إزرعوا شجرة عند بوابة احلامي ، لتمنحوا ابتسامتي خلودها ..
انقذوا البيئة ان استطعتم ، ليس من اجلي فقد ابتلعني دخانها وقتل فيّ احلاماً كثيرة ، بل قتلني وليس من عودة للروح التي كنتها من قبل ، لكن انقذوا البيئة من اجل امرأة اخرى ، حتى لاتعيش مأساتي ..
***
هذه تجربة حقيقية لأمرأة عراقية لم تكتشف مافعله بها تلوث الجو الا بعد فوات الاوان ! احكي لكم الحكاية ، بصوتي وقلمي وبقلبها و وجرحها، وانقل لكم شعورها ، عسى ان يصل صوتها وجرحها الى من بيده انقاذ بيئتنا ، فيستفزه الالم وهو يقرأ ما فعلته البيئة المشوهة بالناس ، ومنها هذه المرأة التي تدور في رأسها اسئلة نابعة من عذاباتها :
ما الذنب الذي اقترفته لأكون ضحية من ضحايا الحروب التي ابتلتنا بالملوثات ؟! ماذنب العراقيين المعذبين من جراء امراض البيئة ؟ ومن جرا ءالفقر وافتقار واقعهم المعاش الى ابسط شروط الحياة ؟!
***
لنبدأ البوح من قلب هذه العراقية :
تزوجت وفي قلبي احلام بالحب تنمو ، وقطرات الندى تداعب ورود احلامي كل صباح . وانا امرأة تهوى التحليق صوب مرافئ النقاء والصفاء .. أحب الناس والحياة والخير واحب ان يبقى لون الارض اخضرَ والسماء ازرقَ والامل وردياً ..
انت تنتظرين طفلاً ..
لم استطع حبس فرحة قلبي وراء شفتي ، ملأتني احلام كبيرة عن الطفل المقبل .
حلمت به ابيض كحلمي الجميل الناصع ، كروح الحب ، كضوء القمر في ليالي الصحو ..
حلمت به احمر الخدين كورد الربيع يتفتح وقطرات ندى الصباح تهبط اليه ..
حلمت به ضوء الفجر يشق زرقة سماوية في طريقه الى قلبي ومعنى وجودي ..
حتى اندلعت الحرب في العام 2003 وكاد ازيزالطائرات يفطر رأسي في الشقة الصغيرة التي اضطررت للسكن فيها بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة .
لم يكن دخان الحرب وحده يخنق انفاسي ، بل ان محلاً للكي ( لوندري ) تحت شقتي . كانت مدخنته تحت شرفتي مباشرة ، تنفث الدخان نحو شقتي . كنت استنشق الدخان واشرب الدخان وأأكل الدخان ..
لم يكن بيدي شيء لآتخلص من المكوى ، فقوانين الحفاظ على البيئة والصحة العامة لم تكن مفعلة في زمن الحصار الذي فرض على العراق ، وكان التوجه العام باتجاه ان الوضع الاقتصادي صعب ولا مجال لتطبق الضوابط بحق اصحاب المحال والمصانع التي تسبب تلوثاً للهواء في المناطق السكنية
صبرت على دخان المكوى ، مثلما صبرت على دخان الحرب ، حتى تساقطت اواخر ايام الحرب قنابل عنقودية فوق المبنى الذ ي اسكنه ، فاذا با صوات الجيران تتعالى : الله اكبر .. الله اكبر ..
وفررنا الى خارج المبنى .. كأننا نفر الى المتاهة نفسها . واعتقدت انني بخلاصي من القنبلة العنقودية انقذت حياتي !
***
انتهت الحر ب .
اذن انتهت آخر الحروب ، هكذا صدقنا الكذبة .
في اثناء الحرب ، لم تكن اوضاع المستشفبات مستقرة ، واما بعد الحرب ، فلم اجرؤ على الذهاب الى طبيبتي الكفوء لأن عيادتها في مكان بعيد ، وقد خشيت من مفاجآت الطريق حيث بدأت آنذاك عمليات الخطف والسلب ، فاضطررت الى اللجوء لطبيبة اخرى لم تكشف لي حقيقة حالة الجنين الذي في احشائي .
وحان موعد الطفل ورحت احدثه قبل سويعات من خروجه ليرى نور هذا العالم . اعتذرت له لانني ساسمح للطبيبة بجعل المسافة بيني وبينه اكبر مما هو في احشائي .. شعرت بالحزن لان جنيني سيغادر بولادته جسدي ، احببته قبل ان اراه ورحت احلم بشكله .. وما ان افقت من غيبوتي حتى عرفت ان طفلي ولد وبه علّة كبيرة !!
تمسكت بالامل وانا احمله على دموعي الى الاطباء ، لكن الجواب كان يأتي دائما : لاجدوى !!
طفلي لن يشفى ، طفلي به حاجة الى معجزة ربانية ليشفى ، طفلي يعاني مشاكل صحية مركبة .. ربما لن يعيش طويلا ً ..
