صرخة إمرأة
في يوم شتائي قارص البرد .. يمطر تارة ويثلج تارة أخرى .... رن هاتفي الارضي رفعت سماعة الهاتف يسبقني كسلي فوصل تثاؤبي إلى محدثي قبل صوتي .. جاءني صوته عبر الاسلاك الباردة ... يا إلهي ... سمعت ذبذبات من صداه ، فتسمرت ؛ قفزت بفرح .. صرختُ وكأنه أمامي ... أصحيح تريد أن تلتقيني؟
بعد غياب سنين حسبتها قروناً تذكرني بكلمات مقتضبة .. حدد موعداً للقائه .. إرتبكت من شدة فرحي ومفاجئتي ..غادرني الكسل ودب في جسدي وروحي نشاط لم أعهده من قبل .. تسلقت السلم صوب الدور العلوي لبيتي بقفزات وكأني في سباق مع الزمن للوصول إليه ...
دخلت الحمام الوردي المبهج .. نزل الماء من الدوش على جسدي الغض وأنساب كشلال هادر .. تابعت قطرات الماء الرشيقة وهي تنساب على خارطة جسدي .. للحظة تخيلتها فم من جمر وعطر يمتد مع تلك القطرات ليلهبني حبآ ، وجدآ ، وشوقآ للقائه .. وقفت أمام المرآة أتأمل ملامح وجهي وتضاريسي الانثوية ...
ماذا لو انتبه على بعض التغييرات التي رسمها العمر على ملامحي ..؛ فتحت خزانة ملابسي لأختار أحلى ملابسي وأبهاها ، وتلك الالوان التي يعشقها ..إرتديت معطفي الفرو الأحمر لأخفي الملابس الشفافة التي لبستها ، تلفحت بلفافه الذي أهداني أياه في عيد ميلادي الأخير ..؛
خرجت مسرعة تاركة للريح أن توصد الباب ورائي .. ركضت في شوارع مدينتنا النائمة أطالع الابواب المغلقة وأتساءل هل يوجد خلف تلك الأبواب من سيكون بسعادتي حين التقيه وأرتوي من غدير حبه ... هل سأراقصه على خطوط الرغبة التي تدفعني اِليه الآن .. عبرت الشارع فلم أجد سوى الأشجار الخضراء الباسقة تتناغم مع المطر ... أقدامي تجذف سيول المطر المنهدرة في أزقتنا الضيقة .. أركض كطفلة لاتعرف الممنوع ..
وقفت أمامه بلحظة صمت ، ذهلت من رجولته المتجدده رغم تقدمه في العمر.. قبـّل جبيني ... أحسست بأن الكون توقف هيبة لتلك اللحظة .. شعرت بدفء قبلاته المتلاحقة تزيدني احتراقاً واقتراباً اليه .. عانقني بحرارة أحسست بأن جسدي ذاب بين يديه وهو يشدني اِليه ؛ مسك يدي وضغط عليها .. تسلل دفء جسده من بين أصابعي ليتسرب كخيوط الشمس لتعانق خفاياي .. رغم برودة المدينة ... حرك في داخلي أشياء كادت في طريقها الى النسيان ..
رافقته الى شقته الصغيرة .. كانت بسيطة وأنيقة بجمال أثاثها المميز ... شربنا نخب لقاءنا وتصاعد دخان سكائرنا .. أمتص رحيق شفاهي فأستنطق رغبتي لتتحول الى صرخة تبدد سكون ليلي الطويل ... أستسلمت بين يديه كما يستسلم المذنب ليد كاهن ...؛ أذبنا مشاعرنا كقطعة سكر .. حباً.. شوقاً.. هياماً ؛ فجر بركان أنوثتي التي لا يدركها الا هو .. هو وحده وليس ثمة رجل آخر يفهم خارطة جسدي ويسافر عبر طرقه الوعرة...؛
أردته أن يكون أبآ .. لحظتها شعرت أنه غير راغب في ذلك؛ حين أجابني أمهلي لحلمك بعض الوقت ..؛ إرتديت معطفي .. خرجت أركض بشوارع دبت فيها الحياة والمارة ودموعي كريهام لايتوقف..؛ الآن وبعد أن أصبح بعيدآ عني بعيدآ جدآ ... همستُ بأعلى صوتي بهمسة أشبه بصرخة..أحبك .
حين قرأت (( الصمت )) وكنت متفاعلا حتى النهاية قررت متابعة ما تكتبين وكنت أتمنى أن لا يخيب ظني ولم يخب لي ظن فيما توقعته فكنت أسير من البداية حتى النهاية تشدني لغة أدبية رائعة وحروف آسرة وصور لا يلفها غموض ولا يغلفها ضباب كما تعودته في قصص الحداثة الجديدة
هنيئا هذا الحرف الآسر والأدب الرفيع الذي يصوغه قلمك السيال غير متكلف لنقل ما تعبر عنه المشاعر والأحاسيس
همسة
لقد انتبهت أن العنوان لا يدل من بعيد ولا من قريب على ما انساب من عواطف فالصرخة تأتي من ألم أو غضب أو انزعاج ولم أعرف أن التعبير عن مشاعر الفرح يكون بالصراخ ، مجرد رأي لقارئ عابر أدهشه المضمون فانتشى منه ونظرإلى اللافته فأبدى استغرابه