(1)
كيف تعمل على جذب عدوك؟
أن تصنع له مصالح معك.
وكيف تجعله سفيرك عند ذويه أعدائك وتقلبه عليهم؟
أن تعظِّم هذه المصالح؛ فـ"الغرض مرض" و"سمن كلبك يتبعك" و"المصلحة رابطة تفوق كثير من الروابط كرابطة الدم والوطن".
وكيف يتمكن ذلك لك؟
إذا كنت غالبا؛ فالمغلوب ينبهر بغالبه ويحاكيه كما قرر ابن خلدون، وكما يدل استقراء الواقع المشاهد المعاش.
(2)
لماذا هذه المقدمة؟
لأنني أراها السبب الرئيس لإشاعة هذا النوع من الأدب العلماني المنتشر المتمكن الذي يمثل جزءا من سلسلة ولاءاتنا للغرب ومنظومته الثقافية والاجتماعية و... إلخ.
كيف؟
تعرضت الأمة الإسلامية في شقها العربي وشقها غير العربي لاحتلال غربي نصراني وإلحادي، وكان من أثر هذه الصدمة أن رأى بعض الحكام أن يصطنعوا وسائل المحتل ذاتها؛ ليتغلبوا عليه، أو ليلحقوا بركب التقدم كما تقدم هو، زعموا ذلك. أرسلوا البعثات واستقدموا الخبراء، فجاءت وجهة نظرهم في الحياة وحكمهم على الأشياء وأشيعت.
ثم ...
ثم تمكن المحتل ورسم للأمة الإسلامية واقعها الثقافي والتعليمي والسياسي والاجتماعي والفكري والتعبيري، وملك أمر وزارات التعليم كما حدث في مصر حيث رسم دنلوب أمر السياسة التعليمية التي ما زالت منتشرة إلى لحظتي هذه من جعل التعليم يخرج موظفين يؤدون خدمات لا مبدعين يرتقون بأمتهم، ومن إقصاء الدين عن تشكيل حياة الناس، و... إلخ.
ماذا حدث؟
(3)
كان التعليم الأزهري هو التعليم المتاح، فبدأت المناداة بإنشاء تعليم جديد ينبني على علوم الغرب كما هي عند الغرب لا كما تحتاج إليها مصر المسلمة، وأنشئت الجامعة المصرية بعد إنشاء المدارس العليا وما قبل العليا بأساتذة غربيين، ولحق بهم تلامذتهم المصريون بعد أن تربوا على أيديهم وتخرجوا بثقافاتهم ونظرتهم إلى الحياة وأشيائها.
ازدوج التعليم في مصر، وأُبْقِي الشق الأزهري الديني بعيدا عن الشئون العامة وصبغها، وأُدخل الشق الغربي الجديد في الشئون العامة وصار منهم المسئولون عن أمر البلاد فصبغوا البلاد والعباد بالصبغة الغربية التي تربوا عليها.
وبدأ استنكار الناس على من يحاول من المشايخ أو المتخرجين في الأزهر أو غيرهم ممن يحاول محاربة النظرة الغربية غير المسلمة وصبغها حياة المسلمين.
ما معنى هذا؟
معناه أن الدين كان قد أُقصي في أذهان هؤلاء عن الحياة، وأُبقيت له دائرة العبادات التي بين المرء وربه في المساجد.
لماذا؟
لأنه أُقصي عند الغرب الأساتذة والمعلمين نتيجة أحوال تخصهم اعتبروا الدين بسببها عدوا لهم، فأقصوه ورفعوا شعار "اقتلوا آخر ملك بأمعاء آخر قسيس".
تشبع وجدان الشعب نتيجة لتشبع وجدان ملوكهم وحكامهم بذلك، فانتشرت قيم الغرب في الحياة بمختلف صورها.
