ضرب الصحابة رضي الله عنهم أروع الأمثلة في محبتهم لنبيهم صلى الله عليه وسلم.
لأن محبة النبي صلى الله عليه وسلم أصل عظيم من أصول الإسلام، وشرط من شروط صحة الإيمان، قال الله تعالى: {قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموالٌ اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين}[التوبة: 24]
ويجب أن تكون محبته النبي صلى الله عليه مقدمة على محبة الأهل والمال والولد أخرج البخاري عن صلى الله عليه:" لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين" [1]. وحين قال عمر للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله لأنت أحبّ إلىّ من كل شيء إلا من نفسي. أجابه الرسول صلى الله عليه وسلم بقوله:" لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك". فقال عندها عمر: فإنه الآن والله لأنت أحب إليّ من نفسي، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:"الآن يا عمر".. وحين سئل علي بن أبي طالب رضي الله عنه:" كيف كان حبكم لرسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "كان والله أحب إلينا من أموالنا وأولادنا وآباؤنا وأمهاتنا ومن الماء البارد على الظمأ".
فهذا زيد بن الدَّثِنة رضي الله عنه لما أسر في غزوة الرجيع وجيء به إلى مكة واشتراه صفوان بن أمية وأخرجه إلى التنعيم ليقتله بأبيه أمية بن خلف، اجتمعت عليه قريش وفيهم أبو سفيان فقال له: أنشدك الله يا زيد، أتحب أن محمدًا عندنا الآن في مكانك نضرب عنقه وأنّك في أهلك؟! قال: والله ما أحب أن محمدًا الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه، وأنّي جالس في أهلي، قال أبو سفيان: ما رأيت من الناس أحدًا يحب أحدً كحب أصحاب محمد لمحمد صلى الله عليه وسلم، ثم قتلوه رضي الله عنه[2].
وفي السيرة النبوية[3]: أن امرأة من الأنصار قتل أبوها وأخوها وزوجها وابنها يوم أحد، فلما أخبروها قالت: ما فعل النبي صلى الله عليه وسلم؟ قالوا: خيرًا هو بحمد الله كما تحبين، قالت: أرونيه انظر إليه، فلما رأته قالت: كلُّ مصيبةٍ بعدَك هينةٌ، كُلُّ جَللٍ بعدَك هينٌ يا رسول الله وفي رواية: بأبي أنت وأمي، لا أبالي إذا سلمت من عطب (أي: أذى).
ولما أُسِرَ خُبَيبُ بنُ عَدِي رضى الله عنه في مكة ، وأُخرج إلى خارج حدودِ الحرم، لتُضرَب عنُقُه، ليُقْتَل، قال لهم: أمهلوني حتى أصلي ركعتين، صلى ركعتين خفيفتين، وقال للكفار لولا أن تظنوا أن بِيَ جَزَعٌ من الموت لأطَلْتُ في صلاتي، لكن كي لا تظنوا أني خائفٌ من الموت، قدَّموه للقتل، قدَّمُوه لضرْبِ العنق، قدموه ليُقطعَ الرأسُ عن الجسد، نكَّلوا به، عذبوه، ورفعوه على خشبة، لتُقطع عنقه، اسمعوا يقولون له أَتُحِبُّ أنَّك في أهلِكَ ومحمدٌ مكانَك؟ يقول واللهِ ما أُحبُّ أن أكونَ في أهلي، ومحمدٌ يُشاكَ بشوكةٍ في قدمه، يعنى لو قُتلتُ وقُتل أهلي، لا أتمنى أن يكون محمد مكاني، بل ولا أن يصاب بشوكة في قدمه.
وهذا أبو طلحة رضي الله عنه في يوم أُحد، يقول له الرسول ارمِ أبا طلحة، يُعطَى النبال، ويَبدأ بالرمي إلى المشركين، أراد النبيُّ أن يُشرفَ ماذا يحصل في المعركة، قال أبو طلحة: لا تُشرفْ يا رسول الله، لا تُشرفْ على القوم يا رسول الله، نَحرِي، نحري دون نحرِكَ يا رسول الله، نحري دون نحرك يا رسول الله، أن يدخُلَ السهم في نحري فأُقتل هذا أطيب إلى قلبي، أحب من أن تصاب أنت يا رسول الله.
