يقول تعالى: {وَاسْتَمِعْ} يا محمد { يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ} قال كعب الأحبار: يأمر اللّه تعالى ملكاً أن ينادي على صخرة بيت المقدس: أيتها العظام البالية، والأوصال المتقطعة، إن اللّه تعالى يأمركنَّ أن تجتمعن لفصل القضاء{ يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ۚ} يعني النفخة في الصور التي تأتي بالحق الذي كان أكثرهم فيه يمترون، { ذَٰلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ} أي من الأجداث{ إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ}، أي هو الذي يبدأ الخلق ثم يعيده، وإليه مصير الخلائق كلهم، فيجازي كلاً بعمله، إن خيراً فخير، وإن شراً فشر، وقوله تعالى: {يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا ۚ} وذلك أن اللّه عزَّ وجلَّ ينزل مطراً من السماء ينبت به أجساد الخلائق كلها في قبورها كما ينبت الحب في الثرى بالماء، فإذا تكاملت الأجساد أمر اللّه تعالى إسرافيل فينفخ في الصور، فإذا نفخ خرجت الأرواح تتوهج بين السماء والأرض، فيقول اللّه عزَّ وجلَّ:وعزتي وجلالي لترجعن كل روح إلى الجسد الذي كانت تعمره، فترجع كل روح إلى جسدها، فتدب فيه كما يدب السم في اللديغ، وتنشق الأرض عنهم فيقومون إلى موقف الحساب، سراعاً مبادرين إلى أمر اللّه عزَّ وجلَّ، { مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ ۖ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَٰذَا يَوْمٌ عَسِرٌ[1]}، وقال تعالى: {يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَتَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا[2]}.
وفي صحيح مسلم عن أنَس رضي اللّه عنه قال، قال رسول اللّه صلى اللّه عليه آله وصحبه وسلم: (أنا أول من تنشق عنه الأرض) وقوله عزَّ وجلَّ: {ذَٰلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ} أي تلك إعادة سهلة علينا يسيرة لدينا، كما قال جلَّ جلاله: { وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ[3]}، وقال سبحانه وتعالى: { مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ[4]}، وقوله جلَّ وعلا: { نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ} أي علمنا محيط بما يقول لك المشركون، فلا يهولنك ذلك؛ كقوله:{ وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ[5]}، وقوله تبارك وتعالى:{ وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ} أي ولست بالذي تجبر هؤلاء على الهدى، وليس ذلك مما كلفت به، وقال مجاهد والضحّاك:أي لا تتجبر عليهم، والقول الأول أولى، قال الفراء:سمعت العرب تقول: جبر فلان فلاناً على كذا بمعنى أجبره، ثم قال عزَّ وجلَّ:{ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ} أي بلّغ أنت رسالة ربك، فإنما يتذكر من يخاف اللّه ووعيده كقوله تعالى:{ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ[6]}، وقوله جلَّ جلاله:{ فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ}.
{ لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ۗ [7]}، { إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ[8]} ولهذا قال ههنا: { وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِجَبَّارٍ ۖ فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ} كان قتادة يقول: اللهم اجعلنا ممن يخاف وعيدك، ويرجو موعودك، يا بار يا رحيم.