كيف؟
(4)
هل اكتفى المستخرب الذي يسمونه زورا بالمستعمر بسيطرته على التعليم وبث نظرته للحياة والأشياء من خلاله؟ هل اكتفوا بالتعليم الذي قيل عنه: كان يكفي الإسكندر الأكبر أن ينشئ مدارس يدرس فيها وجهة نظره فيحقق سيطرته على العالم بدلا من حروبه التي خاضها للغرض نفسه؟
هل اكتفوا بذلك في تشكيل وجدان الناس العملي اليومي الذي يعالج جزئيات يومهم المعاش؟
لا.
كيف؟
لقد أدخلوا الصحافة، وشجعوا النصارى على نشرها بالقيم الغربية، وعندما دخلها المسلمون كانوا قد شربوا الحرفية الغربية، فمارسوها كما يمارسها غيرهم وكأنها علم تجريبي لا يتأثر بجنسية العالم ولا دينه ولا فلسفته.
لماذا؟
لأن هذه سمة المستورد المغلوب أن يستورد الآلة كما يراها الغالب لا كما يحتاج إليها المغلوب.
وأدخلوا التمثيل، وأدخلوا الأدب، و... إلخ.
وليست هذه الأشياء إلا أوعية تحمل المضامين التي يريدها مالئها.
فماذا ملأها المصريون والعرب والمسلمون؟
ملأوها بما استوردوها به كما أشرت قبلا في مقال "لمحة عن المصدر والموضوع وبعض المفاهيم"، وتحقق ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم في علاقتنا بهم التي تؤدي إلى ابتعادنا عن ديننا بمقدار قربنا منهم وسيطرتهم علينا.
ماذا قال؟
(5)
ورد في صحيح مسلم وغيره أن الإسلام سيعود غريبا:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ جَمِيعًا عَنْ مَرْوَانَ الْفَزَارِيِّ، قَالَ ابْنُ عَبَّادٍ: حَدَّثَنَا مَرْوَانُ عَنْ يَزِيدَ يَعْنِي ابْنَ كَيْسَانَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا، وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ!
وورد في مسند الإمام أحمد توضيح من هم الغرباء:
حَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ- أَنَّهُ سَمِعَ سُفْيَانَ بْنَ عَوْفٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِي قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ وَنَحْنُ عِنْدَهُ: طُوبَى لِلْغُرَبَاءِ. فَقِيلَ: مَنْ الْغُرَبَاءُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: أُنَاسٌ صَالِحُونَ فِي أُنَاسِ سُوءٍ كَثِيرٍ، مَنْ يَعْصِيهِمْ أَكْثَرُ مِمَّنْ يُطِيعُهُمْ.
وكذلك عند سنن ابن ماجه ومسند الإمام أحمد وسنن الدارمي تأكيد أن هؤلاء الغرباء قليلون:
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ الْإِسْلَامَ بَدَأَ غَرِيبًا، وَسَيَعُودُ غَرِيبًا فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ! قَالَ: قِيلَ: وَمَنْ الْغُرَبَاءُ؟ قَالَ: النُّزَّاعُ مِنْ الْقَبَائِلِ.
ولنا أن نسأل: ما سبب هذه الغربة؟
ويأتينا الجواب من رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه البخاري وغيره:
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ قَالَ: حَدَّثَنِي زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ! قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ: فَمَنْ.
صدقت يا رسول الله، صدقت؟
كيف؟
(6)
إن المسلمين الآن يسعون ويبذلون المال والجهد ليسمح لهم الغرب النصراني واليهودي بأن يتبعوهم باختيارهم بعد أن سيطر الغرب الكافر على العالم وصارت وجهة نظره هي المعتمدة في كل مجال.
كيف؟
لقد صار العالم قرية واحدة أو أقل، وينبغي أن يصبغها الغرب بصبغته في كل مجال، وغير مسموح للمسلمين أن يشاركوا بصبغتهم بل عليهم أن يذوبوا في العولمة ونموذجها الغربي في السياسة التي يسيطر على سوقها من خلال المؤسسات السياسية العالمية لا سيما الأمم المتحدة ومؤسساتها وما يماثلها كالجامعة العربية وغيرها من تجمعات ينصب أداؤها على الجانب النظري العملي الذي يبني بناء حقيقيا.
