من دفاتر أيامي البعيدة التي ساقتني إلى فضاءات رحيبة برفقة أُمسياته عند الضفاف الغافية على أكتاف الوديان في ضيعتنا وعلى مشارف الهضاب فوق المرتفعات فسحة من آمال عريضة رسمناها بمخيلتنا غادرني لأسرج عبراتها بسرد فصولها.
تستمهلني أوراقي العنيدة التي تقودني كما يحلو لها فصلا إثر فصل وحكاية تلو حكاية، لأنأى بعالمي عن عوالم الكون وأُقلب بدفء سطوري التي رسمتها ريشة قلمي ودواتي فأرسم ما شاء لي من طيب صور الأمس تحت سماء خريفية الألوان جمعت خطوات الأصدقاء من كل صوب نحو قلوبنا الدافئة لنأتلف ونكون صورة بديعة التكوين.
تصافحت قلوبنا ذات خريف لنستعد وننطلق نحو الكواكب البعيدة بأمنيات سارحة كانت تعير لقاءاتنا ندى وتحت هطول حبات المطر يجود قوس قزح بتتويج أمانينا يغدق الوعود بلقاءات محطاتها يافعة لاتيأس من انتظار سُمارها ولاتنأى عن عيونهم لكل رحلة قاطرة للحياة تسير بين مسافات الزمن وكلانا حكاية سيطويها المدى بمختلف مذاقاتها، فكن معي لأكون اول من تسرد رحلات عبورك إلى نبضها بكل صدق وشفافية.
غابات السرو تحترق لتمنح حطب أوصالها لعابر أغرقته دموع الشقاء ابتهالا، آن لها أن تنطفئ تلك النيران التي تحرق القلوب لتتعلم التضحية من سرو الغابات فتهدأ وتنأى عن القنوط لئلا تصدأ قلوب كادت نيران الصد أن تفحم أعماقها فتتوه عن قاطرة الحياة المفعمة بالآمال تزود بها جميع العابرين من أبنائهاعلى مر الأزمان.
التقيت به يافعا واثق الخطى، أسرج لي حصاني المدلل الذي رافق خطواتي الطفولية الأولى حتى امتهنت عشق صهوات المجد فكان أن عشقنا صهيل الدروب تحت وقع حوافر أجيادنا وكان أن حضنتنا غيوث الشموس في آفاق تطلعاتنا وتوازعنا أدوا رالبطولات وانفردنا فوق التلال نعتلي صهوات الطموح ننأى عن عوالمنا بين المجرات، وتنأى عن مسامعنا ذرات تثيير الرماد في العيون فتلهب نيران الحرب والغيرة فتقوى أضعف الأشواك على اقتلاع أصغر برعم من حضن الأرض، متنوح أكمام الورد أسى ولاتقوى على استقبال الربيع كفصل يلائم بيئتها لتكبر وتمنحنا طيب شذاها وعبير أريجها..
لِنبدأ ياصديقي بسرد الحكاية "كنت معه"رغم أحزان الفصول لايأس مع دوام الأمل بثورة القلم....
شدتها كثيرا سرد أحداث هذا الكتاب الذي يسجل وقائع عاصرتها، لم تكن وحدها التي عانت من اضطرابات القرن لكنها من القلائل الذين يسعون لحفظ وتسجيل الوقائع في تاريخها، بعد اجتياح العالم وباء"كورونا"خيم شبح الحرب على شرق المتوسط اشتعل فتيل الأزمة بين اليونان وتركيا وروسيا، أما على الجانب اليابس من القارة الاسيوية قامت الحرب بين ارمينيا واذربيجان
تأملت قهوتها التي أوشكت على الانتهاء وكذلك صفحات الكتاب شعرت بوميض غريب هناك شيء يربط بين الأحدث بمجملها كل رواية لها بداية ونهاية كما الحرب وكما الحياة مابين الميلاد والموت سلسلة وقائع على المرء الانصياع لها وتدوينها بدقة منعا من إعادة التاريخ ثانية.
كان عليها إقناع وليد بالمكوث في أرض الوطن قليلا، لكنها أخفقت إنه بعيد عن مساحات معاناتها التي جعلتها تنطوي على نفسها تقضي وقتها في تصفح الشبكة العنكبوتية لدى عودة التيار الكهربائي وقراءة ماتيسر لها من الكتب والمجلات بمختلف انواعها، سافر وليد اخيها الكبير إلى الصين لإتمام بعض الصفقات هناك بينما البلاد تشهد حالة من الحصار الرهيب الكهرباء شحيحة وكذلك المياه كما العواطف النبيلة التي كان يجود بها أصدقاء الزمن الجميل.
