الثقافة العربية ... ربيع قادم أم خريف دائم ..؟!!
07/01/2013
الثقافة العربية الحالية تعيش مخاضا كبيرا بسبب التهميش الذي يفرضه كثير من أهل الحل والعقد بكراسي الحكم في الأمة العربية ولا أعمم فهناك دول أعطت المثقف والثقافة كثير من الاهتمام والرعاية في حين اعتبرتها الأخرى أنها الغول المخيف بالنسبة لهم و اعتبرت إن كلما تثقفت الشعوب أصبحت أكثر خطرا عليهم وعلى كراسيهم من وجهة نظرهم الخاصة مما دفع هذه الشعوب بالثورة على هذه الحكومات ... كثيرة هي التحديات التي عصفت ومازالت تعصف بثقافتنا العربية والتي يبدو إنها لم تعد قادرة على الصمود أكثر أمام هذه التحديات ورياح الادلجة والتغيير في ظل حكم العولمة ... كيف سيواجه مثقفونا هذه الرياح والصمود بالثقافة العربية والعبور بها إلى ضفة الاستقرار والتأثير في الأخر وكسبه ... فكانت لنا هذه الجولة مع بعض المثقفين والأدباء العرب لتسليط الضوء عن هذه القضية الكبرى التي تواجه العرب ونحن نعيش أيام الربيع العربي أو ربما خريف عربي قادم كما سبقته فصول خريف كثيرة على امتنا العربية قمنا بطرح أسئلة على أدباؤنا ومنها سنستشف الإجابة عن قضيتنا المصيرية هذه ...
السؤال الأول كان : في ظل الصراعات الثقافية والايدولوجيات المختلفة التي تعصف بالعالم وخاصة عالمنا العربي برأيك ما هو موقف الثقافة العربية إزاء ما يدور حولها ؟
وهل تستطيع الثقافة العربية التأثير في الأخر واستيعابه ؟
أما سؤالنا الثاني فقد كان : كيف تساهم الثقافة في لم الشمل العربي وجمعه تحت راية ( ثقافتنا سلاحنا ) ؟
فأجابتنا الأديبة والشاعرة / أسماء بنت صقر ألقاسمي / الإمارات العربية : للأسف في ظل ما يسمى بالربيع العربي وأنا لي تحفظ شديد على هذه التسمية وأعتبر ما حدث هو خريف عربي مخطط له ومعد ومرتب منذ عشرات السنوات خططت له دول معروفة بالتعاون مع جماعة معروفة لم يكن لها ناقة ولا جمل في الثورات إنما كان الدور المرسوم لها قطاف ثمرة هذه الثورات والتربع على الكرسي مقابل إعادة الأمة لعصور التخلف والظلام وتكميم أفواه الإعلام الحر والمثقفين وما حصل في مصر وليبيا وتونس خير دليل على انحسار دور المثقف وتهميشه بل ما حصل الاسؤ من سن قوانين تجريم ما يكتبه مرة بدعوى المساس بهيبة السلطة ومرة بحجة المساس بالدين وهي تهم جاهزة ومعلبة لكل مثقف لا ترضى عنه السلطة والأشد والانكى في هذا الخريف تقسيم الأمة لفسطاطين المؤمنين والكفار حسب تصنيف السلطات الجديدة وطبعا المثقفين للأسف من الفسطاط الأخر وبهذا استطاعوا تكميم أفواههم وتركهم في مؤخرة الركب الثقافي والفكري ، الثقافة العربية الحالية تعيش مخاضا كبيرا بسبب التهميش الذي يفرضه كثير من أهل الحل والعقد بكراسي الحكم في الأمة العربية ولا أعمم فهناك دول أعطت المثقف والثقافة كثير من الاهتمام والرعاية في حين اعتبرتها الأخرى أنها الغول المخيف بالنسبة لهم و اعتبرت إن كلما تثقفت الشعوب أصبحت أكثر خطرا عليهم وعلى كراسيهم من وجهة نظرهم الخاصة مما دفع هذه الشعوب بالثورة على هذه الحكومات التي همشت الثقافة الجادة المبنية على النقاش والمعرفة لثقافة الميوعة وتصدير الألفاظ والسلوكيات الغريبة عن مجتمعاتنا بحجة الانفتاح .