كيف حصل ذلك ؟ وما السبب ؟
لقد كنت اشعر بالعطف تجاه المعوقين والمرضى ، فكيف تقابل الحياة عاطفتي الانسانية بهذا الشكل القاسي ؟
قررت ان انسى الحياة ، ان اتركها خلفي .. لكن ثمة سؤال كان يلح في ذهني : لماذا ولد طفلي مشوهاً ؟ لماذا ولد واحلامه بلا اجنحة ؟!
بحثت عن الجواب لدى الطبيبة . وبعد سلسلة تحليلات مختبرية قالت لي الطبيبة انني مصابة بفيروس ادى الى تشوه الجنين .
سألتها ومن اين أتاني هذا الفيروس ؟
قالت : انه فيروس تلقفه جسدك من الجو الملوث .
****
الجو الملوث بدخان الاسلحة .. ودخان اللوندريات .. ودخان حرق النفايات في الشوارع والازقة السكنية .. ومن ثم دخان المفخخات والمولدات الكهربائية ..
هذا هو الجو عندنا .. الى جانب الحر الصيفي الهالك وضعف التشجير عندنا و ابتلائنا بالاتربة التي اخذت تزورنا ضيفة ثقيلة اكثر من السابق ..
***
لقد عالجتني الطبيبة ، لكنني لم اعد واثقة من أي شيء ، فالجو مليء بالفيروسات ، والعديدون من الاطباء يحذرون من الولادات المشوهة الان بسبب الاسلحة التي استخدمت في حروب العراق والتي ملأت سمومها اجواءه فما عادت نقية نظيفة جديرة بالثقة .. فكيف اثق بانني لن افجع ثانية ان انا فكرت بانجاب طفل اخر ؟
هل تخبرني البيئة الملوثة بان كل شيء على مايرام ؟!
اصوات وطنية تنادي من اجل استعادة البيئة صورتها البدائية الاول حيث السماء الصافية والبحيرة العذبة والطريق الاخضر ، وحيث لا صوت رصاصة يعلو فوق زقزقة العصافير ، وحيث لادخان حرب يغطي وجه السماء ، لكن من يعيد لي ارجوحة احلامي حيث كنت احلق بها نحو القمر ، كي يدغدغ تطلعاتي ؟!
***
في المستشفى وجدت نفسي مع طفلي لاجراءعملية جراحية له .. هناك رأيت حالات عجيبة غريبة من حالات التشوه والمرض .. شاهدت ما لم اتوقع اني ساشاهده في حياتي ، فاذا بي ارى الجرح وشظاياه عن كثب .
***
حين كان طفلي ينام ، كنت اعمد الى الاقتراب منه كي اسمع انفاسه، فبسبب حالته المرضية المستعصية كانت انفاسه خافتة فلم اكن اسمعها ، فاشعر بالقلق واضطر لدغدغة احد خديه لكي اعرف بمجرد تحركه انه ما زال حياً .
هكذا كنت اقوم بهذا الطقس خوفا من ان اكون يوما ًمن غيرطفلي الذي احب .
ماالذي يمكنكم ان تفعلوه لتعيدوا زمني الى الوراء علني لااحلم بطفل تحت سماء لم تعد نقية ؟
ان قدمتم للبيئة رداءً من الجمال الاخضر ، فلن تتمكنوا من منح طفلي قدمين يسير بهما نحو احلامه!
لكن ، يالبؤسي ما الذي اقوله لكم ..
بل حاولوا وحاولوا انقاذ البيئة من احزانها، من ذلك الدخان الذي شوه معالم الحياة علكم بهذا تدرأون عن نساء اخريات الامر الذي تعرضت له .. وتعرضت اليه نساء اخريات قبلي .. اعيدوا للسماء زرقتها الصافية ، وللماء صفاءه ، من اجل إمرأة اخرى ، من اجل طفل اخر ..
نعم ، انقذوا الاخريات ، وانسوني على قارعة الطريق الراحل صوب المجهول بلا احلام .. فطفلي بلا غد ، فكيف يكون لي غد ، وإن ابتسم القمر ذات مساء صافٍ خالٍ من الدخان ؟! دخان المفخخات والحروب والشوارع ..؟!
لكن ، لاتنسوا وانتم تزرعون الشجر عند عتبات بيوتكم في الوطن ، ان تزرعوا لي شجرة حلم جميل ..
امضوا في طريقكم الى الامل ، ولاتأبهوا بدموعي ، ليست دموع يأس .. انا انتظر ان تورق الشجرة التي تزرعونها عند عتبة باب حلمي ، لكي تتفيأ تحتها نساء سواي .. فابتسم وافرح لانهن سيبقين مزروعات كالفرح في القلوب ساعة الصحو .
ازرعوا الشجرة عند بوابة احلامي ، لتمنحوا ابتسامتي خلودها ..
