إنهم يزرعون الحروف كأشجارٍ
في تربة،
ينتظرون أن تنبت القصيدة
زيتونة أو وردة،
لكنها ليست بذرة،
إنها ريحٌ تعبر دون أن تُخلّف تجاعيد على وجه الرمل،
أغنيةٌ تُولد من بطن الصمت
ثم تضيع بين الشفاه التي نسيت نطقها.
إنها فراغٌ يقتات على امتلاء الأشياء،
صوتٌ بلا صدى
يحاول أن يسكب نفسه في كأس المعنى،
لكن الزجاج أضيقُ من الحلم،
والماءُ لا يتخذ شكلًا
إلا حين يُكسر.
هم يسألون الكلمات عن وجهتها
كما لو كانت دابة لا تعرف طريقها إلى العشب،
لكنها تسكن في الهامش،
في الفراغ بين الأسطر،
حيث المعنى يفقد توازنه
ويسقط في بئر الدهشة.
إنها
سليلة الغيم التائه،
كلما حاولوا إنقاذها من الضياع
أصبحوا هم الضائعين،
وكلما حاولوا أن يفهموها
تلاشت اللغة بين أيديهم
كحفنة ضوء.
هم يطاردون المعاني في ظل السحب الداكنة،
يطاردون الطيف الذي لا يملك جسدًا،
إنها تختبئ في الفراغات،
في الصمت الذي يسكن بين الشفتين،
حيث الحقيقة تنحني كظلٍ خجول،
وتتوارى خلف مرايا التأويل.
إنها ابنة الريح،
وحفيدة البحر،
كلما حاولوا القبض عليها
انزلقت من بين أصابعهم كحلمٍ مبلل،
وكلما رسموا حدودها
تجاوزتهم كالنهر الهارب من مجراه.