"عاصم" أحد هؤلاء الذين أغدقوا بعواطفهم تجاهها كان يخشى مصارحتها بحقيقة مشاعره لكنها فهمت بانه يرغب بالتقرب منها وكان له ذلك، غير أن رياح التغيير طالت المشاعر الجميلة المكبوتة تطايرت كما بعثرة الأوراق عندما تلهو بها عواصف تشرين,
استعادت شيئا من ماضيها وهي تتلمس ملامحها لقد تخطت الأربعين بكثير مازالت تشعر بالحيوية والنشاط ومازال في قلبها ركن ينتظره لقد قضت معه أمتع الأوقات وأحلاها.
شدتها كثيرا سرد أحداث هذا الكتاب الذي يسجل وقائع عاصرتها، لم تكن وحدها التي عانت من اضطرابات القرن لكنها من القلائل الذين يسعون لحفظ وتسجيل الوقائع في تاريخها، بعد اجتياح العالم وباء"كورونا"خيم شبح الحرب على شرق المتوسط اشتعل فتيل الأزمة بين اليونان وتركيا وروسيا، أما على الجانب اليابس من القارة الاسيوية قامت الحرب بين ارمينيا واذربيجان
تأملت قهوتها التي أوشكت على الانتهاء وكذلك صفحات الكتاب شعرت بوميض غريب هناك شيء يربط بين الأحدث بمجملها كل رواية لها بداية ونهاية كما الحرب وكما الحياة مابين الميلاد والموت سلسلة وقائع على المرء الانصياع لها وتدوينها بدقة منعا من إعادة التاريخ ثانية.
كان عليها إقناع وليد بالمكوث في أرض الوطن قليلا، لكنها أخفقت إنه بعيد عن مساحات معاناتها التي جعلتها تنطوي على نفسها تقضي وقتها في تصفح الشبكة العنكبوتية لدى عودة التيار الكهربائي وقراءة ماتيسر لها من الكتب والمجلات بمختلف انواعها، سافر وليد اخيها الكبير إلى الصين لإتمام بعض الصفقات هناك بينما البلاد تشهد حالة من الحصار الرهيب الكهرباء شحيحة وكذلك المياه كما العواطف النبيلة التي كان يجود بها أصدقاء الزمن الجميل.
"عاصم" أحد هؤلاء الذين أغدقوا بعواطفهم تجاهها كان يخشى مصارحتها بحقيقة مشاعره لكنها فهمت بانه يرغب بالتقرب منها وكان له ذلك، غير أن رياح التغيير طالت المشاعر الجميلة المكبوتة تطايرت كما بعثرة الأوراق عندما تلهو بها عواصف تشرين,
استعادت شيئا من ماضيها وهي تتلمس ملامحها لقد تخطت الأربعين بكثير مازالت تشعر بالحيوية والنشاط ومازال في قلبها ركن ينتظره لقد قضت معه أمتع الأوقات وأحلاها.
تلبدت السماء بالغيوم، وتهيأت النفوس لاستقبال المطر المعاطف الشتوية والمظلات والقبعات الصوفية والقفازات أما القلوب فبقيت وردية تنظم الخواطر الرومانسية والأشعار إن تثنى لها إتقان عروضها ووصف المشاعر برقة متناغمة اِقترب منها محييا إياها مع بداية عام دراسي جديد لابد وأن يُقدم لها بضعة زهرات نسيتها رياح أيلول عالقة على أغصان شجرة بين دالية أو فوق مساحة مخضبة بالفل والجوري المخملي الدافئ!
تناولت الزهرات الملونات بخجل وادارت كرسيها المتحرك لتستأنف بداية عام جديد مع رحلة زميلاتها الجدد من ذوات الاحتياجات اللواتي ارتفع عددهن مع تزايد الاضطرابات في مدينتها التي شهدت قصفاً ونزوحاً عشوائي بشكل ملحوظ فقدت إثر ذلك عائلتها وقدمها اليسرى لم يبق لها سوى "وئام" صديق الطفولة الذي كانت تقضي معه أمتع الأوقات وأطيبها.
أغرقت الأغاني الوطنية عيوننا لم نعد نخشى الغد عززت تشرين في النفوس مشاعر الفخر والاعتزاز وكثيرا ما لمعت عيوننا بدموع الفرح ونحن نشاهد تداعيات العبور عبر شاشات التلفزة كنت طفلة في احضان الوطن الأم يوم حلقت طائرات ميغ فوق مرتفعاتنا وسهولنا طبع قبلة فوق جبيني وغادر مساحات غرفتي الواسعة لألقي بألعابي وأنزوي دامعة بانتظار طيف ربما لن يعود!
