في بيت عتيق نشأ "صامد صابر" اسمه يدل على جنسيته ، بين حجارة الفقر وشهوات الأحزان تربى ، على حب الأرض كبر ، على أمل اللقاء ترعرع ، على وخزات الآلام حلم ، حلم بالعودة ، حلم بانتهاء النكبة ، حلم بعودة الإنسان إلى الإنسان ، حلم بإنسانية الضمير ، بإنسانية ضمير كل من يسعى لقضية نبيلة ، قضية قدسية الروح ، قضية عدالة الأرض الضائعة ، عدالة الشرف المفقود ، عدالة العرض المباح .
• صامد صابر أبوه شيخ جليل من سلالة فطرة الدين تغمرها ، سنة الله تعمر نفوسها.
• صامد صابر أمه مريضة تمتّ للشيخ بصلة ، تصلي وتصوم ، تعبد الله على السليقة ، وتتمنى الخير لكل الناس
• صامد صابر مكحول بالوراثة ، مربوط بحبل الماضي ، مستقبله يتأرجح ورحلته طويلة لم تبدأ حتى الآن. لان هناك شخصان داخل جسد واحد ، احدهما أصل والآخر نسخة. الأصل بريء والنسخة مجرمة ، مجرمة بحق ذاتها أولا وبحق كيان آخر ثانيا.
صامد صابر يسعى لتحرير نفسه من الصورة لأن الفرع الفاسد يتلف بقية الشجرة لكن المنشار صدئ والفرع يابس ، السبب ابعد من ذلك ....
السبب حقيقة الأصل الضائع ، التائه ، الأصل السابح في مستنقع الضياع ، الأصل الفاشل بفشل التغلب على أحقاد الجاهلية ، سيطرة النسخة على الأصل هي كسيطرة الضبع على الأسد ، الضبع أسير الرمم والأسد أسير قيد الفريسة .
ماذا يطلق الأسد وعليه تدور الدوائر، وكل جرمه انه مفترس؟ هذا حقه وهذه فراسته ومبدؤه حاجة ملحة. انتفض يا أسد ! ازأر ! فبزئيرك تسقط الوجوه المستعارة ، وبهمتك يُطلق عنان الجسارة.
.. ألا ليت البوم ينعق في كل خراب!
.. ألا ليت الظلام يعّم كل مكان !
لتبيض الغربان وتزدهر مدنية الأغراب الفجرة الذين لا يعرفون معنى للرحمة حتى يستيقظ النسر المعوق الذي لوحته شمس الغرب وسممته رياح الحضارة الباهتة. لقد باع نفسه للشيطان واشترى بمصير شعبه سلة مهملات ليرمي بها قاذورات رفات البشر ، تجاوز رقاب الأحرار أباح دمائهم لخنازير حثالة الكون ليشرب نخب العمالة وليملأ الكأس بشراب الخيانة. ولكن : صدًق يا صامد صابر ويا ملايين صامد صابر أن هناك ريشا من ذلك الطائر الخرِف يميل كل ما هبت نسائم الحرية ، ويقتلع الدهن المسموم مع كل حركة من حركاته. سيثور جسد الطائر عليه ، سيخرج البطل ، سيُستباح عِرض الجريمة ، سيُفصد الدم الفاسد ، ستُزرع شجرة تمتد جذورها إلى أعماق الأخاديد ، ستفوح رائحة العفن ، ستُحرق جباه الخون ، سيُمثل بجسد الجبان ، سيُعبد الله في أرضه سيُرمى الخوف في قعر الوادي السحيق.
.. خرج صامد إلى الكفاح مع خروج الناس ، سعى للنهاية سعيه للبداية ، تفانى في سبيل الثورة من اجل تطهير الأرض من رجس الوثنية ، قاتل حتى أضاع عمره وأضاع أحلامه واستشهد برصاص قناص كافر .
