(وحمل جثمانه بعد ظهر الإثنين 10 مايو سنة 1937 إلى حيث رقد رقدة الأبد في جوار أبويه من مقبرة الرافعي بطنطا )
من (حياة الرافعي) لمحمد سعيد العريان
( رحمة الله عليه ، لقد شارك الأوائل عقولهم بفكره ، و نزع إليهم بحنينه ، و فلج أهل عصره بالبيان حين استعجمت قلوبهم و ارتضخت عربيتهم لكنة غير عربية ، ثم صار إلى أن أصبح ميراثاً نتوارثه ، و أدباً نتدارسه ، و حناناً نأوي إليه ، رحمة الله عليه )
شيخ العربية
أبو فهر ...محمود محمد شاكر
ماذا أقول ؟ .... و ذكراك في قلوبنا و إن حالت بيننا و بينها السنون .
و ماذا أقول ؟ ....و إن الكلام عليك لطويل .... طويل طول مدة الأثر الذي تتركه كتابتك في النفوس .
و لكنّ القلم لا بد له من أن يخط شيئاً مما يقر في النفس و يحاك في أعماقها ، و أنت الأدرى بهذا ، يا من يعرف منها و من خفاياها ما يندر أن يعرف أحد ، و يا من يكتب في وصف ذلك و تحليله ما لو وعاه من لم يرتضوا أسلوبك في الكتابة فنقموا عليك و عليه و عادوك لانقلب فكرهم من النقيض إلى النقيض ، و لكنّهم كذلك لا يبصرون ، و لا يريدون من أحد أن يدلهم كيف يبصرون .
و الله يعلم يا أستاذي الذي تتلمذت عليه و لم أره ، و قرأت كلامه فغدوت طالبه الذي يتلقى عنه بعد رحيله بسبعين عاماً ، أن ما أقوله فيك لا تخرجه من صدري مشاعر الإعجاب و الحب وحدها، بل كذلك المبدأ في قول الحق و الإنصاف ، و السيرة الواجبة في نشر العلم و إظهار ما خفي منه ، فإن الظلم قد حاق بك إلى حد لا يتصوره عقل في كل مكان ، فإن ذكروك قالوا ( زعيم المدرسة القديمة في الأدب ) و الأديب الوعر المسلك العسر الهضم الذي لا يستطيع أحد القراءة له إلا إن وضع أمامه المعاجم و القواميس ، و أخذ ينظر فيها و يراجع معاني كلماتها ، أو قالوا إنه لا توفيق بين أدبه و بين عصرنا الذي نعيش لأنه لا شيء عنده إلا نسخ كلام الأقدمين و السير على نهجهم بخضوع و اتباع ، لا بتطوير و تحسين و إظهار لذاته الإبداعية .
و لست أرى كل هذا إلا بناء على حملة منظمة تسعى لسلخ الناس و لا سيما الناشئة و طلاب الأدب عن تراثهم و لغتهم ، و عن أعلام أدبهم الذين صنعوا ثقافة تستحق القراءة ، في حين يوجههم أولئك الذين حشوا ذهنهم بهذه الجهالات و المغالطات إلى قراءة الأدب الساقط الذي لا معنى له و لا غاية و لا هدف ، و ليس فيه إلا تشويه اللغة و تفكيك المنطق و تحطيم الذوق السليم ، و إلى أي مذهب أدبي أو نقدي بشرط أن يكون غربياً حديثاً ،و يصرفونهم عن كل أدب أو نقد مهما كان سامياً إن كان عربياً أو فيه شيء من فصاحة أو بلاغة أو أسلوب سليم .
ذاك هو السبب ، أن الرافعي أديب الأمة العربية المسلمة الناطق بلسانها و الذائد عن حماها ،و الحامل فكرها ، فما يلقاه اليوم لا يلقاه لغير هذا ، و هؤلاء إنما يخشون أشد الخشية أن يقف الناس في صف الأديب الذي نذر حياته لقيمهم و مبادئهم ، لا لأحاسيس تعبر في خواطرهم ساعة ثم ترحل عنها فهي في قدومها و ذهابها كالذباب الذي يحط على الطعام لحظات ثم يطير ، فليبق هؤلاء على دعواهم و لينكروا على الرجل أدبه إن أرادوا ، فالشمس لا تغيب دون أن تعود لتشرق ، و البحر الواسع لا تكدره الدلاء و إن كانت من كحل و شحم و قطران .
