فضاء قاس

(( فضاء قاس ))

تعجرفت عليه الدقائق ، أحس بإرهاق يجبره على الولوج في عتمة منزله الفقير ، كانت أكرة الباب ما زالت ملمعة منذ أن غادر صباحا إلى العمل ، و في هذه الصفرة البراقة و اللامتناهية , رأى تلكم البصمات الراعشة ، بصماته ، تشوق للدخول , وأمواج الصبغ القاني تتثاءب على مساحات الباب ، كان من الخطأ أن يتأخر كل هذا الوقت ، و جريمة أن يعود مخمورا , فينزل بأطفاله و زوجته , متراكم عذابات العمل و الشارع ، تهجى شفاه الخشب القديم , وعيناه توعدان بتغييرات جذرية , عل ما فات يندثر بين صدى الكركرات القادمة ، الباب شامخ , والاكرة تنتظر ، يده ترتعش ، ربما هو التعب , قلبه يجرف بدقاته سني التعب الراحلة , وسني الخواء التي ستأتي ، ربما لأنه مرغم هذه الليلة , على تهجي خربشات قلم ابنه الصغير على الدفتر , رأسه يتطوح كشجرة خريف يائسة ، ربما لأنه سكران , جسمه يرتعد ، ربما لأنه خارج المنزل , هواجس و تبريرات كانت تدفعه للدخول ، فتح الباب ودخل , فوجد بأنه قد اجتاز جدارا وحيدا , يفضي إلى الفراغ ، انتقل من الخارج إلى الخارج ، لم يكن ما خلف الفضاء القاسي , و الباب المغلق إلا ... فضاء قاس آخر .
***

مشتاق
نصّك يا مشتاق يشدّ القارئ لأنّه يزدهر في فضاء الحقيقة المطلقة بمرارتهالا في فضاء الإحتمال...
وهو نصّ حامل لمشهد حياتيّ معيش ....
به من ضيق البطل الكثير وانحباسه في وضعيّات متردّية ما جعل اللّغة مبرّرة الإستعمال.....
فالبطل هنا المتكلّم عنه يستمدّ شرعيّة أعماله وتصرفاته من وضعيته ومن شكله ومن بنيته ...
وخطاياه وانزلاقاته من جنس محيطه المنهك البائس....
وقلّة ذات يد الرّجل كافية لخلخلة دواخله ...وهو الذي قلت عنه
فتح الباب ودخل ,
فوجد بأنه قد اجتاز جدارا وحيدا ,
يفضي إلى الفراغ ،
انتقل من الخارج إلى الخارج ،
لم يكن ما خلف الفضاء القاسي ,
و الباب المغلق إلا ...
فضاء قاس آخر .
***
فالرّجل لا يتحرّك الا في دائرة فضاؤها قاس...وأبوابها لا تنفتح على غير فراغ
راقني نصّك جدّا أيها المبدع الأريب

دعد كامل
ايتها المبدعة والمثابرة
صار حضورك علامة تلتصق بالنص لتضيف له رونقا وكمال
شكرا لحضورك بكل النصوص تحياتي

رؤية واقعية لأزمة تتغلغل في النسيج الذي يبطن جدار الذات
رؤية واعية تحفر عميقا في جدار الواقع وتكشف عن تفاصيل الأزمة من خلال منطقة اللاوعي عند البطل الذي يسعى إلى ملاذ غير آمن أو مؤمن يروم الوصول إلى حضن إغفاءة تغيّب ما تبقى من وعيه الهارب أو المهرّب .
إن التشابك بين الشعور بالذنب تجاه الزوجة والأطفال والسخط على الواقع لهو دليل على خصوبة هذا النص وقدرة كاتبه على خلق سرد تحتشد فيه تفاصيل استخرجتها أنا كقارئة من ذاكرة البطل ومزجتها مع رؤية تشكلت منذ الأسطر الأولى لهذا النص الواقعي المكثف الذي يؤسطر لزمن مرهق وواقع فرض مراحله المحرجة على أجيال وجدت نفسها في مهب الريح تعصف بها الأزمات ويزلزلها فقدان المعنى الحقيقي لممارسة الحياة .
إن الانتقال من الخارج إلى الخارج لا يعني إلا العيش دون غطاء ودون ستار يحفظ ماء الوجه .. وكذا لم يكن خلف الفضاء القاسي والباب المغلق إلا فضاء أشد قسوة لما يحمله من يأس وإحباط وشعور باللاجدوى فكل الوقائع لا تبشر إلا بمزيد من الخيبات
وحيث لا أمل في القادم من الأيام التي تحمل المزيد من الخواء
فقد عبر بنا الكاتب إلى واقع أشد قتامة.. واقع عار وقاس
الأديب الكبير مشتاق عبد الهادي
كما عهدناك متلاحم مع الواقع إلى حد الجموح والبكاء
دمت ودام إبداعك
أثبت النص مع المزيد من التقدير

الاديبة الرائعة
سولاف هلال
انها محنة الابواب التي لا تؤدي الا الى الفراغ
شكرا لمرورك والف شكر على التثبيت تحياتي