وهذي الصحابيةُ الجليلة، نَسِيبَةُ بنتُ كعبٍ، في يوم أحد، لما رأت أن القوم تكاثروا على رسول الله، أي أحاط به الكفار، وحاصروه، استلَّت سيفَها، ودخلت بين صفوفِ المقاتلين، تضرِبُ يمينًا وشمالاً، حتى وقفت بين يدي رسول الله، وجعلت تقاتِلُ دونَه، وتدفَعُ عنه، وهى تردُّ الضربات، بجسدها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى قال الرسول حتى قال الرسول ومَن يُطيقُ ما تُطِيقين يا أمَّ عُمارة !؟ ، وقد أُصيب ولَدَها و جُرح في المعركة، فلم تترك الدفاعَ عن الرسول، بقيت تقاتل دونَ الرسول، وهي تحرِّض ولَدَها وتقول، يا بنيَّ قم فاضربِ القوم، يا بنيَّ قم فاضرب القوم، وهي تدافع عن الرسول، حتى قال الرسول ما التفتُّ يمينًا ولا شمالاً يومَ أُحدٍ إلا ورأيتُ نَسبيةَ تقاتل دونى .
هذا الحب لرسول الله، هو الذي دفع أبو بكر الصديق في الهجرة،أن يمشي مرةً أمام النبي، ومرةً خلفه، مرةً عن اليمين ومرةً عن الشمال، خوفًا عليه من أي شيءٍ يؤذيه، ودخلَ الغارَ قبْلَه يغطي كل ثقب خشية خروج عقرب أو أفعى تؤذي رسول الله. وهذا عليٌّ رضي الله عنه، ينامُ في فراشه، ويتسجى ببرده.
ولما احتَضَر بلال الحبشي مؤذنُ رسول الله وهو يموت، قالت زوجتُه واحَزَناه، قال لها: بل قولي واطرباهُ، غدًا نلقى الأحبة، محمدًا وصحبَه. واطرباه، في فرحٍ وسرور، لأنه سيلقى النبيَّ يومَ القيامة، قال بل واطرباه غدًا نلقى الأحبة، محمدًا وصحبه ، هكذا كان حُبُّهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم.
يقول أبو سفيان لما كان مشركاً:والله ما رأيت ملكاً يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمدٍ محمداً"
أما خبيب بن عدي رضي الله عنه لما رفع كفار قريش خبيباً رضي الله عنه على الخشبة ونادوه يناشدونه:"أتحبّ ان محمداً مكانك؟!. قال: لا والله العظيم ما أحب ان يفديني بشوكة يشاكها في قدمه، فضحكوا منه"(4).
وترّس أبو دجانة يوم أحد على رسول الله صلى الله عليه وسلم بظهره، والنبل يقع فيه، وهو لا يتحرك(5).
ومصّ مالك الخدري (أبوسعيد) رضي الله عنه جرح رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أنقاه، فقال له صلى الله عليه وسلّم: "مجه.قال: والله ما أمجّه أبداً" (6).
قال زيد بن ثابت رضي الله عنه: «بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد أطلب سعد بن الربيع فقال لي: ان رأيته فأقرئه مني السلام، وقل له: يقول لك رسول الله صلى لله عليه وسلم: كيف تجدك؟!.
قال: فجعلت أطوف بين القتلى فأتيته وهو بآخر رمق وفيه سبعون ضربة ما بين طعنة رمح وضربة سيف ورمية سهم، فقلت: يا سعد، ان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ عليك السلام ويقول لك: أخبرني كيف تجدك؟!. فقال: على رسول الله صلى الله عليه وسلم السلام: قل له: يا رسول الله أجد ريح الجنة.
وقل لقومي الأنصار:" لا عذر لكم عند الله ان خلص الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفيكم عين تطرف.وفاضت نفسه من وقته"(7).