وصار له محبون لا يرون الحياة إلا بما يراه في مجال الصناعة بشهادات الأيزو التي يمنحها، وبغير ذلك من وسائل وأدوات يعرفها الكثيرون.
ويعتنق هذه الوجهة كثيرون من مختلف البيئات الاجتماعية والثقافية قديما وحديثا؛ فقد رغب الخديو إسماعيل في جعل مصر قطعة من أوروبا، وقد رفع سلامة موسى لواء ذلك في ثلاثينات القرن العشرين، وقد دعا عبد العزيز فهمي عضو مجمع اللغة العربية بمصر إلى كتابة اللغة العربية بالحرف اللاتيني وحارب كل من يدعو إلى تثبيت النظرة الإسلامية في الحياة في نواحيها المختلفة، و... و... إلخ.
وصار الشباب يرفعون الرمز الأجنبي على الرغم من وجود مثاله في الإسلام؛ فصُوَر جيفارا على القبعات والملابس على الرغم من وجود أعلام النضال المسلمين قديما وحديثا، وتأثير المغنين والمغنيات واللاعبين واللاعبات لا يخفى على ناشئة المسلمين.
(7)
إذا، الإسلام الآن غريب في شئون الحياة الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والسياسية والأدبية و... إلخ، ومطلوب أن نحاول أن نصبغ هذه الحياة بصبغة الإسلام، فهل ننتصر على ضعفنا ونتبع ديننا الذي هو رمز عزنا وسبب نهضتنا؟
أدعو!
(1)
كيف تعمل على جذب عدوك؟
أن تصنع له مصالح معك.
وكيف تجعله سفيرك عند ذويه أعدائك وتقلبه عليهم؟
أن تعظِّم هذه المصالح؛ فـ"الغرض مرض" و"سمن كلبك يتبعك" و"المصلحة رابطة تفوق كثير من الروابط كرابطة الدم والوطن".
وكيف يتمكن ذلك لك؟
إذا كنت غالبا؛ فالمغلوب ينبهر بغالبه ويحاكيه كما قرر ابن خلدون، وكما يدل استقراء الواقع المشاهد المعاش.
(2)
لماذا هذه المقدمة؟
لأنني أراها السبب الرئيس لإشاعة هذا النوع من الأدب العلماني المنتشر المتمكن الذي يمثل جزءا من سلسلة ولاءاتنا للغرب ومنظومته الثقافية والاجتماعية و... إلخ.
كيف؟
تعرضت الأمة الإسلامية في شقها العربي وشقها غير العربي لاحتلال غربي نصراني وإلحادي، وكان من أثر هذه الصدمة أن رأى بعض الحكام أن يصطنعوا وسائل المحتل ذاتها؛ ليتغلبوا عليه، أو ليلحقوا بركب التقدم كما تقدم هو، زعموا ذلك. أرسلوا البعثات واستقدموا الخبراء، فجاءت وجهة نظرهم في الحياة وحكمهم على الأشياء وأشيعت.
ثم ...
ثم تمكن المحتل ورسم للأمة الإسلامية واقعها الثقافي والتعليمي والسياسي والاجتماعي والفكري والتعبيري، وملك أمر وزارات التعليم كما حدث في مصر حيث رسم دنلوب أمر السياسة التعليمية التي ما زالت منتشرة إلى لحظتي هذه من جعل التعليم يخرج موظفين يؤدون خدمات لا مبدعين يرتقون بأمتهم، ومن إقصاء الدين عن تشكيل حياة الناس، و... إلخ.
ماذا حدث؟
(3)
كان التعليم الأزهري هو التعليم المتاح، فبدأت المناداة بإنشاء تعليم جديد ينبني على علوم الغرب كما هي عند الغرب لا كما تحتاج إليها مصر المسلمة، وأنشئت الجامعة المصرية بعد إنشاء المدارس العليا وما قبل العليا بأساتذة غربيين، ولحق بهم تلامذتهم المصريون بعد أن تربوا على أيديهم وتخرجوا بثقافاتهم ونظرتهم إلى الحياة وأشيائها.