رحمك الله ..... رحم الله روحاً تعلقت بالسماء أيما تعلق ، و قلماً تعلق بالخير أيما تعلق ، و قلباً تعلق بربه أيما تعلق ، و عقلاً تعلق بالحق أيما تعلق ، فليت شعري ......... أي أدب ذاك الذي يخرج من هذه الأصول المجتمعة كلها .....!!
و إن من حقك على أمتك التي أفنيت عمرك مجاهداً في سبيلها أن تهب لك يوماً من زمنها ، يكون عيداً لذكراك و مجتمعاً لأرباب الفكر و القلم ، و صدقة جارية منك على الأدب كما كتبك ، ينشئ فيه المنشؤون ، و ينظم الناظمون ، و يتم به فضلك على الفكر الإنساني الذي طالما غصت بحثاً عن معانيه المخبوءة في قعور العقل و مغاور الروح .
من حقك يا أستاذنا علينا أن نحمل اسمك ، و نحيي ذكراك ، و ندفع عنك ، و ننشر فكرك في الناس ليتعلموا منه ، و أدبك فيهم لترقى نفوسهم به ، و ليبقى صوتك كما كان ، وقلمك كما كان ، بل أزهى و أبهى ، و ما ذلك ببعيد على الله و لا على من يعرفون للأدب الحق مكانه و للأدباء المستحقين مكانهم ، و لا على هذه الأمة التي نرجو أن تظل تمنح أبناءها المخلصين مقاماتهم و تحفظها لهم ، و إن جار عليهم من لا يرجون لله وقاراً .
التوقيع
الأديب هو من كان لأمته و للغتها في مواهب قلمه لقب من ألقاب التاريخ
(وحمل جثمانه بعد ظهر الإثنين 10 مايو سنة 1937 إلى حيث رقد رقدة الأبد في جوار أبويه من مقبرة الرافعي بطنطا )
من (حياة الرافعي) لمحمد سعيد العريان
( رحمة الله عليه ، لقد شارك الأوائل عقولهم بفكره ، و نزع إليهم بحنينه ، و فلج أهل عصره بالبيان حين استعجمت قلوبهم و ارتضخت عربيتهم لكنة غير عربية ، ثم صار إلى أن أصبح ميراثاً نتوارثه ، و أدباً نتدارسه ، و حناناً نأوي إليه ، رحمة الله عليه )
شيخ العربية
أبو فهر ...محمود محمد شاكر
ماذا أقول ؟ .... و ذكراك في قلوبنا و إن حالت بيننا و بينها السنون .
و ماذا أقول ؟ ....و إن الكلام عليك لطويل .... طويل طول مدة الأثر الذي تتركه كتابتك في النفوس .
و لكنّ القلم لا بد له من أن يخط شيئاً مما يقر في النفس و يحاك في أعماقها ، و أنت الأدرى بهذا ، يا من يعرف منها و من خفاياها ما يندر أن يعرف أحد ، و يا من يكتب في وصف ذلك و تحليله ما لو وعاه من لم يرتضوا أسلوبك في الكتابة فنقموا عليك و عليه و عادوك لانقلب فكرهم من النقيض إلى النقيض ، و لكنّهم كذلك لا يبصرون ، و لا يريدون من أحد أن يدلهم كيف يبصرون .