مرت الأيام وكبرت معها مساحات الخوف في قلبي، وتوسعت في شراييني آهات الحسرة والألم والمرارة كان القلق يملأ كياني غادرني الجميع تركوني أعبث بطفولتي كما شاء لي لأتعلم تهجئة الحروف الأبجدية وما إن وضعت الحرب أوزارها عاد كم هائل من الرجال يحملون أصدقاء لهم كانوا في ميادين الشرف والعزة فوق أكتافهم يكبرون تارة ويدمعون تارة أخرى!
تصدرت صور أبطال الحرب صفحات الجرائد اليومية طافت العالم ملامحهم العنيدة، كانت أوسمتهم لامعة تحت الشمس كما السيوف لاتعرف لها غمدا سوى في السلم، وتدمع عيني لم اعد ألتق به ذاك الطيف الذي غادر أيامي على عجل تجمدت دموع الفرح بنصر رجالنا إثر مصابي الكبير، لقد سرقت الحرب مني طيفاً أحنى عليّ ماتزال سهام عينيه تلمع في خاطري إني أراه ملوحا أمامي وهو يبتعد عني شيئا فشيئا شعرت باليتم بمرارة لاتوصف لكن ما إن لاحت راية الوطن خفاقة عزيزة أمامي وتعالت حناجرالطلبة مرددة النشيط الوطني حتى تمالكت نفسي وصارحتها بكل كبرياء لقد كان أحد شهداء الضربة الجوية الأولى !
تعاقبت دورة الحياة، لم أتعافى من جروحي ما إن غادرت مريولي المدرسي حتى التحقت بسرب قواتنا الجوية الباسلة لأنال مرتبة رفيعة بالعز والفخار وأُسجل أرقاماً في الملاحة الجوية لم يسجلها أحد قبلي، تقلدت الأوسمة تلتها شهادات التقدير توسدت سحاب سمواتنا العالية ودحرت طيران الأعادي مرات عديدة في كل مرة أرى طيفه يوجه ضرباتي الجوية يلهمني الخطط الدفاعية ثم يبتعد ويبتعد تاركا لي كل الأمل والشعور بالعز والفخار.
5ـ
آه زينب
انحدرت دمعة على خد زينب وهي تستلم كتابا من "ماجد" وهو يطلب منها أن تمعن في قراءته ثم قبلها وانصرف ليلتحق بطلائع الجيش لمواجهة العدو الذي يتربص لبلاده في أقاصي الجنوب الصاقع لم تدري كيف حضنت الكتاب وهي تتلمس خدها المتورد خوخا وقد علقت بأنفاسها راوئح عطره الممزوج باروائح الليمون الكرز والبرتقال..
ما إن مسحت دمعها السخي حتى جلست إلى جانب الموقد الحطبي وهي تستعد لفتح الكتاب الذي اندس بين أوراقه ورقه ليلكية اللون سارعت بفتحا لتقرأ فيها:
"لقد تركت في قلبي الأثر الأكبر ولامست مساحات لم اكن أشعر بوجودها من قبل، أيقظت فيني مشاعر وأحاسيس مختلفة لاتشبه تلك الأحاسيس التي تبادلناها في زخم الطفولة تعانقنا كثيرا وتبادلنا قبلات بريئة لكنك برعت في فتح زوايا في كل ركن من أركان قلبي تخطى لهيب القُبل وحرارة الأشواق..
أستودعك خيرا فؤادي المحب وقلبي الذي لن ينساك إنني ذاهب لأُكمِل عد الجثث التي توقفنا عندها عشية يوم بارد من أيام شهر كانون كانت الدنيا تتأهب لاستقبال عام جديد وكنا على حدود الوطن نرسم تباشير الخلاص كان الثلج يذوب تحت أقدامنا تُلهبه نيران الغضب وتثير ندفه الناعم نزق ثورتنا وإصرارنا على تحرير أرضنا ونيل حريتنا!
هنا على التخوم الجنوبية تحللت أجساد الأصدقاء الذين كانوا يستعدون للعودة إلى منازلهم لقضاء عطلتي الميلاد والعام الجديد، أمطرت فوقهم جحافل العدا وابل من الشظايا والعيارات النارية كانت المسافة صفرا مابين الطلقة والجسد الممدد كيف تمكنوا من الوصول إلى خنادقنا لا نعلم لكننا نعلم بأنهم راحوا ضحية تشبثهم بالمقاومة حتى آخر قطرة من دمهم وفاء لوطنهم وإخلاصا لأصدقائهم..
