حلقت شغف للبعيد ماتت قبل أن تمت، حلقت بخفة وانسيابية نحو البعيد تتبع الضوء النقي، كانت في سعادة لامحدودة ،تحررت من كل أوجاعها وقيودها.
أخيرا رحلت للعالم الذي تنتمي إليه ،للعالم الذي يشبهها ،الذي خلقت منه.
قد يكون الموت في أحيان أخرى انتصار وليس خسارة.
لطالما تسألت عن سبب اختلافها عن البقية وعجزها عن فهمهم، عجزها حتى عن فهم نفسها في هذا العالم البغيض.
الذي أصبحت الفضيلة فيه مثار شبهة ، وأصبحت الرذيلة فيه مفخرة المجالس، كم أمقت كل هذا التزييف ، وارتداء الأقنعة .
ذلك التلون الفظيع في الشخصيات مضحك بشكل ساخر، وتراجيدي بحت.
لقد أصبحت الحياة حقيقة أشبه بفيلم سينمائي يعرض على الشاشات ،إما مبالغة ممقوتة، وإما وضوح مستفز ،نعم هكذا تماما لا وسطية ولا بساطة.
الحياة في حياة كهذا على ذلك النمط النادر مرهق جدا وقاتل ،الشخصيات البسيطة، الواضحة ،الصادقة تمقت ذلك التنميق والغلو في كل شيء ،تشعر أن الأرض تطبق عليها ،يغذو أجسادا بلا أرواح ،يحيون مرغمين ،لا يجدون ذواتهم إلا في العالم الذي يشبههم ،ففي الطبيعة نقائهم، وفي البحر جاذبيتهم، وفي المطر حزنهم، وفي السماء أرواحهم وهممهم ،بشر شفافو الروح مرهفي الحس ،صادقين جدا إلى حد السذاجة، قلوبهم نقية كالأطفال، وأفكارهم مبعثرة وملهمة ، شاردون دائما يسبحون في ملكوت الله ،نظراتهم عميقة وغامضة، وكأنهم ينظروا للعالم نظرة المتعلم ويفككوا رموزه ،هم كنوز الله في أرضه، قدسوا عبادة التأمل في خلق الله ،كلهم حكمة وأمل ويقين بالله لاينتهي.