"موسوعة أحسن الكلام في الفتاوى والأحكام"، الشيخ عطية صقر، الجزء السابع، ص 666-667، مكتبة وهبة.
***
التمثيل هو تقليد أو حكاية لشخصيات ذاتأحداث وقعت، أو أحداث متخيلة في الماضي أو الحاضر أو المستقبل. وهو أسلوب للتثقيفوالترفيه، وليس هو الوسيلة الوحيدة لذلك حتى يتجاوز عما فيه من بعض السلبيات؛ فهناكالقراءة والرحلات وغيرها.
وقد يكون التمثيل لشخصيات تاريخية يصورحياتها بالقول والفعل، أي بالكلمة والحركة؛ فإن كان صادقا شكلا وموضوعا، ويستهدفغرضا شريفا- أعطي حكم الخبر الصادق، وهو الجواز. وإن كان غير صادق في شكله كيفا أوكمًّا، أو في موضوعه قولا أو فعلا- أعطي حكم الخبر الكاذب وهو المنع. ولا يستباحهذا الكذب حتى لو كان الغرض صحيحا؛ فهو ليس من الضرورات التي تباح من أجلهاالمحظورات.
وإن كانت الشخصيات اختراعيه، كما هوالشأن في القصص الذي لا يعني شخصا معينا، وقد يكون على لسان بعض الحيوانات كما فيكتاب "كليلة ودمنة"؛ فإن كان الهدف صحيحا، والمادة لا تحوي أمرا محظورا، والأداءنفسه يكون ملتزمابالآداب الإسلامية، ولم يؤد تعلمه أو احترافه إلى تقصير في واجب أوضرر بدني أو عقلي أو مالي أو خلقي أو غير ذلك من الأضرار- كان التمثيل حلالا،يستعان به على إبراز المعاني بصورة محسوسة كأنها حقيقية.
هذه قيود دقيقة لضبط التمثيل المقبول من غيره، والخروجعلى أي واحد منها يجعله ممنوعا بقدر ما يكون عليه الخروج من حرمة أو كراهة.
فلو كان الهدف منه استهزاء بشخصية محترمة، أو دعوة إلىمبدأ مخالف للدين والخلق، أو كانت المادة محرمة ككذب أو اختلاق حديث نبوي مثلا، أوكان الأداء غير ملتزم بالآداب كالتخنث وكشف المفاتن، وتشبه المرأة بالرجل أو الرجلبالمرأة، وكالقبلات بين الجنسين وما شاكل ذلك، أو أدى الاشتغال بالتمثيل إلى تقصيرفي واجب ديني أو وطني مثلا، أو أدى إلى فتنة أو ضرر لا يحتمل- كان ممنوعا.
ولا يقال: إن القبلات أو شرب المحرمات أو الرقص هولتصوير حال بعض الناس، وليس المراد من ذلك حقيقة ما يعمل، بل هو تمثيل. لا يقالذلك؛ لأن الغاية لا تبرر الوسيلة، والغاية يمكن التوصل إليها بطرق مشروعة كحكايةالخبر بالأسلوب المقروء أو المسموع، كما في الكتب المشحونة بالقصصوحكايةحكم التمثيلواحترافه
أحوال السابقين بكل مافيها.
كما لا يقال: إن هذه الأمور هي من وسائل الإيضاح؛ فوسائلالإيضاح المباحة موجودة، وليس ذلك ضرورة كما قلنا؛ فحياة المسلمين بالذات قامت فيأزهى عصورها على الثقافة الأصيلة والترفيه الحلال، ولم تعرف تمثيلا رخيصا أو هابطاكما يشاهد في هذه الأيام.