في الحارة.
مسحت عن وجهي حبات العرق وقلت وقد بدت علي علامات القلق: هذا عيب؟
قالت: ما في هذا عيب وعلى قول المثل: اصرف ما في الجيب يأتيك ما في الغيب.
لا تقلق يا سعيد اشتريها لي بالتقسيط بثمن معقول وأعدك أننا سنخرج إلى الحقول ونصطاد السمك في النهر مرة في الشهر , وسأخذك في رحلة إلى البحر إذا اشتريت لي لباس الصيف وأخرجتني من هذا الحيف.
كما أن السيارة ليست بكثير, وأظن أنك لن تبخل علي بالذهب والحرير...
وأعدك حبيبي أنني سأقنع معك باليسير, فالقليل معك يكفيني إلى يوم تكفيني ...
يا قلمي وكراسي ونبراسي وإحساسي وهواء يملأ شراييني, وورودا مزروعة بكل بساتيني...
سأمسح عنك تعب النهار وأحوطك بنوار اللوز والأزهار.
لكن كن معي رجلا سمحا ولا تترك الوجبة سمجة تنتظر ملحا...
قلت: خذي كل المال الورق والحديد لكن لا تنتظري بعد اليوم الغذاء والسميد..