(( السيرة النبوية ))
{{ الحلقة الثلاثون }}
٧١٩- وقبل وفاته ﷺ بيومين ، وَجَدَ النبي ﷺ من نفسه خِفَّة ، فخرج يُهادى بين رجلين ، ورجلاه تخُطَّان في الأرض من شدة المرض .
٧٢٠- وإذا بأبي بكر يُصلي بالناس فلما أحس أبو بكر به أراد الرجوع فأشار إليه النبي ﷺ أن مكانك ، وجلس ﷺ عن يسار أبي بكر .
٧٢١- أما صلاة عمر رضي الله عنه بالناس ، وقول النبي ﷺ : " يأبى الله والمسلمون إلا أبا بكر ".
فهو حديث ضعيف رواه أحمد وغيره .
٧٢٢- ولما كان يوم الأحد قبل وفاة النبي ﷺ بيوم اشتد به ﷺ المرض ، فوصلت الأخبار إلى جيش أسامة رضي الله عنه فرجع إلى المدينة
٧٢٣- بات النبي ﷺ ليلة الإثنين دَنِفاً - يعني اشتد مرضه حتى أشرف على الموت - فلما طلع الفجر أصبح مُفيقاً .
٧٢٤- فكشف رسول الله ﷺ ستر حُجرته ، ونظر إلى الناس وهم صفوف في الصلاة خلف أبي بكر الصديق ، فتبسم لِمَا رأى من اجتماعهم.
٧٢٥- قال أنس : كأن وجهه ﷺ وَرَقَة ُمُصْحف - هو عبارة عن الجمال البارع - فهممنا أن نَفْتتن من الفرح برُؤية ﷺ .
٧٢٦- ثم أخبرهم رسول الله ﷺ بأنه لم يَبْق من أمر النبوة إلا المبشرات ، وهي الرؤيا الصالحة يراها المؤمن في منامه .
رواه مسلم
٧٢٧- فلما رأى الناس رسول الله ﷺ قد أصبح مُفيقا ظَنُّوا أنه قد بَرِئ من مرضه ، فانصرفوا إلى منازلهم وحوائجهم مستبشرين .
٧٢٨- واستأذن أبو بكر الصديق رسول الله ﷺ في الخروج إلى أهله في منطقة السُّنْح في عوالي المدينة ، فأذن له النبي ﷺ .
٧٢٩- فلما كان ضُحى يوم الإثنين ١٢ ربيع الأول سنة ١١ هـ ، اشتد على رسول الله ﷺ مرضه وجعل يتغشاه بأبي هو وأمي الكرب الشديد .
٧٣٠- فقالت فاطمة : واكَرْبَ أبتاه ، فقال ﷺ : " لا كَرْب على أبيك بعد اليوم ، إنه قد حضر من أبيك ما ليس بتاركٍ منه أحداً ".
٧٣١- وبينما رسول الله ﷺ يُعالج سكرات الموت ، وعائشة رضي الله عنها مُسندته صدرها ، وبين يديه ﷺ إناء فيه ماء .
٧٣٢- فجعل النبي ﷺ يُدخل يَدَيه في الماء فيمسح بهما وجهه ، ويقول : " لا إله إلا الله إن للموت سكرات ".
٧٣٣- ثم نَصَبَ ﷺ يَده ، فجعل يقول : " في الرفيق الأعلى "، فَقُبض ، ومالَتْ يده ﷺ .
٧٣٤- وفي رواية قالت عائشة : كنت مُسندته إلى صدري ، فدعا بطَسْت ، فلقد انْخَنَثَ - أي مال - في حِجْري ، فما شعرت أنه مات.
٧٣٥- وفي رواية الإمام أحمد قالت عائشة : فبينما رأسه ﷺ على منكبي إذ مال رأسه نحو رأسي ، فظننت أنه غُشي عليه .
٧٣٦- وفي رواية أخرى قالت عائشة : قُبض النبي ﷺ ورأسه بين سَحْري ونَحْري ، فلما خرجت نفسه لم أجد ريحاً قط أطيب منها .
