كنتُ أعتقد دوماً بأن الأماكن الضيّقة تضيّقُ الخناق على الأفكار و تحجب المفردات عن القلم ,
ما أن استيقظت حتى قررت أن أمضي باحثةً عنه ذلك اليوم , و أتفرس بغداد في عينيه , فمنذ اللحظة الأولى لوصولي إلى ذلك المقهى تآمرت الأقدار معه ضدي ,
كانت بي رغبة جارفة في أن أقتل شوقي للعراق به و هذا القلب لا يتوقف لحظة واحدة عن إرسال تعليماته البائسة , لكن …
كانت في عينيه السوداوين المعبّرتين نظرات محمومة و ألم عميق , تحدثان عن وعيه الكامل بما يدور حوله و بأنه كان يعتمد على رجال متلونين وثق بهم حتى وصل إلى موقف صعب معه الإستمرار , عينان تجيدان التحدي دون مبرر أحياناً مما يجعل العلاقة أكثر تعقيدا و إرهاقا ,
تجمدت سنواتي أمامي و ليس في قلبها تغيير , رأسي خاوية و أفكاري هاربة , أحسستُ بالذهول من نفسي حين وجدتها تحسب الدم المتدفق في العروق , و دخان السجائر المتذمر من قسوة المكان , تلك الحقيقة التي أصابتني بالشلل التام , حيث كنت أتلاشى و أذوب في أعماقي محاولة إخفاء حقيقة ما أشعر به نحوه , و رغماً عني أخذتني أفكاري إلى منحى بعيداً و وحيداً و أكتشفت غبائي بعد أن غادرت المكان , و شعرت بألم الإنسلاخ الذي لا يعادله ألم.
مع كل رشفه للقهوة كانت تتسع مسامي لاستقبال ضحكته و ذبذبات صوته المُعذَب , لكن كتلة من الذعر في أعماق الظلمة القاتمة المرصوصة مثل أحجار الشوارع القديمة ملأت الطاولة الخمرية رعباً,
و ثبتنا الذعر في المكان , و العجيب أننا نغرق في الخيالات اللامنطقية لنشمت من أنفسنا قبل أن يوبخنا أحد, فحين تُعَهّر الروح تفزر النفس أشياء غريبة مقززة و يصير الفكر مخبولاً بتأثيرٍ من القرف مما يدور حولك, كما تشعر و كأن من حولك يتبادلون نظرات السخرية , و هم لا يشعرون بأننا نتأوه من الألم و بأن نظراتهم الساخرة تنهشنا , لكنه كان يعتصر الألم بصمت و كبرياء لم أرَ مثله قط , يال كبرياء هذا الرجل .
كنا ندير حواراً يوحدنا فيه الخجل و قلوبنا هدها التعب و غطى الشحوب على وجوهنا التي بدأت تتآكل مع الزمن ,و نشعر بالتلاشي و الذوبان حتى الإختفاء , و الحروف الموجعة تسقط مترنحة على طاولة الجراح,
نصارع واقعاً مليئاً بالمآسي كي نستعيد شيئاُ من الصمود و الرفض بوجه الإنكسار ,
و في النهاية نبتسم مدّعين الفرح , ’!
إن هذا الرجل بقدر ما أثار إستغرابي فإنه أثار شهيتي أيضاً ,و حضوره الذي يبعث الشجن و يملء الفراغ ,أسكن فيّ احساسا حميميا و أنا أتجول في عينيه و حلمي يلهو بي ,ولطالما تمنيت شرب قهوتي بصحبة رجل عراقي ,و كنت أتخيل أيّ قدر كنت سأساق اليه برفقته و أنا اعلم جيداً كم هو حجم شوقي لقطرة عاطفة نقية ,
أختصر خزائن الحب الفاخرة بالقوافي ,و صمت البوح على مرافئ القلب ,بعثرني الحنين لأرضه و لا أذكر أين أضعت بوصلتي و توقفت عن الكلام ,لأستقبل همساته العذبة و أنصت لأنفاسه التي حملتني إلى بلاد الرافدين ,
كبلني حضوره لأتغلغل في أعماق المستحيل و أصاب بعقم يعانق الحلم,و رعشة الخوف تنتحر على جسد الحكاية كي لا تهرم في قلبي الأشواق و لا تشيخ,فتحتضر الكلمات في حضوره,
أيها الرجل كم بحثت عنك في تجاويف الحرف فوجدتك نبضاً يتوهج وينمو في وريدي و أشواقي تزحف نحو عينيك بعذاب كاد يغتالها ,و الوهم الضامر الشديد الإغواء كان يفضح أفكاري ,
فكم تمنيت الإلتصاق بك و أن لا أنفصل عنك أبداً,كي أستمد منك الطمأنينة و الدفء ,و أمارس الحب المجنون و اللامنطقي معك دون أن أبالي , و لتعود ابتسامتي و حيوية صوتي ,فتلك لحظات أتوق لها بأعماقي,و لا أتحسّر على شيء سوى على هذا الحب الذي لم يتحقق.
لكن ..هل كنتُ عاشقة حقاً.؟!