ازدوج التعليم في مصر، وأُبْقِي الشق الأزهري الديني بعيدا عن الشئون العامة وصبغها، وأُدخل الشق الغربي الجديد في الشئون العامة وصار منهم المسئولون عن أمر البلاد فصبغوا البلاد والعباد بالصبغة الغربية التي تربوا عليها.
وبدأ استنكار الناس على من يحاول من المشايخ أو المتخرجين في الأزهر أو غيرهم ممن يحاول محاربة النظرة الغربية غير المسلمة وصبغها حياة المسلمين.
ما معنى هذا؟
معناه أن الدين كان قد أُقصي في أذهان هؤلاء عن الحياة، وأُبقيت له دائرة العبادات التي بين المرء وربه في المساجد.
لماذا؟
لأنه أُقصي عند الغرب الأساتذة والمعلمين نتيجة أحوال تخصهم اعتبروا الدين بسببها عدوا لهم، فأقصوه ورفعوا شعار "اقتلوا آخر ملك بأمعاء آخر قسيس".
تشبع وجدان الشعب نتيجة لتشبع وجدان ملوكهم وحكامهم بذلك، فانتشرت قيم الغرب في الحياة بمختلف صورها.
كيف؟
(4)
هل اكتفى المستخرب الذي يسمونه زورا بالمستعمر بسيطرته على التعليم وبث نظرته للحياة والأشياء من خلاله؟ هل اكتفوا بالتعليم الذي قيل عنه: كان يكفي الإسكندر الأكبر أن ينشئ مدارس يدرس فيها وجهة نظره فيحقق سيطرته على العالم بدلا من حروبه التي خاضها للغرض نفسه؟
هل اكتفوا بذلك في تشكيل وجدان الناس العملي اليومي الذي يعالج جزئيات يومهم المعاش؟
لا.
كيف؟
لقد أدخلوا الصحافة، وشجعوا النصارى على نشرها بالقيم الغربية، وعندما دخلها المسلمون كانوا قد شربوا الحرفية الغربية، فمارسوها كما يمارسها غيرهم وكأنها علم تجريبي لا يتأثر بجنسية العالم ولا دينه ولا فلسفته.
لماذا؟
لأن هذه سمة المستورد المغلوب أن يستورد الآلة كما يراها الغالب لا كما يحتاج إليها المغلوب.
وأدخلوا التمثيل، وأدخلوا الأدب، و... إلخ.
وليست هذه الأشياء إلا أوعية تحمل المضامين التي يريدها مالئها.
فماذا ملأها المصريون والعرب والمسلمون؟
ملأوها بما استوردوها به كما أشرت قبلا في مقال "لمحة عن المصدر والموضوع وبعض المفاهيم"، وتحقق ما قاله الرسول صلى الله عليه وسلم في علاقتنا بهم التي تؤدي إلى ابتعادنا عن ديننا بمقدار قربنا منهم وسيطرتهم علينا.
ماذا قال؟
(5)
ورد في صحيح مسلم وغيره أن الإسلام سيعود غريبا:
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَّادٍ وَابْنُ أَبِي عُمَرَ جَمِيعًا عَنْ مَرْوَانَ الْفَزَارِيِّ، قَالَ ابْنُ عَبَّادٍ: حَدَّثَنَا مَرْوَانُ عَنْ يَزِيدَ يَعْنِي ابْنَ كَيْسَانَ عَنْ أَبِي حَازِمٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا، وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ!