بكينا ليلتها بمرارة كيف نعيد الجثث لذويها وقد تحللت رغم الصقيع ورغم جليد الأكوان!.
أطلب منك قراءة هذا الكتاب الذي أهداني إياه أحد الأصدقاء فيه رائحة برتقال أرضنا وليمونها فيه حكايات كروم العنب ودواليها، فيه جزء من طفولة كل منا وهو يمضي أوقات مرحه القليلة بين أحضان بساتين الخوخ والتفاح وكرز السهول والوديان.."
في النهاية كوني على يقين من حبي لك، وكوني متيقنة من أنك الأغلى بعد وطني الذي ضم أشلاء أصدقائي انتظري عودتي ولاتهملي رسالتي التي غمدتها بروائح الخوخ والياسمين المعشق بروائح شعرك الذي أحببته.. انتهت الرسالة!
طوت الورقة برقة بالغة وقد بللها دمعها المنسكب لتبدأ بقراءة أول فصل من فصول الكتاب الذي تركه لها "ماجد" آه زينب!
تعلمت الكثير من حكايات العم "جو"وفاتها الأكثر لدى ابتعادها عنه إثر إصابتها بنزيف حاد في رأسها كاد أن يودي بحياتها فقد تشاجرت والصبي"توم"ذات عراك أصر فيه على أن يدنس جسدها ويعبث بعفافها فما كان منها سوى أن صرخت وابتعدت باتجاه الصالة فلحق بها يريد أن يسقطها أرضا صرخت وألقت بنفسها تحت صوفة كات تمضي فوقها بضع دقائق تستمع إلى الموسيقى وهي ترشف القهوة!
ترهلت حياتها كثيرا حزنت وتوجعت لم يتمكن منها إلا بعد أن فقدت صوابها وغبات عن الوعي كانت الضربات تنهال فوق رأسها تباعا شعرت بشيء تفجر في دماغها الذي اهتزت الدماء فيه لتبدأ بالخروج إلى خارج الجمجمة نقطة تتبعها نقطة!
رافق بكاءها صوت الريح التي تمر عبر حقول الخوخ في حزيران، تعتب عينيها من ملاحقة القطط ومتابعة هبوط ستائر المساء ورويدا رويدا بدأت تغيب عن الوعي!
مرت الأيام وهي جثة مستلقية فوق السريرغارقة في الدماء و"توم"تحول لاسم عاهر لا خصال حميدة فيه يلطم كما نساء الضيعة بحثا عن نعجة يسرق منها شيئا من أنوثتها، يعبث ببراءتها يُتعب صدها ويُسهِبُ في إغوائها نهره وزجره كثيرا العم"جو"وحزن لمصابها وسهر إلى جانبها يسمعها حكاياته عن عالم الجن وعن أساطير الكواكب والأقمار والفُلك الذي ندور فيه..
ذات أمسية لا تعلم في أي شهر ولا في أي سنة شعرت بخفقان قلبها وبعودة النبض إلى كيانها كان وجه العم"جو" أشرق ابتساما رغم تعبه كان سعيدا أن عادت أنفاسها من جديد نهضت بتثاقل إليه لا تعلم لم مكوثها الطويل ولم هو بجانبها لقد أنساها النزيف كل ماكان يدور حولها وأنستها آلامها أن تسأل عن الوقت وعن الزمن وعن سرعة دوران الأرض!
طبع قبلة أعلى جبينها ودعاها للتنزه بين روابي الضيعةعبر الحقول والوديان كانت السماء ضبابية وألوان الأشجار شاحبة لمحت وجه"توم"وهو يشير لهما بأن يتراجعا عن التقدم إلى الأمام كان في صوته نبرات شريرة تنبئ عن موت الأماني والأحلام الجميلة..
لم أتُعِر تهديداته أي اهتمام وتابعت المسير برفقة العم الطيب"جو"ما إن اقترب حتى تناولت فأسا كان مُلقى على جذع شجرة وانهالت فوقه تشتمه وتضربه بالفأس حتى غادر الحياة إلى غير رجعة حضنها العم الطيب بكل حنان بينما انسكبت بضع قطرات من دمها من فمه الذي امتلأ بها ليحملها أهالي القرية من جديد إلى المستشفى وتدخل في غيبوبة جديدة لايعلم متى تصحو منها سوى رب العباد!