.. وجاء البشير بالخبر ، زغرودة انطلقت وأصبحت عرسا ، تقلدت الأبطال سيوف الانتقام وتسابقت الأرواح لتصل اقرب طريق يوصل لبارئها . معركة ضروس أخذت ثأر الضياع والتشرد ، ورفعت علم الكفاح عاليا ، وأضاءت شمعة في ظلام ليل طويل . نبتت شجرة لحائها ينقط مزيجا احمر بين أنقاض غرفة صامد صابر ، عشعش عصفور صغير اخضر اللون شجي الصوت بيته من قش اصفر لامع مبلل بماء المطر.
طُرق الباب بقوة وفُتح عنوة ، دخل رجال يلوح على وجوههم القسوة ويميزهم الأنف الأعوج . قال احدهم بصوت مبحوح اختلط بصف أسنان صفراء مكسّرة :- صامد مات أين هو ؟ كذب ! لقد استشهد ، صرخت أمه. في جنان الخالدين ، قال أبوه.
ضُرب الأب بقسوة ظالم مجنون ، جرجرت الأم من شعرها الأبيض وسالت الدماء ، اُتلف الزرع ، ذبحت الدجاجات ، سُمت البقرة وهدم البيت ، نُبِشت قبور القرية بحثا عن الجثة ، اُعتقل كثيرون . قالوا نريد الرفات ، نريد العظام لنفتتها ، نريد الرأس لنصلبه ، فلقد أتعبنا ذلك الجسد المفقود وحطم آمالنا واجتثّ أمانينا بقمعكم حتى النهاية ، وان تكرر مثل هذا العمل فسنقوم بتأديبكم ومعاقبتكم .
.. أخيرا اُكتشف الجسد ، رصاصة في القلب ، شَرطة سكين اقتلعت العين من محجرها ، فُرمت الأصابع ، مُزٍق الجلد ، سلخت فروة الرأس ، صُلب الهيكل العظمي بحثا عن السر ولكن هيهات.
وفي عتمة ليلة عاصفة غدر الماكرون ، مُزق هدوء السماء ، اجتيحت الأرواح النائمة ، زأرت جنازير الدبابات ، لعلعت رشاشات الحقد ، صبت الطائرات حممها ، تململت الأرض ، اغتيلت الدور ، اختلطت أشلاء الكائنات الحية على نحو عجيب ، خويت الأصقاع من كل نفَس باستثناء عصفور جميل اللون والريش ووليد جديد يبكي بصوت يكسر حاجز الصمت ، وشبرية حادة لامعة يضيء وهجها الظلام الدامس.
شُجبت الجريمة واستنكرت المذبحة وأحيط سياج المسلخ بأسلاك الرذيلة ، وبصوت الهوان وسكوت العربان سال لعاب الأخوة على حفنة نقود بالية ، وصاحوا بملئ أشداقهم ليصمت كل مزاود على حميّتنا ، وليخرس كل صوت يعوي بالاتهام ، نعم لاستجداء رأي الأصحاب ؛ رأي قطعان الحمران المالكة لخزائن الثروة والجاه.؛ لقد هددوا وحزنوا واعترضوا على الجريمة ، لقد أعطونا قرضا ومنحونا هبة لنشبع.
.. جوعوا فنحن نرمي لكم نُتف الخبز لتبقوا على قيد الحياة لنعيش بكم ونخذلكم ، موتوا للحفاظ على شرفنا ، وعيشوا لتبقوا لنا عبيد ، فما لكم بالحياة من بعدنا ، وما غيرنا يشفع لكم عند أسيادنا .
• صامد صابر استشهدت فلتصعد روحك إلى الجنة ، فعلى دربك تسير الأبطال ، وعلى روحك يترحم الأطفال ، بيد كل منا سيف عتيد ، وشارات النصر على اكفٍنا ، من دمك نصنع المجد ، من قبرك سيكون الرد ، دينُك علينا فرض ، ومن الأقصى إلى أقصى الأرض سنصنع معجزة ونسطر ملحمة ، ملحمة عنوانها :-
الأرض .... العرض ...... الأرض
سمير الاسعد
فلسطين
آخر تعديل عواطف عبداللطيف يوم 10-12-2016 في 05:18 AM.