وورد في مسند الإمام أحمد توضيح من هم الغرباء:
حَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، حَدَّثَنَا الْحَارِثُ بْنُ يَزِيدَ عَنْ جُنْدُبِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ- أَنَّهُ سَمِعَ سُفْيَانَ بْنَ عَوْفٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِي قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ وَنَحْنُ عِنْدَهُ: طُوبَى لِلْغُرَبَاءِ. فَقِيلَ: مَنْ الْغُرَبَاءُ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: أُنَاسٌ صَالِحُونَ فِي أُنَاسِ سُوءٍ كَثِيرٍ، مَنْ يَعْصِيهِمْ أَكْثَرُ مِمَّنْ يُطِيعُهُمْ.
وكذلك عند سنن ابن ماجه ومسند الإمام أحمد وسنن الدارمي تأكيد أن هؤلاء الغرباء قليلون:
حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ، حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ عَنْ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ أَبِي الْأَحْوَصِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ الْإِسْلَامَ بَدَأَ غَرِيبًا، وَسَيَعُودُ غَرِيبًا فَطُوبَى لِلْغُرَبَاءِ! قَالَ: قِيلَ: وَمَنْ الْغُرَبَاءُ؟ قَالَ: النُّزَّاعُ مِنْ الْقَبَائِلِ.
ولنا أن نسأل: ما سبب هذه الغربة؟
ويأتينا الجواب من رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه البخاري وغيره:
حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ أَبِي مَرْيَمَ، حَدَّثَنَا أَبُو غَسَّانَ قَالَ: حَدَّثَنِي زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ قَبْلَكُمْ شِبْرًا بِشِبْرٍ وَذِرَاعًا بِذِرَاعٍ، حَتَّى لَوْ سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ! قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى؟ قَالَ: فَمَنْ.
صدقت يا رسول الله، صدقت؟
كيف؟
(6)
إن المسلمين الآن يسعون ويبذلون المال والجهد ليسمح لهم الغرب النصراني واليهودي بأن يتبعوهم باختيارهم بعد أن سيطر الغرب الكافر على العالم وصارت وجهة نظره هي المعتمدة في كل مجال.
كيف؟
لقد صار العالم قرية واحدة أو أقل، وينبغي أن يصبغها الغرب بصبغته في كل مجال، وغير مسموح للمسلمين أن يشاركوا بصبغتهم بل عليهم أن يذوبوا في العولمة ونموذجها الغربي في السياسة التي يسيطر على سوقها من خلال المؤسسات السياسية العالمية لا سيما الأمم المتحدة ومؤسساتها وما يماثلها كالجامعة العربية وغيرها من تجمعات ينصب أداؤها على الجانب النظري العملي الذي يبني بناء حقيقيا.
وصار له محبون لا يرون الحياة إلا بما يراه في مجال الصناعة بشهادات الأيزو التي يمنحها، وبغير ذلك من وسائل وأدوات يعرفها الكثيرون.
ويعتنق هذه الوجهة كثيرون من مختلف البيئات الاجتماعية والثقافية قديما وحديثا؛ فقد رغب الخديو إسماعيل في جعل مصر قطعة من أوروبا، وقد رفع سلامة موسى لواء ذلك في ثلاثينات القرن العشرين، وقد دعا عبد العزيز فهمي عضو مجمع اللغة العربية بمصر إلى كتابة اللغة العربية بالحرف اللاتيني وحارب كل من يدعو إلى تثبيت النظرة الإسلامية في الحياة في نواحيها المختلفة، و... و... إلخ.
وصار الشباب يرفعون الرمز الأجنبي على الرغم من وجود مثاله في الإسلام؛ فصُوَر جيفارا على القبعات والملابس على الرغم من وجود أعلام النضال المسلمين قديما وحديثا، وتأثير المغنين والمغنيات واللاعبين واللاعبات لا يخفى على ناشئة المسلمين.
(7)
إذا، الإسلام الآن غريب في شئون الحياة الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والسياسية والأدبية و... إلخ، ومطلوب أن نحاول أن نصبغ هذه الحياة بصبغة الإسلام، فهل ننتصر على ضعفنا ونتبع ديننا الذي هو رمز عزنا وسبب نهضتنا؟
أدعو!
