في المخيم ولدته ، وبلبن جراحات المنكوبين غذيته، وباسم سيد المرسلين أسميته ، وعلى حب الأرض السليبة أنشأته ، وبرغيف الخبز المغموس بعرق الكرامة ربيته ،فشب ملء العين إباء ً ورجولة وتقى ، يحمل في سويداء فؤاده عشق الأرض والشهادة ، وفوق كاهله الغض هموم وأعباء الانتفاضة . غداة يوم استشهاده نهض وأذان الفجر اغتسل وتوضأ صلى صلاة الفجر وراح يتلو آيا ً من الذكر الحكيم ، ختم تلاوته مرتلا ً قول رب العزة ( ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا ً بل احياء ٌ عند ربهم يرزقون ) (169) آل عمران
أغلق المصحف الشريف ... قبله ٌ .. وأعاده إلى مكانه ، أسرعت وحضرت له طعام الفطور و شاي الصباح ، نهض ... تسربل بحزامه الناسف ... ارتدى ملابس جندي صهيوني ..علق على كتفيه حقيبته الملأى بالمتفجرات ... التفت إلي مخاطبا ً ، أماه يا حشاشة نفسي و نبض فؤادي و يا أعذب ترنيمة تمتمت بها شفتاي ، أماه لقد جاوزت ذئاب الغدر المدى فها هي ، تلغ بدمائنا تدك بقنابل الحقد مدننا و قرانا ، تزرع الرعب في قلوب أطفالنا ، تزج خلف القضبان الآلاف من شبابنا ، تدنس أقدامها النتنة مقدساتنا ، تخنق أماه - وبلا رحمة - جميل أمانينا ، أماه لا تذرفي الدمع لفراقي تصبري و تجلدي ، و ليكن عزاؤك في فقدي انك أنجبت الرجل الرجل في زمن عزت فيه الرجال .
محمد يا ولدي و يا ريحانة روحي و فلذة كبدي امض إلى سبيلك يا ولدي و لا تتردد أذق قراصنة العصر و لصوص الدهر كأس الموت قل لقطعانهم انه لا سبيل أمامهم سوى الرحيل عن أرضنا . قل لهم أن أهل فلسطين لن يركعوا و لن يخضعوا أمام ترسانة أسلحتهم و أن قوافل الشهداء قادمة يردف بعضهم بعضا أعدك محمد أن أضمد جراحات قلبي .. دنوت منه .. ضممته إلى صدري..... طبعت فوق جبينه الوضاء قبلتي . خرج ممشوق القامة ... نظر إلي لوح بيده ثم توارى عن ناظري ... . بعد خروجه استعرت نيران القلق و التوجس في قلبي خشية فشل عمليته - لا قدر الله - فيقع أسيرا ً أو جريحا ً بين أيدي مجرمي هذا العصر ، و رحت أتقلب على أحر من الجمر أقلب محطات التلفزة ، استمع إلى نشرات الأخبار وإذ بمحطة من المحطات تقطع بثها لتقول وردنا للتو خبر عاجل ، في تمام الساعة العاشرة و الربع من ضحى هذا اليوم استشهادي فلسطيني يفجر نفسه في شارع مزدحم بتل أبيب موقعا ً أربعة وعشرون قتيلا َ في صفوف العدو ، وما يربو على الخمسين جريحا ً ، جراح عشرة منهم في غاية الخطر .
تهلل وجهي بشرا ً و سرورا ً وحمدت الله على استشهاده ثم أطلقت العنان لدموع ٍ أبت إلا أن تتحدر من مقلتي و أنا اردد :
و اليوم ......
أتوا يحملون قميص حبيبي
و قد خضبته دماء الأصيل
فما هي حيلتي يا قصيدة عمري
إذا كنت أنت جميلا ....و حظي قليل
التوقيع
أحنُّ إلى خبز أمي
و قهوة أمي .. و لمسة أمي
و تكبر فيّأ الطفولة .. يوماً على صدر يوم
و أعشق عمري .. لأني إذا مت ُ أخجل ُ من
دمع ... أمي ...
امض إلى سبيلك يا ولدي و لا تتردد أذق قراصنة العصر و لصوص الدهر كأس الموت قل لقطعانهم انه لا سبيل أمامهم سوى الرحيل عن أرضنا . قل لهم أن أهل فلسطين لن يركعوا و لن يخضعوا أمام ترسانة أسلحتهم و أن قوافل الشهداء قادمة يردف بعضهم بعضا أعدك محمد أن أضمد جراحات قلبي ..
هذا هو قدر الرجال الغيارى
أستاذ أسامة الكيلاني
قصة رائعة
شكرا لك
تقديري