أنهيت عملي في حدود الساعة الرابعة مساء مستعدا كعادتي عائدا للمنزل وأثناء العودة لم أكن أدرك
أنني سأبيت بعيدا عن أجواء البيت الحميمية وقد كان من دأبي بعد الخروج من العمل أن أعرج على سوق الخضر والفواكه .
قمت بجولة خاطفة إلى السوق وقد كانت الأحوال الجوية تنبيء بسقوط الأمطار نظرا للسحب التي غطت وجه السماء
منذ الظهيرة في هذا اليوم من أيام الخريف حيث تكثر الأمطار الطوفانية بعد قحط في زمن الصيف وقيظه فأسرعت
إلى محطة السيارات ولحسن الحظ وجدت سيارة نقل عمومي فركبت مع المسافرين نحو وجهتي بدأ الأفق يتغير والرعد
يقصف والبرق يومض يكاد يخطف الأبصار من وميضه الشديد وما إن سقطت قطرات المطر الأولى إنهالت الأمطار
كوابل مصحوبا بحبات من البرد وبعد ساعة أو ما يزيد من تساقط الأمطار تحولت بعض البقع من الأرض إلى برك
ومستنقعات وأصبح السير صعبا بالسيارة في الطريق التي غمرتها مياه الأمطار .
كان صاحب السيارة يسير ببطء لأن الرؤية أصبحت رديئة والطريق مهتريء وبعد مسافة معتبرة من السير حدث ما لم
يكن بالحسبان حيث وجدنا الماء يغطي أحد الجسور الصغيرة التي أقيمت خصيصا لتسهيل عملية السير في مثل هذه
الظروف فتوقف صاحب السيارة بعدما أدرك أن اجتياز الجسر مجازفة فاشلة وقد كانت الأمطار قد توقفت بعد ما أحدثته
من فيضان فقرر الرجوع من حيث أتى وخيرنا بين العودة معه إلى بيته أو المبيت في مقام أحد الأولياء الصالحين القريب
من مكان توقفنا الذي لا يخلو من الزوار في سائر الأيام لأنه كان يدرك أن الوادي لن يتوقف عن الفيضان إلا بعد ساعات
من الليل .
لقد اختار من كان معي من المسافرين العودة مع السائق أما أنا فقد اخترت المبيت مع زوار المقام لقد كان المقام مبنيا
في مقبرة مسيجة لها مدخل به طريق في وسطها . توكلت على الله وسلمت على الأموات بالمقبرة ودعوت لهم بالرحمة
وواصلت سيري حتى وصلت كان الوقت قريبا من المغرب وبدأ الليل يرخي سدوله مع أجواء السحب القاتمة فاستقبلني أحد
القائمين على خدمة المقام واستقبال الزائرين مرحبا وبعدما أدخلني إحدي الغرف حيث تناول العشاء سألته إن كان هناك
ماء للوضوء قأمر لي بإناء من الماء فتوضأت وصليت المغرب جماعة ثم انصرفنا لتناول ما أعدّ من طعام لتناول العشاء .
كنت منهكا من تعب يومي وكنت انتظر صلاة العشاء بشغف وبعد صلاة العشاء كانت لي جلسات مع بعض الزائرين
ففهمت من حديثهم أن منهم من جاء لطلب الشفاء ومنهم من جاء مع زوجته من أجل الولد ولكل غايته ومقصده .
عندما رآني خادم المقام أستسلم للنوم أحضر لي فراشا وغطاء وطلب مني المبيت بقرب الضريح وبت ليلتي هناك
وبعد سماع آذن الفجر المنبعث من القرية القريبة من المقبرة قمت بأداء الصلاة جماعة مع الزوار وما إن طلع الصباح
حملت محفظتي التي كان ترافقني منذ سنوات بعد تناول فنجان من القهوة وعدت إلى عملي حيث كان الأطفال في انتظاري
كعادتهم قرب المدرسة وبعدما دق الجرس دخلت مع تلامذتي حجرة الدرس لأقدم لهم درسا من دروس التربية الإسلامية
التي تقدّم كل صباح وكان عنوانه ( أركان الإيمان ).
****
بقلم / تواتيت نصرالدين
التوقيع
لا يكفي أن تكون في النور لكي ترى بل ينبغي أن يكون في النور ما تراه