كثيرا ما مررت على هذا النص وفي كل مرة اعيد القراءة بعين اخرى
ولان الحديث في مثل هكذا مواضيع اتحاشاها..لانها قابلة للتأويل
سؤال..ما الادب العلماني..وهل العلمانية هي الحاد في مجمل افكارها وما تعنيه العلمانية
اهي الشمولية..بحيث تكون جامعة لكل التيارات الفكرية دينية وسياسية..ام لها صبفة محددة
اضن لا يمكننا الاجابة بنعم ولا لان المصطلح فضاض
والسؤال الاخر..ما الادب الاسلامي..وفي ضل الاجتهاد والمدارس الفقهية المتعددة
كيف يكون وما هي صبغته وهل فيه تقاطع مع الادب الشمولي ان صح التعبير
والسؤال الاخر...كيف نفرق بين الادب ..اذ كان في صبغة علمانية ذات منحى الحادي وبين ادب شمولي
جامع يحترم الادب المحلي وحثيات المعتقد..والادب ذات الصبغة الاحادية للدين
وما الذي نسمي الادب الملتزم بتراثه ويملك العلمانية الشمولية والحديثة
والادب الاسلامي الملامس للحداثة
اضن..هناك اشكالية فكرية في تعريف المصطلحات..والبنيوية الفكرية للادب المنتمي
اياً كان انتماءه..ونقاط الفرز الفكري والادبي
الحقيقة هذا الموضوع لم يكن وليد اليوم..بل وجدت اشكاليته في صدر الاسلام
ولكنه اخذ البعد الفكري في العصر الحديث..حين اخذ منحى سياسي وايدلوجي
وسخر الادب لغايات بعيدة عن شموليته الانسانية..
كما قلت الموضوع يحتاج الى مداخلة طويلة لا يتسع المجال هنا في الافاضة
تحياتي اليك استاذي الرائع..ويبقى الاجتهاد في هكذا مواضيع قابل للنقاش
وليست فيه الوجهه جازمة
تحياتي واحترامي وتقديري
دعني أختلف معك قليلاً
بحكم عملي فإنني أعمل مع فرق فنية من الغربيين وقد زرت أوروبا
شهادة حق بدون أي انحياز :
1. تمنيت من كل قلبي أن يقوم ولو واحد منهم بالكذب علي أو إخلاف موعد حتى أقنع نفسي أننا أفضل منهم والكذب عندنا صار (ملح الرجال) كما يقال .
2.عندهم ثقافة روح الفريق الواحد . عكسنا تماماً .
3. عندهم ثقافة التفكير الجمعي وليس الفردي والأناني.
4.عندهم ثقافة احترام النظام والقانون .
5.عندهم ثقافة الشفافية والمحاسبة .
كل القيم السابقة هي من لب ديننا الحنيف ، وقد توصلوا إليها بعقولهم ،بينما نحن أعطينا عقولنا إجازة منذ ما يزيد على 1000 عام .
وكما قال الإمام محمد عبده رحمه الله تعالى حينما زار فرنسا :
(وجدت في فرنسا إسلاماً ولم أجد مسلمين )
وأنا أقول :
(وجدت في بلاد الإسلام مسلمين ولم أجد إسلاماً )
.........
يقول الله تعالى :
(إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم ) ولم يحدد سبحانه وتعالى إن كانوا مؤمنين أو كافرين ،والواقع يصدق هذه الآية الكريمة ،فنجد شعوباً غير مسلمة نهضت ككوريا الجنوبية وفييتنام وسنغافورة وغيرها ،ونجد أيضاً شعوباً مسلمة نهضت أيضاً مثل ماليزيا وتركيا .هذا حصل عند الصنفين حينما غير الناس ما بأنفسهم .
ليس كل ما هو موجود في الغرب سلبي بل أكثر من 95 في المئة من أنظمتهم هي من لب ديننا الحنيف ،ولا ينقصهم سوى الإيمان ليصبحوا (أهل العلم والإيمان) .