ولم يكن هذا التفاني، وذاك الحب خاصاً بالرجال فحسب، بل حتى النساء ضربن أروع الأمثلة في البذل والفداء، والتضحية والعطاء لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وظهر منهن من صدق الحب له عليه الصلاة والسلام الشيء العظيم، والمواقف هي التي تكشف عن هذا الأمر، فمن تلك المواقف: خرجت امرأة من الأنصار قتل أبوها وأخوها وزوجها يوم أحد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: "ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! قالوا: خيراً هو بحمد الله كما تحبين! قالت: أرونيه حتى أنظر اليه، فلما رأته قالت: كل مصيبة بعدك جلل" (8).
ذكر ابن هشام في السيرة النبوية أنه: لما قدم أبو سفيان المدينة، دخل على ابنته أم حبيبة رضي الله عنها "فلما ذهب ليجلس على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم طوته عنه، فقال: يا بنية، ما أدري أرغبت بي عن هذا الفراش أم رغبت به عني؟! «قالت: بل هو فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت رجل مشرك نجس" (9).
وأخيراً: يجسد لنا عروة بن مسعود الثقفي مدى محبة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه، وهو الرجل الذي وفد على الكثير من الملوك، فيقول في ذلك:"أي قوم، والله لقد وفدت على الملوك، على كسرى وقيصر والنجاشي، والله ما رأيت ملكاً يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب محمدٍ محمداً، والله ان تنخم نخامة الا وقعت في كف رجل منهم فدلّك بها وجهه وجلده، واذا أمرهم ابتدروا أمره، واذا توضأ كادوا يقتتلون على وضٌوئه، واذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده، وما يُحدُّون اليه النظر تعظيماً له" (10).
فلابد لنا أن نؤثر النبي صلى الله عليه وسلم على أنفسنا وأموالنا وأهلينا، وأن نتأسى ونقتدي بهم في ذلك، وعلينا ان نقتدي بهؤلاء الصحابة الكرام في إخلاصهم في نصرته ونصرة شرعه ودينه وبخاصة الهجمات التي تشن اليوم التي هادفة للنيل من رسول الله صلى الله عليه وسلم،مادام فينا قلب ينبض.
ولكي نعرف مدى محبتنا له صلى الله عليه وسلم، ومصداقية هذه المحبة؟! لابد أن نسأل أنفسنا هل لها أثر في واقع حياتنا، ومجريات سلوكنا، وماذا قدمنا للدفاع عن سنته، والذب عنه، ونشر سنته في الناس؟!
ومن علامات محبة النبي صلى الله عليه وسلم
1- الإحسان إلى أهل بيته وذريته.
2- بغض من يبغضه صلى الله عليه وسلم .
3- توقيره واحترامه وتعظيمه بعد وفاته .
4- محبة من يحبه صلى الله عليه وسلم من الصحابة.
5- الشوق إلى لقائه صلى الله عليه وسلم .
6- كثرة ذكره صلى الله عليه وسلم بالصلاة عليه والاطلاع في سيرته .
7- الاقتداء به واتباعه في الأمر والنهي.
8- اتباع الواجب والمستحب من سنته صلى الله عليه وسلم .
9- توقيرأهله وعترته ونسائه.
10- الذب عنه صلى الله عليه وسلم .
11-التمسك بسنته وهديه.
وصلى الله على نبينا محمد.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ـــــ
المصادر و المراجع [1] أخرجه البخاري/15وحديث عمر أخرجه البخاري/ 6632. [2] أسد الغابة 2/134. [3] أسد الغابة 3/110.ورواه الحافظ ابن الجوزي عن أنس رضي الله(4)البداية والنهاية ص 130. (5) أيضاً ص 136.(6) زاد المعاد 134/2.(7) السيرة النبوية، ابن كثير 439/1 - 441، البداية والنهاية 30/3.(8) رواه والبيهقي مرسلاً، والجلل: الحقيرة.(9) سيرة ابن هشام، ذكر الأسباب الموجبة للمسير الى مكة.(10) زاد المعاد، 125/3.
عن عبد الرحمن بن عوف ـ رضي الله عنه
عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: "قال الله تعالى: أنا الرحمن أنا خلقت الرحم وشققت لها اسماً من اسمي فمن وصلها وصلته ومن قطعها قطعته".