وعليه فأرى انه من الضروري فك العزلة عن هذه الثقافة الجادة والمثقفين المحترمين والمخلصين لا وكأنهم وأمتهم العربية وبين الحكومات حتى يمكنها أن تقوم بدورها الحيوي والفعال في تنمية العنصر البشري العربي بشكل قوي . كي يكون لهم الدور الفاعل والكبير في وحدة هذه الشعوب وتقاربها والتفاخر بإرثها وحاضرها بعيدا عن التغريب واستيراد الغث من ثقافات لا تتماشى ديننا وتقاليدنا .
أما الأديب والشاعر عبد الرحمن لطفي / سوريا فقد كانت إجابته : إن ما يعصف بالوطن العربي اكبر من أن تتحمله الثقافة العربية من كل نواحيه بموقف يؤثر فيه كما إن التعتيم الثقافي الذي عانته الطبقة المثقفة وعزلها عن حريتها جعلت هذا التأثير محدود جدا ولا يمكن لثقافة ما تزال تحت الإقامة الجبرية أن تلم الشمل، قد أكون متشائم لكن الواقع ينبئ عن ذلك .
وأجابنا الأديب زياد السعودي / الأردن : الثقافة العربية مسيسة رغما عنها ، وفاقدة للحياد والانزياح نحو الإنساني فنجد الخطاب الثقافي متباين الطرح ومنطلق من قواعد شكلت همه الثقافي ومادة كلامه هي قادرة على استيعاب حزم خاصة ، بها حزم تتماشى مع مشروعها السياسي الثقافي وبالتالي فان تأثيرها عمودي لا أفقي خاضع للحياد والنظر إلى الأمور من الخارج
البحث عن نقاط الاتفاق من شانه أن يؤدي إلى ميلاد ثقافة عربية جديدة متجددة تحمل الهم وتشكل سلاحا يحمي الإنسانية لا سلاحا يحمي السلطة والحزب والنفوذ .
بينما الشاعر عبد الكريم سمعون / سوريا ، فقد أجابنا : ربما باتت في هذا الزمان كلمة الثقافة العربية حالها كحال أغلب المفاهيم التي تحمل عكس معناها أو على الأقل مفرغة من المحتوى ..مفاهيم جوفاء تماما .. فأنا لا أرى ما نستطيع تسميته ثقافة عربية كما لا أجد ما أستطيع تسميته كرة قدم عربية ولا قصيدة نثر عربية ولا نظريات طبية عربية ..العرب اعتادوا على النجومية وحب الظهور الفردي فليس هناك عربيا يستطيع أداء دوره كجزء من فريق بل الجميع يجب أن يتألق ويظهر كبطل وينال نظرات الإعجاب والتصفيق .. وبالتالي هنا سنزعم افتراضا وجود ثقافة عربية وبهذا الحال ستكون أولى مهام هذه الثقافة هي وحدة الرأي وتوحيد التسميات .. العدو هو أمريكا وإسرائيل .. وجميع ذيولهم وعملائهم وأتباعهم .
ولاشك عندما يكون هناك وحدة رأي سيتشكل لدينا موقف عربي وهنا لا بد من أن يؤثر بالآخر لأن المقدرات العربية ( التي ستكون تابعة لدعم هذا الموقف من نفط وغاز وثروات وسوق تصريف كبيرة ....) لا يستهان بها .. سياسيا واقتصاديا عالميا .. وأذكر تيمناً قول للإمام علي( كرم الله وجهه) ( لا رأي لمن لا يطاع ( وبالتأكيد لا طاعة لمن لا سلطان ونفوذ وقوة له .. بشكل أو بآخر .
ربما لا وفيما لو توحد الرأي الثقافي العربي سيعقبه وحدة مقدرات وطاقات وموارد بالتالي الوحدة الاقتصادية وهنا سيكون العالم مرغما لقبول القرارات والمقررات العربية .. وسيكون هناك وحدة قوى عربية وهي السلاح بكافة أشكاله الاقتصادي والحربي والفكري والعلمي ووووو ....