كنتُ أعيش بحالة لهاث لحدوث شيء مميز يكون قادراً على امتصاص زخم أفكاري و عواطفي المحبوسة في قمقم الصمت,جعل روحي تلتهب بهوى المغامرات, و لأبرر لنفسي هذا الجنون الإقتحامي
حاولت جمع الأفكار فتوالدت في الخيال لذة معتقة بالحب,
أجمل ما حدث لي مع هذا الرجل أنه لم يكن عليّ تبديل ملامحي أو أن أتمثل القناع الذي يتوجب عليّ في مواجهة أيّ رجل آخر…
حضوره يفتح الشهية للحب و الحياة كما يوقظ الغرائز التي أسقطت في غيبوبة طويلة ,
و بين هذا الرجل و نظرات الشك ممن حولي , كنتُ أُحسُ باللامبالاة من نظراتهم ,و قلبي يشتعل و يندفع نحوه , أحسستُ بأنه إنتمائي ,و أنه قادرٌ على تغيير حياتي و شعور بالإمتنان أقرب منه للحب ,
و في اللحظات الأخيرة كانت تتقاذفنا المشاعر المتناقضة و الفرح مرهقٌ حد التعب , نتأرجح بين قلب يخفق بالحب و واقع ينادي بالرحيل,تحاصرنا الإنفعالات المتضاربة و حبالُ الشوق المثقلة بقصيدة ,
و روحٌ تتألم من مهزلة و خبث المدينة.
و….حان موعد السفر….
اخترت هذا النص كــ بداية معكم اتمنى ان ينال شيئا من الاعجاب و النقد الجاد
احترامي للجميع
الاستاذة مرمر القاسم
محبتي
نص جميل بلغة متقنة اقرب الى القصة القصيرة من الخاطرة
بل هو من جنس القصة القصيرة جدا التي تكتب بلغة الانا
انا سعيد اقرا لك للمرة الاولى مع تمنياتي لك بالموفقية
وطيب الاقامة في النبع العذب
التوقيع
آخر تعديل سعدون جبار البيضاني يوم 07-25-2010 في 05:36 PM.
الاستاذة مرمر القاسم
محبتي
نص جميل بلغة متقنة اقرب الى القصة القصيرة من الخاطرة
بل هو من جنس القصة القصيرة جدا التي تكتب بلغة الانا
انا سعيد اقرا لك للمرة الاولى مع تمنياتي لك بالموفقية
وطيب الاقامة في النبع العذب
كما قرات في بعض المواضيع كــ اضاءة نقدية للقص الوجيز"ق..ق..ج" بان النص لا يتعدا 100 كلمة ..
كتبت القصة القصيرة جدا و لكني مازلت في مرحلة التعلم ..فأعذر قلمي أستاذي ,أنا هنا لأتعلم ليس إلا..
فالف شكرا
مرحبا كثيرا بأستاذي
احترامي
التوقيع
لايكفي أن تطرق باب الإنسانية لتحس بمجيئها نحوك , عليك أن تخطو تجاهها و التوقف عن الاختباء خلف الزمن,
هنيئا للنبع حين يغرد قلبك على ضفافه ليسعد المتلقين
حروف رقيقة صادقة تعزف همسات القلب المتعب والروح الهائمة
قدرة كبيرة على إدارة الحرف ليكون طوع يراعك ليرسم أجمل الصور
كنت معك أستمع إلى عزفك ورقة أنغامك وجميل كلماتك العذبة
هطول عذب وجمال خلاب ونص ينبئ عن موهبة كبيرة حطت رحالها
على ساحات النبع فعسانا ننال المزيد من الكرم فكرا وأدبا راقيا
أخذتني أفكاري إلى منحى بعيداً و وحيداً =بعيدٍ و وحيدٍ
تميمتان تدفعان عنك شرور الحاسدين
تحياتي ومودتي
أستاذي الفاضل شكرا لهذه القراءة و هذا النقد الجميل ..أسعدني كثيرا
و شكراً لدفع الحاسدين عني ...
منكم اتعلم ..
تحية ملء ما قرأت من كتب و ما سأقرأ بإذن الله
هنيئا للنبع حين يغرد قلبك على ضفافه ليسعد المتلقين
حروف رقيقة صادقة تعزف همسات القلب المتعب والروح الهائمة
قدرة كبيرة على إدارة الحرف ليكون طوع يراعك ليرسم أجمل الصور
كنت معك أستمع إلى عزفك ورقة أنغامك وجميل كلماتك العذبة
هطول عذب وجمال خلاب ونص ينبئ عن موهبة كبيرة حطت رحالها
على ساحات النبع فعسانا ننال المزيد من الكرم فكرا وأدبا راقيا
أخذتني أفكاري إلى منحى بعيداً و وحيداً =بعيدٍ و وحيدٍ
تميمتان تدفعان عنك شرور الحاسدين
تحياتي ومودتي
أستاذي الفاضل شكرا لهذه القراءة و هذا النقد الجميل ..أسعدني كثيرا
و شكراً لدفع الحاسدين عني ...
منكم اتعلم ..
تحية ملء ما قرأت من كتب و ما سأقرأ بإذن الله
كل مرور لك أستاذي يساعدني على صقل قلمي
فشكرا لمرورك الثري
تحية ملء المحبة
التوقيع
لايكفي أن تطرق باب الإنسانية لتحس بمجيئها نحوك , عليك أن تخطو تجاهها و التوقف عن الاختباء خلف الزمن,
سعيدة أنا هذا المساء , بوجود النقد الحقيقي , و كم كنت انتظر من يشير الى نقاط الضعف او ركاكة الحرف لدي
لكن للأسف غالبية المنتديات العربية تتبع أسلوب جلب الكاتب ودفعه الى مرحلة من الغرور , أقصد" أن يظن أنه على مستوى و قدرة كبيرة هو ليس عليها"
كما هو الحال معي, اتمنى ان لا أصاب بالغرور و العياذ بالله, فمازلت في بداية الطريق ,و احتاج للنقد الصادق مهما كانت النتيجة فحتما هي لصالحي.
الف شكرا للجميع ولي عودة لمروركم الكريم
احترامي و تقديري الكبيرين
التوقيع
لايكفي أن تطرق باب الإنسانية لتحس بمجيئها نحوك , عليك أن تخطو تجاهها و التوقف عن الاختباء خلف الزمن,