في ذات حلمٍ بدا لها ببدلته اللامعة، بشيء من الذهول، ماداً يديه الاثنتين إليها وبشيء من نور يشع من وجهه، قال: أأنت من ملح الأرض؟ أأنت من نورها؟ فأجابته بأنها كذا، وراح يغمغم بلغةٍ ما عَهِدَتها لهُ مِن قبل، وترك يديها، ليبتعد ويحدّقُ في عدة أشياء كانت في موضعٍ على الأرض ، وما لبث أن ابتعدَ حتى عاد ماداً يديه الاثنتين إليها من جديد قائلاً: انهضي من غبار الزمان، تعاليَ لنحيا في النور، تعاليَ لنرسم الألق في دروبنا القادمة، وخذيني إلى قلبك الورديّ أرتشف منه خمرة روحي، فأسرار بقائي ...
حدّقت في ناظريه ثانية، وأخذت منه يديه إلى صدرها، وهي تُتمتمُ في غِلٍّ : أتحيا معي دون عدميّتك التي باتت مصدر قهري وانزياحي الى اللاوجود؟! فأنا أفضل أن أفقد وجود ذاتي؛ كي تدركني، وأن ألمح منك عندها شيئا من الاعتراف بي ...
لم تكن إلا لحظات، فإذا بسِوارها النحاسيّ يسقط أرضاً، فلربما أنه انقطع من حرارة يديهما .. ويهمّ بمنكبيه العريضين وبقامته الممشوقة عِلْوَ الأساطير، وينزلُ أرضاً يحملُ بين أطراف أصابعه ذاك السِّوار متأملاً تفاصيله ضاماً إياه إلى صدره، وهو لا يزال ماكثاً على الأرض، فهزّته من كتفه، وقالت: هل بدّد سواري هذا شيئاً من عدميّتك في الوجود؟ هل يحمل سواري معنىً عميقاً في وجدانك لتضعه على صدرك؟
حدّق بها إلى الأعلى تاركاً يده اليسرى على سوار صدره، ماداً يده اليمنى لها من جديد .
فمكثت وهي تمسك يمينه، حيث جمعتهم أرض المكان دون أي تفاصيل أخرى ، وعاد ليقول لها من جديد : ها هي الأرض تجمعنا من جديد كما مُزجنا وأتينا من عجينتها، فبَعْد العدم أنا الآن موجود وبين يديك، فافعلي بي ما شئت إن كنتِ من ملح الأرض .
وتعود لتستنكر تشكيكه بإنسانيتها ناهضةً منزعجةً مما يداعب ذهنه من أفكار اللاشيء، من أفكار عدميّة معدمه بوجودها .
مشت خطوتين، والتفّتْ عنه لتعطيه ظهرها وتقول: انهض من سباتك الأزلي، أفِقْ، ما دمت على حالك البائسة فلن تسكب في روحك إلا البؤس
والتفّتْ مسرعة إلى ناظريه فوجدته منهمراً في دموع الضياع ...
لربما عندها أصابت في كيانه نقطة عدميّته فأحيت فيه الدموع التي قد لا تعني له شيئا أيضاً ..!!
تنهمرُ لحظات سكون ٍ في المكان، وكأنها شيءٌ من نور أحاطهما من جديد فتعود فتمسك يديه؛ ليقف ليبدأ في النور زمن وجوده من اللاوجود
من ذات الشكل والمظهر العدميّ ..
تحضنه بذراعيها؛ فيظللها بذراعيه، ويلتفُ حولهما نورٌ ساحرٌ من جديد
يبث ُفي كليهما معنى البقاء، تاركين على الأرض بعض آثار وجودهما العدميّ وسواراً نحاسيّا ليس له قيمة في عصور الذهب والألماس إلا إفاقته من أسطورة حلمه باللاشيء.. ممتداً بطريق لا مسدود فأوقفته، وجعلت من كيانه وجوداً ينافي الحلم .
التوقيع
مع التحية
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ يــــــــــــــــــــــــــارا عويــــــــــــــــــــــــــــس
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــ
الغالية يارا
أرحب بك من جديد على ضفاف النبع
أتمنى أن تكون والأولاد بخير
فعلاً اشتقنا لكتاباتك وتواجدك
نص عميق المعنى مفعم بالمشاعر
نهايته من أروع ما يكون حرفاً وفلسفةً ومشاعر
وفقك الله
لا تطيلي الغياب
محبتي
(من ذات الشكل والمظهر العدميّ ..
تحضنه بذراعيها؛ فيظللها بذراعيه، ويلتفُ حولهما نورٌ ساحرٌ من جديد
يبث ُفي كليهما معنى البقاء، تاركين على الأرض بعض آثار وجودهما العدميّ وسواراً نحاسيّا ليس له قيمة في عصور الذهب والألماس إلا إفاقته من أسطورة حلمه باللاشيء.. ممتداً بطريق لا مسدود فأوقفته، وجعلت من كيانه وجوداً ينافي الحلم) .