بينما أجابنا الشاعر والأديب حسن رحيم الخرساني / العراق - السويد : سؤالك حول موقف الثقافة العربية إزاء ما يدور حولها، هو سؤالٌ مفتوح ليس له من إجابة ٍ ثابتة حتى يستقر عليها السؤال، وذلك بسبب تعدد الثقافات بين الدول العربية ، بل تعدد الثقافة بين الوطن الواحد نتيجة الصراع الديني خاصة ، والصراع الطبقي والأيديولوجي عامة، وتأتي تعدد الثقافات بين الدولة العربية بسبب خضوع تلك الدولة تحت سيطرت الثقافة التي كانت تستعمرها، فمازالت تلك الثقافات باقية رغم خروج المستعمر وبالتالي تبقى ثقافة الدولة في زنزانة البعيد وبلا حرية، وكذلك ما دام المنتج لتلك الثقافة يقف على أساس غير متزن ، بالنتيجة يكون الوليد ـ الثقافة ـ هو بلا هوية حقيقية تجعله كفيل بنفسه أن يقف موقفا قويا أمام التيارات الثقافية الأخرى.في البداية أنا لا أحب كلمة ـ السلاح ـ وأفضلُ بدلا منها ـ ثقافتنا هي سلامنا ـ ،لأن فعل الكلمة له تأثير في النفس البشرية ، وكذلك في بناء حضارة المجتمع وتشييد الأسس السليمة للمستقبل..أما حول كيفية مساهمة الثقافة في لم الشمل العربي، فأنا أرى إن المثقف هو الفاعل الحقيقي في تحقيق التقارب بين الشعوب العربية، باعتبار المثقف هو المنتجة للثقافة وكذلك هو نافذة الوعي في بناء أواصر حقيقية ومتينة تجمع بين يديها أطراف التنوع والاختلاف تحت خيمة السلام والحب والاستفادة من ألوان الحضارات وبالتالي بلورة أساس يتركز عليه جميع أطياف الشعب العربي، وهذا لا يأتي إلا بعد أن تتلاشى حواجزٌ كثيرة وعقبات راسخة جلستْ مع سبق الإصرار والترصد في الذات العربية.
أما للأديب حسن حجازي / مصر فقد كانت له هذه الإجابة : في ظل ما يدور حالياً حولنا في العالم وفي المنطقة العربية تحديدا هناك محاولات للحاق بما يدور لكنها محاولات فردية من جانب بعض المبدعين على خجل وخوف إما بسرعة ما يدور وصعوبة اللحاق به أو الخوف مما ينتظرهم من قصف للأقلام بل ربما الرؤوس , هناك محاولات من داخل بلادنا العربية لغزو ثقافات واتجاهات وأيديولوجيات ثقافية ودينية , وهذا ما نلمسه من محاولة فرض بعض المذاهب الدينية في بعض دول الربيع العربي , ومن الخارج بفرض بعض القيم عن طريق بث بعض الأعمال الدرامية وخاصة التركية التي تقريبا غَزت كل بلد عربي , لكن هنا لا نستطيع إنكار بعض الجهود من مؤسسات عربية من الخليج والسعودية عن طريق تنظيم بعض المبادرات والمشاريع الثقافية الكبرى كالترجمة والإبداع ورصد الميزانيات الضخمة وعمل الدعاية اللازمة لذلك .
وفي كل الأحوال ترتبط الثقافة بالاقتصاد فالدول الكبرى الغنية تلتهم وتغزو الدول الأكثر فقراً في شتى المجالات .. الثقافة العربية تتأثر وتؤثر لكن التأثر بدرجة أكبر والتأثير في الآخر بدرجة أقل أما استيعاب الآخر ربما بدرجة طفيفة من جانب بعض الفئات المثقفة لقلة المهتمين بالقراء وانتشار الأمية والجهل أعتقد أن هذا يقتصر على ما يُعرف بالنخبة .
أما تأثير الثقافة العربية في الخارج أعتقد أنه بدرجة كبيرة أقل ستطيع الثقافة العربية لم الشمل العربي وجمعه تحت راية واحدة ليصبح الشعار (ثقافتنا سلاحنا )
هو الاهتمام باللغة العربية ورعايتها والاهتمام بالنشء منذ الطفولة والقضاء على مشكلة الأمية وتطوير اللغة العربية وعلومها ورعاية الأدباء والموهوبين وتجنيد وسائل الإعلام المسموع والمرئي والمطبوع .. في سبيل تلك الآمال والطموحات الغير مستحيلة , وبث قيم السماحة والعدل والمساواة , من هذا نحدد أهداف مشتركة تُصاغ بعناية نلتف جميعا حولها لتكون بمثابة حصنا منيعا لا ليواجه الآخر بل يأخذ ما يناسبنا ويلفظ من يتنافى مع قيمنا وأخلاقنا بعقلية متفتحة ناضجة تواكب العصر وتحافظ على أصالتها .
