تساقطت أوراق الخريف بعذوبة متلألأة بسياج الحزن،في ذك اليوم كان كل شيء حزين وكأن الأرض تطلق حدادها على الفرح المولود فيها .
كالعادة على أنغام بيتهوفن تفتحت بوابات الحروف المغلقة بإحكام،وكأن اللحن يجيد ترويض بواباتي العتيقة،كلما رغبت بإحضارها إلى مملكتي استمعت إلى مقطوعة ،في عالمي كل شيء يتماشى مع الفضيلة ممكن ومباح،لامكان للتزييف والخداع على أرضي.
أنا سما أعيش في طوكيو منذ عشر سنوات ،مات جميع أهلي في الحرب،عانيت كثيراً لفراقهم،كنت في سن الخامسة ،حينما سقط صاروخ على منزلنا إثر الحرب.
ماتوا جميعهم وتناثرت أشلائهم في كل مكان ،لم أكن حينها في المنزل وقت حدوث الفاجعة ،كنت في منزل خالتي نسرين أعطيها بعضاً من الخبز وحبوب الذرة ارسلتني أمي إليها قبل حدوث الفاجعة بخمس دقائق وحينما كنت في منتصف الطريق سمعت صوت الصاروخ فذوى قلبي من الرعب، وصرخت كانت الدموع تهطل كمطر عانق الأرض فغسلها من أدران الخطيئة .
شعرت بيتمي حينها، وأصابني إنقباض في صدري اصابني بقوة ،وصوت خفي يخبرني أنهم ماتوا جميعهم فقد أدرت رأسي خلسة فوجدت منزلنا يتطاير في السماء، وأصبح كومة حطام كل شيء اختفى بلمح البصر في ثواني.
ما إن وصلت إلى خالتي عانقتني وبكت بحرقة،فقد وصلها الخبر من جارتها حفيظة،تناثر الخبز من يدي وحبوب الذرة، أخذت أضرب على خدي وأصرخ بقوة بصوت وسع الأرض كلها .
كل قهر العالم كله تجمع في صدري حينها ،والمحزن في الأمر كانت أرغفة الخبز ثلاثة ،تذكرت أمي وأبي،وأخي وسام،لم تكف عيني عن الدمع أياماً ،ولم أكل ،أو أشرب أي شيء، رغم محاولاتهم العديدة معي.
دخلت في اكتئاب رهيب ،نزل وزني وشحب لوني ،أصبت بإنهيار عصبي.
لطالما صرخت :
لماذا ياالله؟
لم تأخذني معهم ؟
مالحكمة أن أحيا هذا اليتم بمفردي؟
توقفت عن الدراسة سنة ،أخبر الطبيب خالتي أنه لن أتعافى من صدمتي وأمضي قدمًا في حياتي إلا إذا غيرت مكان إقامتي وموطني نهائياً .
لأن الذكرى أكلت قلبي ،وروحي ولم أبقى إلا بقايا إنسان ،أشبه بطيف خانه أصدقائه فأثر الوحدة عليهم .
أنتقلت مع خالتي نسرين إلى طوكيو ،مع زوجها قاسم ،وأبنائهم ثريا، وقيس ،وغيث.
عشت معهم كفرداً منهم .
وجد قاسم عملاً هناك في شركة اتصالات معروفة،وأنا تابعت دراستي ثم تخصصت في علوم الفضاء .
تعرفت إلى صديق لي هناك ياباني الجنسية ،كان خلوق جداً معي تقدم لخطبتي تزوجته ثم تابعت دراستي أكملت دراسات عليا، وألفت كتاب في مجال دراستي ذاع صيته در عليا ثروة هائلة كان بعنوان "دراسة علم الفضاء وفق المعطيات البشرية الحديثة"ساعدني زوجي يوسوكي كثيرا ،شرطت عليه قبل الزواج أن يغير إسمه ويسلم ،فوافق على الفور ،غيره لحامد على إسم أبي ،بعد مرور عامان أنجبت توأم فأسميتهما شيماء ووسام ،على إسم أمي وأخي ،وبذلك جمعت عائلتي التي سرقتها الحرب مني في أسرتي ولن أنساهم ماحييت،أنهيت دراستي وسافرت لعدة بلدان لحضور مؤتمرات عديدة تناقش موضوع دراستي ،أخذت جوائز عدة ،وتم تكريمي ،لم أنسى خالتي وعائلتها خصصت لهم مبلغاً شهرياً كمكافأة بسيطة مني على رعايتهما لي كل تلك السنين بحب ودفء.
تغيرت حياتي كلياً أصبحت أنعم برفاهية أنا وعائلتي ،نسافر كل فترة ونستمتع بالإجازات.
أدركت حكمة الله من بقائي على قيد الحياة ،دائما خلف كل محنة منحة ،وخلف كل باب من أبواب الصبر بابان من أبواب الفرج ،ثق بالله مهما كانت حياتك،ولو ألقيت من على سفح وادي ،فوالله لهو أرحم بنا من أنفسنا على أنفسنا ،وفي تدبيره لحياتك ،وإيمانك به بيقين تام ،وتسليم، ورضا ،لفرج عظيم ،وحماية، من شر وأذى ،ودفع بلى ،لو كشفت لك مصارع البلاء المغلفة بالسعادة المزيفة ،لسجدت شكراً لله ماحييت،ولعلمت أن إختياره لك رحمة لك وفضل وسعادة ومخزون من الأجر لاينفذ.
كل الحكاية أنك هنا رائعة وصابرة ومكافحة وناجحة. والأهم أنك أضفت إلى رصيدك الإيماني أجرا عظيما؛ بدا هذا جليا من خلال السرد.. وأيضا وضعت هنا نقطة واحدة من غضب الحرب وأهواله ودماره الشامل؛ رغم أن هذه النقطة من أشد الأوجاع على النفس. أسعد الله قلبك
قصة رائعة وتحدث وحدثت كثيرا اذا هي من الواقع الذي نعيشه في ايامنا هذه خاصة في فلسطين الحبيبة وسوريا واليمن وغيرها من بلاد المسلمين
لكن ارى ان عمر سما في الخامسة لا تكاد تشعر بالدنيا وما يجري من معاناة كتلك التي في هذه القصة حبذا لو كانت اكبر قليلا حتى تكون اكثر اقناعا
احسنتم