بينما نحن ما نزال مقسمين إلى مذاهب وأحزاب ومختلفون على السواك وفرشاة الأسنان ،بينما (الكفار) يفكرون في إنزال إنسان على سطح المريخ.
نحن فقط نجيد التغني بأمجاد أسلافنا .
أشكرك على هذا الموضوع الشيق والمهم .
محبتي
اعود للنص من جديد اولا..يجب على كاتب النص وما دام فكرياً وقابل للمحاورة والنقاش
ان يرد على من من مرَّ على نصه..وهو ما افتقر اليه الموضوع..وهناك سببان اما قصورا في
امكانية الرد واما اهمالاً ولا مبالاة...وكلاهما تدين كاتب النص..
فمن يطرح رأياً فكرياً عليه ان يضع في ذهنه..هناك من يحاوره اما محتلف او متوافق..لا ان يكتب
ويترك موضوعه كمن رمى حجر في بحر...
وهنا تتجلى المصداقية في الطرح..
اغتصب الغرب كل شيء..والعلمانية تشوهت بتعمد صورتها رغم ان
الغرب اخذها منهجا وسلوكا ونظاما..ونعترف ان الغرب هو من اوجد المسى
بعد قرائته للمحتوى
العلمانية وهي تعني بالمفهوم الاسلامي الشمولية..وكان الرسول الاعظم
نبينا الكريم صل الله عليه وسلم..في سنته النبيلة..اول من اوجدها ..
الدليل اختار يثرب عاصمة وسماها المدينة..ولو كان في المعتقد وهو محق به لاختار مكة
اعطى لكل اهل الكتاب حقه..وحتى لاهل الذّمة وهم من الملحدين حرية الاختيار
الغرب..يمتلك النخبة التي تدير دفة الامور فيه..من وراء الستار..ونحن غيبنا النخب عن مراكز القرار
الغرب اخذ العلمانية الاسلامية وسوقها الينا بغير ما هي ..وهو قاصدا فيها ..
العلمانية ..هي مفهوم اسلامي الجذر..اخذ منه الغرب لبه..واعطانا المشوه منها..وبلعنا الطعم
ولذا ..على النخب المثقفة ان تعي دورها في ايصال الفكرة الصحيحة وتنقية المفهوم...
اكرر...على من يطرح رأي فكري..ان يتواصل بالردود مع من يتحفظ على رأيه ومعارض..أو مؤيد
والا ..فلا قيمة لرأي ..أحادي النظرة..لا يرد ولا يحاور
تحياتي وتقديري
1- أعتذر عن التأخير أيها الكريم لكنه ليس إهمالا؛ فقد ابتعدت زمنا ليس قصيرا عن المنتديات، وليس قصورا وعدم علم؛ فإن كنتُ لا أعلم لا أستحي من قول: لا أعلم، بل أطلبه عند أهله مهما كانوا.
2- لا أتناول العلمانية فكرةً فلسفية حتى أجيب عن كل هذه الأسئلة الجزئية لكنني ألحظ منها الملحظ العام الذي هو تنحية الدين عن الحياة في كل مناحيها وقيادتها من خلال خبرة التجربة فقط، وهي شيء لا ينكر دوره أحد لكن لا يجب أن تنفرد بقيادة الحياة.
أدام الله تعالى ثراءك جليلنا النبيل الأستاذ سعد وإثراؤك!
لا أختلف معك يا حبيب بخصوص القيم الإيجابية التي توجد في الغرب، لكن كلامي ينحصر في قيمة واحدة أراها القيمة الأساسية التي يجب أن تنطلق منها كل القيم الحاكمة الحياة ألا وهي قيمة تنفيذ الدين في الحياة.
أما الانشقاقات والانشغال بالجزئيات فهذا سيستمر إلا إن بدأنا تجربتنا الخاصة التي ننمو بها، حينها فقط سنجد الانشغال العام بدأ يرتقي وسيضع الخلافات الجزئية موضعها الملائم غير المؤثر في الانطلاقة.