و الله يعلم يا أستاذي الذي تتلمذت عليه و لم أره ، و قرأت كلامه فغدوت طالبه الذي يتلقى عنه بعد رحيله بسبعين عاماً ، أن ما أقوله فيك لا تخرجه من صدري مشاعر الإعجاب و الحب وحدها، بل كذلك المبدأ في قول الحق و الإنصاف ، و السيرة الواجبة في نشر العلم و إظهار ما خفي منه ، فإن الظلم قد حاق بك إلى حد لا يتصوره عقل في كل مكان ، فإن ذكروك قالوا ( زعيم المدرسة القديمة في الأدب ) و الأديب الوعر المسلك العسر الهضم الذي لا يستطيع أحد القراءة له إلا إن وضع أمامه المعاجم و القواميس ، و أخذ ينظر فيها و يراجع معاني كلماتها ، أو قالوا إنه لا توفيق بين أدبه و بين عصرنا الذي نعيش لأنه لا شيء عنده إلا نسخ كلام الأقدمين و السير على نهجهم بخضوع و اتباع ، لا بتطوير و تحسين و إظهار لذاته الإبداعية .
و لست أرى كل هذا إلا بناء على حملة منظمة تسعى لسلخ الناس و لا سيما الناشئة و طلاب الأدب عن تراثهم و لغتهم ، و عن أعلام أدبهم الذين صنعوا ثقافة تستحق القراءة ، في حين يوجههم أولئك الذين حشوا ذهنهم بهذه الجهالات و المغالطات إلى قراءة الأدب الساقط الذي لا معنى له و لا غاية و لا هدف ، و ليس فيه إلا تشويه اللغة و تفكيك المنطق و تحطيم الذوق السليم ، و إلى أي مذهب أدبي أو نقدي بشرط أن يكون غربياً حديثاً ،و يصرفونهم عن كل أدب أو نقد مهما كان سامياً إن كان عربياً أو فيه شيء من فصاحة أو بلاغة أو أسلوب سليم .
ذاك هو السبب ، أن الرافعي أديب الأمة العربية المسلمة الناطق بلسانها و الذائد عن حماها ،و الحامل فكرها ، فما يلقاه اليوم لا يلقاه لغير هذا ، و هؤلاء إنما يخشون أشد الخشية أن يقف الناس في صف الأديب الذي نذر حياته لقيمهم و مبادئهم ، لا لأحاسيس تعبر في خواطرهم ساعة ثم ترحل عنها فهي في قدومها و ذهابها كالذباب الذي يحط على الطعام لحظات ثم يطير ، فليبق هؤلاء على دعواهم و لينكروا على الرجل أدبه إن أرادوا ، فالشمس لا تغيب دون أن تعود لتشرق ، و البحر الواسع لا تكدره الدلاء و إن كانت من كحل و شحم و قطران .
رحمك الله ..... رحم الله روحاً تعلقت بالسماء أيما تعلق ، و قلماً تعلق بالخير أيما تعلق ، و قلباً تعلق بربه أيما تعلق ، و عقلاً تعلق بالحق أيما تعلق ، فليت شعري ......... أي أدب ذاك الذي يخرج من هذه الأصول المجتمعة كلها .....!!
و إن من حقك على أمتك التي أفنيت عمرك مجاهداً في سبيلها أن تهب لك يوماً من زمنها ، يكون عيداً لذكراك و مجتمعاً لأرباب الفكر و القلم ، و صدقة جارية منك على الأدب كما كتبك ، ينشئ فيه المنشؤون ، و ينظم الناظمون ، و يتم به فضلك على الفكر الإنساني الذي طالما غصت بحثاً عن معانيه المخبوءة في قعور العقل و مغاور الروح .
من حقك يا أستاذنا علينا أن نحمل اسمك ، و نحيي ذكراك ، و ندفع عنك ، و ننشر فكرك في الناس ليتعلموا منه ، و أدبك فيهم لترقى نفوسهم به ، و ليبقى صوتك كما كان ، وقلمك كما كان ، بل أزهى و أبهى ، و ما ذلك ببعيد على الله و لا على من يعرفون للأدب الحق مكانه و للأدباء المستحقين مكانهم ، و لا على هذه الأمة التي نرجو أن تظل تمنح أبناءها المخلصين مقاماتهم و تحفظها لهم ، و إن جار عليهم من لا يرجون لله وقاراً .
التوقيع
الأديب هو من كان لأمته و للغتها في مواهب قلمه لقب من ألقاب التاريخ