ومثلما تزرعون في الارض وردة ، ازرعوا في قلبي ابتسامة ..
***********
(2 )
التلوث البيئي بعدسة مصور
في أدناه صور من بيئتنا الملوثة ،التي ذهبت ضحية لها تلك المرأة التي لم تعد لها احلام ، التقطها لنا المصور الصحفي العراقي كريم كلش ، نعرضها لكم بلاتعليق ، فهي تعبر عن نفسها . نعرضها هنا عسى ان تغار الجهات المعنية بتجميل البيئة على مسؤوليتها فتعيد للبيئة بهاءها .
وبهذه المناسبة ندعو الحكومة العراقية الى الاهتمام بالبيئة وتخصيص ميزانية ضخمة لعلاج البيئة العراقية التي ابتليت بالادخنة الناجمة عن الانفجارات وحرق النفايات في الامكنة العامة والاختناقات المرورية والضجيج والنفايات وطفح المياه الثقيلة وتلوث المياه . ان كل ذلك يتطلب من الحكومة الاهتمام واستنفار الجهود لتنشيط وزارات البيئة والزراعة و البلديات و امانة بغداد والدوائر البلدية من اجل بيئة آمنة لاتبكي بعيون الناس . ويمكنها السير بنا الى البيئة التي نريد من خلال علاج مشاكل ضعف الخدمات البلدية ، وتشجير المساحات الفارغة في المناطق السكنية وتشجير الجزرات الوسطية بشكل اكبروافضل مما نرى الان ، فضلاً عن زرع حزام اخضر حول المدن وقاية لها من العواصف الرملية والترابية ..
كما نجد من المهم دعوة وزارتي التربية والثقافة الى التعاون في هذا الصدد ، فالتربية تتوجه من خلال ادارات مدارسها وهيئاتها التعليمية الى التلاميذ ، تقدم لهم الارشادات الخاصة بالعناية بالشجرة واهمية حمايتها من اي اذى ، واما الثقافة فيمكنها التوجه من خلال دار ثقافة الاطفال الى الصغار عن طريق مجلتين تصدران عنها هما : مجلتي والمزمار ، فالمجلتان تصلان اليوم الى الاطفال سواء عن طريق الشراء المباشر او عن طريق توزيعها بين عدد من المدارس التي تقوم بدورها ببيعها للتلاميذ .. وبذا يكون من المفيد ان تتوجه المجلتان للاطفال بالنصح والارشاد والتوعية باهمية الشجرة في حياتهم من خلال موضوعات تنشر باستمرا ر بهذا الصدد لتحقيق فائدة اعم ، وكذلك يمكن لمجلة نون الصادرة عن الوزارة نفسها ان تقدم شيئا بهذا الشان نظراً لمخاطبتها المرأة ، فضلاً عن الصحف والمجلات النسائية الاخرى الصادرة داخل العراق .
ونعتقد ان مفاتحة المنظمات والجمعيات المهتمة بالمرأة والطفل داخل العراق امر مهم ايضاً ، لتحقيق الهدف النبيل من زرع شجرة محبة .. هذا شيء مما نتمنى ان يحصل ، فهل تجد دعوتنا صدى ؟
حتى يأتينا جواب عملي فعلي له اثر على ارض الواقع البيئي في العراق ، او لايأتي جواب ، اترككم لتنظروا الى تشوهات بيئتنا عبر هذه الصورالتي نتمنى ان تحل محلها صور زاهية بالجمال حين تشفى البيئة من امراضها
ومضة :
ولأنّ في الموضوع دعوة لانقاذ البيئة ولو بزرع شجرة ، اخترت انهاءه بصورة مختلفة ( خلال بحثي على شبكة النت عن صور جميلة معبرة ) ، اتمنى ان نجد لها نسخاً مكررة في حياتنا لكي نحيا واطفالنا بتفاؤل وراحة واطمئنان :
تقديري لهذا الطرح المميز، لكنني أعلم علم اليقين أنه لا يؤثر بتوجهات أصحاب القرار، اولئك الذين يدافعون عن البيئة وحقوق الإنسان يمارسون ازدواجية القرارات وتطبيقها كما تعلم ويعلم الجميع.
وتبقى في القلب غصّة وفي الوجدان شرخ .. دعنا نستمر بالمحاولة.
تقديري لهذا الطرح المميز، لكنني أعلم علم اليقين أنه لا يؤثر بتوجهات أصحاب القرار، اولئك الذين يدافعون عن البيئة وحقوق الإنسان يمارسون ازدواجية القرارات وتطبيقها كما تعلم ويعلم الجميع.
وتبقى في القلب غصّة وفي الوجدان شرخ .. دعنا نستمر بالمحاولة.
لهف قلبي على أوطاننا
أشكرك
تقديري واحترامي
شكرا للحضور الرائع والتفاعل الجميل
سيدتي الجهود مستمرة من أجل بيئة أجمل والخطى حثيثة في هذا الإتجاه ليطمأن قلبك كثيرا