وأخيرا أجابنا الأديب والشاعر إسماعيل حسن سيفو / سوريا : وعلى اعتبار أن الثقافة والايدولوجيا العربية ما عدا الإسلامية والدينية عموما هي ليست نتاجا عربيا مستورد تجربة الخارج الغرب فإن موقف الثقافة الدينية الإسلامية هي الأقوى على الأرض وفي الأذهان وهي التي تقف موقف التربص بالأنظمة القائمة وبالثقافات الأخرى الوافدة وتصارع بكل قوة لاحتلال الصدارة واكتساح الموقف واعتلاء قمة الهرم في بنية السلطة العربية وهي الثقافة المهيمنة حاليا وستفوز بالصراع ليس فقط كأيديولوجينا دينية عقائدية بل وكأساس في بنية السلطة والدستور والثقافة المعممة على نحو عام وتدعي قدرتها في التصدي الكلي للمشروع الاستعماري الغربي وللمشروع الثقافي الشرقي الذي يسعى للعودة فاعلا على الأرض العربية والعالمية وأرى أن الثقافة والايدولوجيا والعقائد الدينية الإسلامية غير قادرة على فهم الآخر والإقرار بوجوده واحتوائه بل هي تكفِّره فكيف يمكن لها أن تكون فاعلة ومؤثرة فيه ،
إن التأثير بالآخر يقتضي الاعتراف به وتفهمه والاستعداد للحوار معه والوصول معه إلى نقاط مشتركة يمكن البناء عليها للتكامل وهذا ليس متاحا فقط في مجال العلم والاقتصاد والتكنولوجيا ـ أما المجال الثقافي العقائدي ولاسيما بناء جسور مشتركة لحركة تاريخية واحدة في عصر العولمة فهو يقتضي أكثر من مجرد الاعتراف بل الانتقال إلى مرحلة التعاون والتكامل وهذا هو دور المثقفين والمتعلمين والاقتصاديين الأحرار العرب.ثقافتنا ليست سلاحا فثمة تناقض في التركيب، الثقافة وسيلة أو أداة فاعلة لإنتاج واقع جديد حضاري تنتفي فيه الصراعات الدموية العنيفة الإقصائية وتتحول العملية التاريخية إلى عملية تعاون وتكامل حضاري فالثقافات الإنسانية تعيد إنتاج واقع تعددي سلمي عقلاني متعاون متكامل وهكذا ينتفي الصراع من أساسه وهذه هي مهمة المثقفين العقلانيين العرب بالمرحلة الراهنة والقادمة ولكن كيف تتحقق مثل هذه المهمة النقلة النوعية تاريخيا أقول إن دور المثقفين والإنسانيين والمؤمنين والوطنيين العرب هو تحقيق هذه الفعالية على الأرض بالانتقال من مجرد متلقي إلى منتج ثقافة جديدة هي ثقافة العصر بالتعاون مع جميع مثقفي العالم فالثقافة عابرة القارات والقوميات هي والعلوم جسرا لعبور تاريخي نحو تاريخ سلمي ديمقراطي تعددي آمن متصالح من العولمة وفاعل فيها وغير معاد لها لأنها هي الطابع الغالي تاريخا الآن وفي المرحلة المقبلة فالإنسان والمثقف العربي أصبح عالميا ووطنيا بالضرورة التاريخية والعولمة هذه لا تتنافى مع الوطنية فالمتعلمين العرب والمثقفين والموارد البشرية كلها تساهم في عملية أنتاج العولمة عبر جميع دول العالم وهي متواجدة على أرض الآخر بكثافة ومن هنا يمكن للمثقفين والمتعلمين العرب أن يثبتوا من جديد أن الثقافة هي العامل الأساسي الأول في صناعة التاريخ العربي الجديد المتعاون والمقبول من الآخر العربي وغير العربي
فراس مرعب