٧٣٧- وكانت وفاته ﷺ بأبي هو وأمي ضُحى يوم الإثنين ١٢ ربيع الأول سنة ١١ هـ ، وعمره ٦٣ .
٧٣٨- وشاع خبر وفاة النبي ﷺ في المدينة ، ونزل خبر وفاته ﷺ على الصحابة رضي الله عنهم كالصاعقة ، لشدة حُبِّهم له .
٧٣٩- ودخل الصحابة على النبي ﷺ في بيت عائشة ، ينظرون إليه ، وقالوا : كيف يموت وهو شهيد علينا ، ونحن شهداء على الناس .
٧٤٠- وجاء عمر بن الخطاب رضي الله عنه ، ودخل على النبي ﷺ ، فلما رآه ، قال : واغَشَيَاه ، ما أشَدَّ غَشْي رسول الله ﷺ .
٧٤١- ثم خرج عمر من عند النبي ﷺ سالاً سيفه ويتوعد الناس ويقول : والله لا أسمع أحداً يقول : مات رسول الله إلا ضربته بالسيف .
٧٤٢- وقال أيضا رضي الله عنه : إن رسول الله ﷺ ما مات ، ولكنه ذهب إلى ربه كما ذهب موسى ، والله ليرجعن رسول الله ﷺ
٧٤٣- كما رجع موسى ، فليقطعنَّ أيدي رجال وأرجُلَهم زعموا أنه مات.
وهكذا لم يتمالك عمر رضي الله عنه من هول مصيبة موت النبي ﷺ.
٧٤٤- كان أبو بكر الصديق رضي الله عنه غائبا لما مات رسول الله ﷺ، كان قد استأذن النبي ﷺ في الذهاب لمنطقة السُّنْح .
٧٤٥- فانطلق أحد الصحابة إليه ، وأخبره خبر موت النبي ﷺ ، وأن الناس في حال لا يعلمه إلا الله سبحانه.
٧٤٦- فانطلق أبو بكر الصديق مُسرعاً على فرسه حتى دخل المسجد النبوي ، وإذا بالناس يَبكون ، وعُمر شاهراً سيفه يُكلم الناس .
٧٤٧- فلم يَلتفت أبو بكر الصديق رضي الله عنه إلى شيء من ذلك ، ودخل على النبي ﷺ وهو مُسجى على سريره ، وكشف عن وجهه الطاهر .
٧٤٨- وقال رضي الله عنه : إنا لله وإنا إليه راجعون ، ثم أكبَّ عليه فقبله وهو يبكي ، ويقول : طبت حيا وميتا يارسول الله .
٧٤٩- والله لا يجمع الله عليك موتتين ، أما الموتة التي كتبت عليك فقد ذُقتها ، ثم لن يُصيبك بعدها موتة أبدا ثم غطى النبي ﷺ .
٧٥٠- ثم خرج رضي الله عنه للناس ، وهم مابين منكر ، وحائر من هول المصيبة ، ورأى عمر وهو يُهدد ويتوعّد من يقول بموت النبي ﷺ.
٧٥١- فقال أبو بكر رضي الله عنه : على رِسلك - يعني مهلك - ياعمر ، فأبي عمر أن يسكت فلما رآه لا ينصت أقبل أبوبكر على الناس .
٧٥٢- وبدأ أبوبكر رضي الله عنه يخطب في الناس ، فلما سمعوا كلامه أقبلوا عليه ، وتركوا عمر رضي الله عنه .
٧٥٣- فقال أبوبكر رضي الله عنه: " أيها الناس مَن كان يعبد محمداً فإن محمدًا قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت ."
٧٥٤- قال الله تعالى : " وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ...".
٧٥٥- قال ابن عباس : والله لكأنَّ الناس لم يعلموا أن الله أنزل هذه الآية حتى تلاها أبو بكر رضي الله عنه .